استكمالاً للحديث عن الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الهند نجد أنه إذا كان هناك البعض يشعر أحيانًا في دول أخري بأن قطاع الصناعات الصغيرة ينتج المنتجات الرخيصة.. فإن هذا غير صحيح تمامًا في التجربة الهندية حيث تمثل نسبة 35٪ من منتجات الصناعات الصغيرة هناك سلع هندسية فائقة الجودة، وتقوم الفلسفة الهندية في هذا الصدد علي فكرة أساسية تتمثل في فتح السوق أمام المنافسة لمنح هذه الصناعة فرصة الاحتكاك مع المنتجات العالمية، ومن ثم تطوير نفسها باستمرار خاصة أن الحكومة لا تستطيع حمايتها في ظل مبادئ تحرر التجارة العالمية.. ومن ثم فإن فلسفة الحكومة في هذا الصدد تقوم علي فتح المجال أمام تلك الصناعات كي تنتج ما تريد، فإذا فشلت في تحقيق أهدافها قدمت لها دعمًا من خلال ميزانية أعدت لهذا الغرض قوامها 125 مليون دولار بهدف تصحيح هياكل تلك الصناعات المتعثرة وتحديث أساليب إنتاجها والأخذ بيدها علي الطريق الصحيح. في الوقت نفسه أنشأت الحكومة الهندية صندوقاً آخر للمساعدة في تطوير تكنولوجيا المشروعات الصغيرة، وتحسين مستوي العمالة بها رصدت له 50 مليون دولار، وبذلك استبدلت الحكومة الحماية من فرض رسوم وضرائب علي المنتجات المستوردة إلي تقديم الدعم المادي والفني لتطوير المنتجات، وهذا بلا شك أكثر جدوي بالنسبة للاقتصاد القومي في الأجلين القصير والطويل. كما تقوم الحكومة الهندية أيضاً بتوفير البنية الأساسية للمشروعات الصغيرة من خلال إقامة المجمعات الصناعية الضخمة التي تشمل شبكات توزيع القوي والمياه والاتصالات ومعامل مراقبة الصرف والتلوث، والطرق والبنوك والمواد الخام، ومنافذ التسويق والخدمات التكنولوجية .. وفي هذا الصدد تقرر مؤخرًا إنشاء مجمع صناعي ضخم تصل تكاليفه الاستثمارية إلي 1.250 مليار دولار يضم 50 معهدًا فرعياً للصناعات الصغيرة، وتتحمل تكاليفه الحكومة بالتعاون مع بنك تنمية الصناعات الصغيرة هناك. ويتضح جليا من سياسة الحكومة الهندية في هذا المجال عدم تحديد مواقع بعينها للصناعات الصغيرة، ولكن الحكومة تقدم مزايا وإعفاءات وخدمات معينة في مناطق محددة لتشجيع القطاع الخاص علي تنميتها، وتحقيق التوازن في التنمية بين جميع أقاليم الدولة. ولا يعني هذا الدعم الحكومي للصناعات الصغيرة في الهند خلو التجربة من المشاكل فما زالت العقبات الرئيسية التي تواجه هذا القطاع، والمشاكل التي تحد من انطلاقه في معظم الدول النامية موجودة كذلك في الهند ولعل من أهم هذه المشاكل والعقبات: نقص التمويل، ونقص المعلومات، ونقص المهارات، بالإضافة إلي غياب عنصر التسويق الجيد والمنافسة للقطاع الصناعي المنظم في الداخل والخارج. وأخيرًا فإن الزعيم الهندي غاندي كان يردد دائماً كلمة "شوماخا" والتي تعني أن أصل كل ما هو صغير جميل.