"الرعاية.. الكرامة" مصطلحان فرضا نفسهما علي الرأي العام المصري بجميع مكوناته وبمختلف فئاته منذ مساء الأربعاء الماضي وما حدث من اعتداءات في أم درمان من جانب جمهور مجرم بربري جزائري تجاه جمهور نخبوي مصري عقب مباراة كرة القدم التي جمعت بين منتخبي البلدين في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم بجنوب أفريقيا 0102. وحقيقة الأمر أن المسألة لها أكثر من بعد سواء بالنسبة لدور السفارات المصرية وطبيعة ومستوي الرعاية الذي تقدمه للمصريين بالخارج أو فيما يتعلق بإجراءات تحمل في طياتها كبرياء الدولة والمواطنين وهو ما سنقوم بتوضيحه في النقاط الآتية: أولاً: بالنسبة للسفارات ورعايتها السفارة أو القنصلية هي أداة تمثيل للدولة بجميع أجهزتها ومن ثم فإذا تقدم مصري للقنصلية لإجراء معاملة ما ولتكن استخراج جواز سفر لا تأخذ السفارة الإجراء بالرجوع للجهات والأجهزة المعنية في مصر لإبداء رأيها وعقب ذلك تتخذ الإجراء وهكذا. السفارة أو القنصلية وهي تقوم بتقديم الرعاية محكومة بموازنة وبمخصصات مالية لها بنود صرف محددة هذه البنود تقيدها ولا تمكنها من تقديم الرعاية ا لتي يطمح إليها المصريون ويطالبون بها فليس بإمكان السفارة أن توكل محاميا لمصري إذا تعرض لمأزق قضائي من أي نوع ولا بإمكانها أن تقدم قرضا ماليا أو أن توفر مسكنا أو عقد عمل أو دفع فاتورة علاج أو إعانة معينة لمن يفقد عمله والكثير من الخدمات التي يطالب بها الناس وعندما لا يجدونها يصرخون أين السفارة المصرية؟ وواقع الأمر يقول إن كل ما يمكن للسفارات أو القنصليات أن تفعله هو أن تقوم بالعمل الدبلوماسي في صورته الأصلية والتي تتمثل في إجراء الاتصالات مع سلطات الدولة التي تستضيف البعثة أو السفارة أو القنصلية وتسخر هذه الاتصالات بما تحمله من تشعب تتصل بملفات أخري في العلاقات الثنائية التي تجمع مصر بهذه الدولة أو تلك في خدمة المسائل القنصلية أو مشكلات الجالية وما حدث في السودان يوم الأربعاء الماضي يأتي في السياق الذي نتحدث به فالسفارة المصرية في الخرطوم والتي قوامها لا يصل إلي عشرة أفراد فرض عليها الأمر الواقع التعامل مع عشرة آلاف مشجع مصري يضمون فئات مهمة متنوعة ما بين سياسيين وإعلاميين وفنانين ورجال الأعمال ولا تملك السفارة كوماندوز أو ميليشيا مسلحة لكي تؤمن هذه الفئة أو تلك ولا في قدرتها أو في نطاق عملها أن تعين حارسا علي هذه الشخصية المهمة أو هذا النجم ولكن كل ما يمكن للسفارة أن تفعله هو ما قامت به من اتصال وتنسيق مع السلطات السودانية للوقوف علي جميع الترتيبات ومحاولة إزالة العقبات وتيسير الأمور ولكن إذا كانت الدولة السودانية بجميع أجهزتها فلت زمام الأمور من يدها فكيف نلوم السفارة؟ واقع الأمر يقول أيضا أن الخارجية وفيما يخص رعاية المواطنين أدركت حال المعادلة التي تقول أن الموارد ثابتة ورعاية المصريين بالخارج والدفاع عن حقوقهم أمر واجب التحقيق. فعمد وزير الخارجية أحمد أبوالغيط إلي إعادة هيكلة القطاع القنصلي وتدعيمه بالعناصر والكوادر المتميزة - علي عكس الحال في فترات سابقة كان نقل الدبلوماسي من السلك السياسي إلي السلك القنصلي بمثابة عقاب - وبدأت الخارجية في إعداد حلول مبتكرة والاستفادة من التجارب المتميزة للدول الأخري في مجال رعاية المواطنين. فقامت بإعداد مشروع متكامل لرعاية المصريين بالخارج يسد جميع الثغرات التي تعوق السفارات والقنصليات في تقديمها الرعاية المطلوبة للمواطنين، وبالفعل ذهب هذا المشروع إلي مجلس الشعب ولم ير النور حتي الآن!! وإن كانت المعلومات المتوافرة ل "روزاليوسف" من مصادر مطلعة تقول إن الوزير أبوالغيط طلب من القائمين علي المشروع خاصة السفير محمد منيسي بصفته رئيس الهيئة المصرية لرعاية المصريين بالخارج "تحت التأسيس" إعادة ضخ الدماء في شرايين هذا المشروع الذي يوفر مظلة تأمينية شاملة علي المصريين بالخارج. ثانيا: وفيما يتعلق بحديث "الكرامة" والذي تتسع عباءته لتشمل كل إهانة من أي نوع قد يتعرض لها مصري من دولة أخري عربية كانت أو أجنبية سواء كانت هذه الاهانة علي أرض هذه الدولة أو من خلال سفارتها أو قنصليتها في مصر، من هنا تكون الحاجة لإقرار مبدأ المعاملة بالمثل الذي يعد مطلبا شعبيا أصيلاً ويمس كرامة المصريين مباشرة خاصة في مسألة الحصول علي التأشيرات ولا يوجد مصري حاول السفر لأي دولة سواء أجنبية أو عربية إلا وتجرع من كأس الإهانة، ومناسبة هذا الحديث أيضا أننا بصدد مرور عام علي تجربة جريئة خاضتها وزارة الخارجية بمفردها بعدما أعلنت تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل علي الدبلوماسيين الأجانب ومنعهم من دخول مصر إلا بعد الحصول علي التأشيرة من السفارات المصرية بالخارج ونجحت تجربة الخارجية وتقدمت دول عديدة لإبرام اتفاقيات إعفاء متبادل من الحصول علي التأشيرة كان آخرها النمسا.. وعلي مدار العام الماضي أعادت السلطات في المطارات المصرية العديد من الدبلوماسيين من أمريكا وكندا وأوروبا من حيث أتوا ورفضوا السماح بدخولهم مصر لعدم حصولهم علي تأشيرة من السفارة المصرية. ووقتها تساءلت "روزاليوسف" لماذا لا يمتد هذا الإجراء للمواطنين العاديين وعدم قصره علي الدبلوماسيين المصريين فقط. فكان رد الخارجية من السفير حسام زكي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أن إقرار مبدأ المعاملة بالمثل بصورة شاملة ليس بيد وزارة الخارجية ولكنه قرار لابد أن يصدر عن الحكومة المصرية، وكان رد السفير مجدي راضي المتحدث باسم مجلس الوزراء أن هذا القرار سيكون له توابع اقتصادية تؤثر علي أحد أهم روافد الدخل القومي لمصر وهي السياحة. إذن.. وبعد ما سبق من عرض وفي خضم الحديث عن الرعاية والكرامة نصل إلي معادلة مفادها موارد + معاملة بالمثل = رعاية وكرامة. محظور النشر اعتادت.. إدارة الإعلام والدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية علي إمداد مراسلي الصحف ووسائل الإعلام المعتمدة لدي الوزارة، بنشرات متخصصة تحتوي علي رصد مواقف إعلامية أو سياسية لقضايا وملفات الساعة، تقدم علي إنها خدمة تثقيفية محظورة النشر، ولكن وبدون مبرر تعامل البعض مع نشرة متخصصة حول مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر علي أنه بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية وبالفعل تناقلته عدد من الفضائيات ووكالات الأنباء.. الأمر الذي دفع المتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير حسام زكي بإصدار بيان صحفي يوضح فيه حقيقة الأمور. يذكر أن شهر نوفمبر الجاري شهد العديد من الإصدارات المتميزة لإدارة الإعلام والدبلوماسية قامت بتغطية مختلف الأحداث علي الساحة الاقليمية والدولية تميزت بعمق وحرفية شديدة.