من المفروض أن تهدف المسابقات الرياضية إلي نشر أواصر المودة بين الشعوب وأن تسعي للقضاء علي الخصال السيئة في الإنسان كالتعصب والعدوانية والعنصرية وهي ذات الخصال التي أدت إلي الحروب الإقليمية والعالمية بين الشعوب ومن المحتمل أن تنتهي هذه المسابقات بهزيمة الفريق الذي نؤازره وفي هذه الحالة لا نملك سوي تقبل الأمر بروح رياضية ونهنئ الفريق الفائز ثم نستعد للجولات التالية، وهذه الروح الطيبة نجدها بوضوح في رياضة التنس وهي رياضة فردية يتقبل فيها اللاعب الخاسر الهزيمة ولا تنتهي المباراة إلا إذا تصافح اللاعبان قبل مغادرة الملعب، أما الرياضات الجماعية وعلي رأسها كرة القدم فتشتمل دائما علي أحداث عنف سواء بين جماهير البلد الواحد أو جماهير بلدين مختلفين. لقد كان الروائي الإنجليزي جورج أورويل مؤلف رواية مزرعة الحيوانات علي حق حين كتب مقالا في جريدة تربيون اللندنية في ديسمبر عام 1945 حيث أوضح أن الناس يجانبهم الصواب إذا اعتقدوا أن الرياضة والمسابقات تنشر السلام بين الشعوب لأنها أصبحت في الواقع مصدرا لإثارة مشاعر الكراهية بين مواطني الدول، وكما يقول الخبير الفرنسي باسكال بونيفيس في مقال عنوانه الجغرافية السياسية لكرة القدم فإن كرة القدم قد تنعش النزاعات القومية وتستدعي أشباح الحروب السابقة لقد كان ذلك جليا خلال مباراة كرة القدم بين الصين واليابان في كأس العالم 2004 حيث ارتدت الجماهير الصينية الزي الذي كان يرتديه الجنود اليابانيون في عام 1930، حيث قاموا باحتلال الصين كما قام مشجعون صينيون برفع يافطات مدون عليها رقم 300 ألف في إشارة إلي عدد القتلي الصينيين علي يد الجيش الياباني في عام 1937 . لقد تلاحظ أن مباراة كرة قدم تؤهل من يفوز بها للمشاركة في كأس العالم 2010 قد أدت إلي إثارة مشاعر الكراهية بين شعبين عربيين كمصر والجزائر من الواضح أن لقاءات منتخب مصر ومنتخب الجزائر في كرة القدم باتت تصاحبها أحداث مؤسفة لقد شهد لقاء الفريقين في عام 1989 أحداثا مأسوية عقب المباراة حيث تعرض طبيب مصري لعاهة مستديمة وانتهي الأمر بإصدار الانتربول إذناً قضائياً بالقبض علي اللاعب الجزائرير الأخضر بلومي ورغم ذلك فإن الطيبة المصرية قد وضعت نهاية لهذه الأزمة التي انتهت قبيل لقاء الفريقين في منافسات التأهل لكأس العالم في جنوب أفريقيا وخلال لقاء الفريقين في استاد القاهرة يوم 14 نوفمبر فإن الصحف الجزائرية كصحيفة الهداف الرياضية لم تتوقف عن تهويل حادث الاعتداء علي الحافلة التي تقل الفريق الجزائري وحتي بعد انتهاء المباراة فقد واصلت الصحف الجزائرية كصحيفة الخبر اليومي نشر الإشاعات التي تتعلق بمجزرة القاهرة وأن سيدة جزائرية حامل تعرضت للضرب والإهانة وأخذت هذه الصحف تنشر ادعاءات بعض مشجعي الجزائر الذين شهدوا اللقاء في القاهرة. ولا يمكن وصف ما حدث عقب مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر يوم الأربعاء الدامي في موقعة السودان ولم يتخيل أكثر المتشائمين أن تنقلب مباراة في كرة القدم إلي تلك الحالة من الفوضي والإرهاب التي أحدثتها الجماهير الجزائرية ولاسيما بعد أن فاز منتخبها علي المنتخب المصري من الواضح أن الجزائريين لم يأتوا للسودان لمؤازرة فريقهم بل جاءوا للانتقام من مصر ومن كل من هو مصري ولعل المرء علي صواب حين يعتقد أن الرغبة في الانتقام والكراهية الدفينة التي يحملها هؤلاء الغوغاء تجاه مصر جعلتهم لا يشعرون بالسعادة والفرحة بفوز فريقهم، لقد سلكوا كل السبل للتنفيس عن أحقادهم ولبث سمومهم ضد مصر معتقدين أنها فرنسا التي احتلت بلادهم عام 1830 حيث مكثت فيها أكثر من مائة وثلاثين عاماً ولم تغادرها إلا بعد أن دمرت هويتها وعروبتها وباتوا لا يتقنون سوي اللغة الفرنسية وكان لذلك أثر كبير علي النفسية المشروخة والشيزوفرينيا التي يعاني منها هؤلاء البلطجية الذين ألقت بهم الطائرات في شوارع الخرطوم وأم درمان الآمنة، لقد جانب الصواب المصريين الذين اعتقدوا أنهم سوف يلقون منافسة في فنون كرة القدم فسابقوا الريح للحاق بالمباراة علي أرض السودان وصاحب فريقهم الممثلون والممثلات والمطربون والمطربات ورجال السياسة والكرة ولم يخطر ببال أحدهم أنهم علي موعد للقاء بعض أصحاب السوابق الذي حملوا معهم المشارط والمطاوي. وفي الواقع إننا محظوظون بأن البلدين مصر والجزائر ليسا متجاورين لأن التجاور في ظل هذا التصعيد الإعلامي والعداء المستحكم من قبل جماهير الجزائر في السودان قد ينتهي بالصدام المسلح تماما كما حدث في أمريكا اللاتينية حيث اندلعت حرب حقيقية بسبب كرة القدم في عام 1969، بين هندوراس والسلفادور عقب مباراة تأهيل لكأس العالم، وحتي في أوروبا فقد تشهد الملاعب مشاعر متأججة لكنها سرعان ما تتلاشي بعد انتهاء المباريات.. كلنا يتذكر المباراة قبل النهائية بين فرنسا وألمانيا في 1982 حيث تبخرت مشاعر العداء فور انتهاء المباراة ولم تؤثر من قريب أو بعيد علي العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والسؤال: متي نجعل من الرياضة ساحة لنشر المحبة والمودة بين الشعوب بدلا من تذكية العداوة والكراهية؟