«النواب» يوافق على قبول اعتراض رئيس الجمهورية على «الإجراءات الجنائية»    البنك المركزي يقرر خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 100 نقطة أساس    أسقفية الخدمات عضو التحالف الوطنى تنفذ دورة لتعليم الكبار بقرية سلامون بسوهاج    ترامب يشن هجوما على الديمقراطيين: يريدون إعطاء أموال الأمريكيين للمجرمين (تفاصيل)    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    قلق فى ليفربول من غياب طويل محتمل ل محمد صلاح    تواجد بن رمضان وحنبعل.. قائمة تونس لمواجهتي ساو تومي وناميبيا في تصفيات المونديال    مشاهدة مباراة الأهلي وماجديبورج بث مباشر في كأس العالم للأندية لليد.. صراع البرونزية    المنصورة يفوز على مالية كفر الزيات.. وبروكسي يتعادل مع الترسانة في دوري المحترفين    الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الجمعة 3 أكتوبر 2025 وتفاصيل درجات الحرارة    قرار عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2028 (الباقين للإعادة)    البحيرة تخصص مقرا دائما للهيئة العامة للكتاب بدمنهور    في الذكرى ال838 لفتح القدس.. «صلاح الدين» مدرسة في الوحدة والرحمة والانتصار    «هل الأحلام السيئة تتحقق لو قولناها؟».. خالد الجندي يُجيب    انطلاق النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال 30 يناير    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    البابا تواضروس الثاني يلتقي رهبان دير القديس الأنبا هرمينا بالبداري    جامعة أسيوط تحتفل بتخرج الدفعة 39 من كلية التمريض.. وتُكرم المتفوقين    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    مخاوف أمريكية من استغلال ترامب "الغلق" فى خفض القوى العاملة الفيدرالية    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    لأول مرة.. الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية للاستثمار في وثائق صناديق الملكية الخاصة    نجل غادة عادل يكشف كواليس علاقة والدته بوالده    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس لدعم حملة ترشح خالد العنانى فى اليونيسكو    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    عرض خيال الظل مصر جميلة وفيلم حكاية عروسة يفتتحان الدورة الأولى من مهرجان القاهرة لمسرح العرائس    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    السيطرة على حريق فى سيارة مندوب مبيعات بسبب ماس كهربائي بالمحلة    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    ياسين منصور نائبًا.. محمود الخطيب يعلن قائمته النهائية    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حواديت "هيكل" قبل الموت
نشر في الشعب يوم 12 - 04 - 2008


بقلم: هشام الناصر
صفة الحواديت ليست ذما وقدحا أو سخرية واستهزاء لأحاديث أستاذنا الكبير "محمد حسنين هيكل" فى تجربة حياته التى يقدم جزءها الثانى على فضائية الجزيرة. فحواديت الأمهات والجدات فى المساء وقبل النوم كانت وما زالت (إن وجدت) هى النطفة الأولى لثقافة صغارها قبل أن تضيق الحياة ويخرجن للعمل تاركات تلك المهمة النبيلة للخادمات والفضائيات ومواقع الإنترنت للطبقات القادرة أو للفراغ وشياطين الشوارع والحوارى للطبقات الفقيرة وما دون الفقيرة. أما كلمة "الموت" فلا تعود للأستاذ (متعه الله بالصحة) وإنما تعود للمخاطر التى ينذرنا بها.
ما نعيبه على أستاذنا الكبير هو تناقضاته مع ذاته فيما يبدو من جوهر عام لأحاديثه ومع ما يحتويه من بعض المفردات خاصة ما يتعلق بإشكالية "أسلمة الصراع" فى معركة القرن المصيرية المسماة "بصراع الأديان" وليس "صدام الحضارات" كما جاء بأطروحة "هينتجتون" وليس أيضا "صدام أو صراع الثقافات" كما جاء لبعض منتقدى الأطروحة.
الأستاذ "هيكل" متشائم، وهو محق فى ذلك، ويرى أن المنطقة العربية متجهة إلى "سايكس بيكو" ثانية يتم فيها (وحسب تعبير احد المثقفين العرب منذ العام 2003) "تجزئة المجزء وتقسيم المقسم وتفكيك المفكك" . ورغم خطورة الأوضاع الحالية فإن "هيكل" يغفلها ويستمر فى عرض حواديته عن تجربته الذاتية مستعرضا فيها إمكانياته المتميزة فيما أسميناه سابقا "بالمنهجية الهندسية" لما تتمتع به من شكل بنائى (بنيوى) متميز والتقيد بالقياس المرجعى سواء أكان على هيئة نظريات وقوانين علمية وإنسانية أو وثائق مادية. ولا يعفى "هيكل" من ذلك بعض إسقاطاته على الأوضاع العربية عامة والمصرية خاصة فى بعض أحاديثه.
سبق وان نعتنا "هيكل" بالمثقف العربى المثالى لما يتمتع به من معايير المثقف الأربعة القياسية وهى القاعدة المعرفية (وليس مجرد المعلوماتية) وآلية استنتاج وإدراكية وهموم بقضية ورؤيا للحل. ولكن "هيكل" خذلنا (!!) وأصبحنا نراه مثل أهل بيزنطة الذين يتجادلون ويتحادثون فى مواضيع شتى ودفاعات المدينة تحترق والعدو على الأبواب. قد تكون غاية "هيكل" نبيلة ولكن الأسلوب أو الطريقة غير مناسبة وهو الأمر الذى يضعه (ونأسف لذلك) ضمن من تحدث عنهم "أبن الجوزى" (!!!!!). فهيكل "مطرقة" كبيرة بعلمه وثقافته وحسن حديثه ومصداقيته ورغم هذا يقوم بمعالجة مسمار صغير تاركا " الخابور الأكبر" الذى يهدد أعيننا وقلوبنا ومصيرنا وحياتنا على غرار ما حدث للشهيد "سليمان الحلبى" قاتل "كليبر" قائد الفرنسيس فى مصر المحروسة.
"هيكل" فى عقده التاسع يقدم إلينا "رسالة الوداع" ونرى فى ابتساماته الهادئة أثناء أحاديثه رضاه عن نفسه وكأنه يقول "اللهم بلغت ..". ونقول للأستاذ "لا" .. لم تقم بعد بالبلاغ ولم تقم بتسخير ما حباك الله من علم لخدمه وطنك وأهلك. وما ننتظره من "هيكل" الكثير والكثير وأهمه حسن تحليل الوضع الحالى وتقديم روشتة للحل وتعبئة الملايين من الجماهير الذين يترقبون حديثه أسبوعيا وتثقيفهم بحقائق الوضع الحالى وماذا يمكن أن يفعلوا لدرء مخاطر "سايكس بيكو" الثانية القادمة والتى نعيش إرهاصاتها الآن فعليا وعمليا. أما أهم الأهم فهو تغيير نظرته لفكرة "أسلمة الصراع" فى مباراة المصير أو بعبارة أكثر دقة وتعبيرا "مباراة صراع الأديان المصيرية" .
للأستاذ "هيكل" أخطاء عديدة عن فكرة "أسلمة السياسة" أو "أسلمة الصراع" – فلا فرق فالسياسة هى علم وفن إدارة الصراع – منها على سبيل المثال لا الحصر"الفصل بين الدين والسياسة" بدعوى أن السياسة "نسبية" والدين "مطلق" وهو ما يتفق ويتسق مع مقولة الرئيس المؤمن (!!) "أنور السادات" – "لا سياسة فى الدين .. ولا دين فى السياسة".
ومنها أيضا "الفصل بين الجهاد والصراع" فى المعركة الحالية التى تخوضها الأمة ضد خطر التقسيم والتفكيك والتجزئة ومخاطر فقدان الأوطان والذات والهوية.
ولعل من أسباب قصور "هيكل" هو عدم استثمار قدراته فى القيام بالدراسة الفاحصة المتمحصة لعلوم الدين الإسلامى رغم اشتهاره بالنهم الشديد للقراءة والبحث والاستقصاء. ولعله أيضا (وهذا من حسن الظن به) أنه قد بنى أحكامه على "التطبيق" وليس "النظرية" – حسب تعبير أصحاب العقائد الفكرية – منذ تحول الخلافة الراشدة إلى الملكية الوراثية.
بالنسبة لإشكالية "المطلق والنسبى" بين الدين والسياسة (وقد سبق الإسهاب فى مقال سابق) فإن الدين ككينونة هو "مطلق" فى ذاته " أى هو المتحرر من أي مرجعية، فهو بذاته مرجعية، يتسم بالجودة التامة والكمال ولا يتأثر بعوارض أو مؤثرات خارجية. أي هو "الصحيح" الذي يؤخذ بكليته أو لا يؤخذ، لا يقبل التجزئة أو التدرج أو التقسيم. وبعبارة مصطلحية، أبيض أو أسود ولا رمادية. أو واحد صحيح أو صفر ولا كسور عشرية. أى لا يقبل التقسيم أو التلوين أو التشكيك وهذا من أساسيات الإيمان ولا نعتقد أن "هيكل" ينكره.
أما الإسلام كحاكمية (منهج وآلية إصدار قواعد وأحكام) وخاصة فى "المعاملات" فالمختص بها في المقام العام هو "الفقه الإسلامي" الذى يأخذ أدلته من مصادر أربعة رئيسية هم القرآن والسنة وإجماع الأمة والقياس الصحيح في إصدار ما يسمي "بالأحكام الشرعية" التي تنتفي حالاتها مع خصائص الإطلاق. بمعني أنها تأخذ نطاقا واسعا ممتدا، صنفه البعض بخمس هم (الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور)، وأضاف عليه بعض العلماء تصنيفين أخريين هما (الصحيح والباطل) وهو ما يتحقق بهما الصحة والنفوذ من عدمه. وهناك مصدر خامس هو "الأعراف المتبعة". ووجود القياس والأعراف ضمن مصادر الفقه يعنى وجود العامل البشرى البحت الذى يختلف باختلاف البيئة والثقافة وهو ما ظهر فى اختلاف أحكام للإمام "الشافعى" فى مسالة واحدة عند انتقاله من بغداد إلى القاهرة. ولذا فإن حاكمية الإسلام (كمنهج وآلية إصدار قواعد وأحكام) والمختص بها في المقام العام "الفقه الإسلامي" هو أمر "نسبي" بالتعريف لاستناده إلي مرجعيات خارجية وأتساع نطاقه وشموليته ومرونته التي تتوافق والمتغيرات المجتمعية والظروف البيئية والتغيرات العلمية والتقنية والحياتية.
ومن إعجازات الدين الإسلامى (وهو أمر لا يعييه إلا المتقون) انه سابق دائما لكل زمان. فإشكالية المطلق والنسبى قد تناولها الفلاسفة منذ القرن الثامن عشر ولحقهم العلماء الفيزيقيين فى القرن التاسع عشر. ومن أبرز علماء القرن العشرين هو عالم الرياضيات "لطفى زادة" الإيرانى الأصل الأمريكى الجنسية صاحب " النظرية الفاظية" (Fuzzy Set Theory) الذى يتناول الأشياء فى فئة واحدة ولكن بدرجات متفاوتة تمثل درجات الرمادية بين الأبيض والأسود، فعلى سبيل المثال لا توجد فئة مطلقة ( Crisp Set) تسمى فئة الأذكياء أو فئة الأكفاء يتصف كل من فيها بصفة الذكاء أو الكفاءة المطلقة ولكن توجد فئة يأخذ كل عضو منتميا إليها درجة تتدرج من الواحد إلى الصفر أو من الأبيض إلى الأسود. ومن الواضح انه طبقا لتلك النظرية ذائعة الصيت والمطبقة حاليا ومنذ سبعينات القرن العشرين فى الكثير من العلوم والتقنيات والتطبيقات أن هناك أشياء واضحة وصريحة تمثل بالواحد والصفر أو بالأبيض والسود وهناك تشابهات بين الأشياء تمثل بدرجات رمادية لا يمكن للإنسان العادى تميزها وتحتاج لمتخصصين عالمين وقواعد وأحكام وقياسات لتحديد درجاتها.
وإذا ما أخذنا المعنى الوارد فى الحديث الشريف ""الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات (أو متشابهات) لا يعلمها كثير من الناس" (البخارى ومسلم) - وفي بعض الروايات: "إنَّ الحلال بين وإن الحرام بين" بزيادة "إنَّ" في صدر الجملتين، وهي تفيد التأكيد، نجد أن ما جاء به "لطفى زادة" فى نظريته يتشابه مع ما جاء به الإسلام منذ أربعة عشر قرنا من الزمان.
وما ورد فى الحديث ليس معناه نقصا أو عيبا فيما جاء به الإسلام فكما جاء بالقرآن الكريم " { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } - النحل89 ، وكما قال "أبو ذر" رضي الله عنه: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علما".
والمعنى فى الحديث أن هناك أمورا وأشياء شبهت بغيرها مما لم يتبين حكم على التعيين، أو أنها اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين وهو الأمر الذى يحتاج لأهل العلم والتخصص (أهل الذكر) للبيان والتبيان – وهى أمور تنفى صفة "الإطلاق" على الأحكام بالعموم .
وإذا ما احتكمنا إلى التعريفات القياسية مثلما يفعل أستاذنا "هيكل" سنجد أن السياسة ليست مجرد "عقلنة الفوضى" أو هى "فن الممكن" فقط فتلك مجرد توصيفات فرعية. فالسياسة هى "رعاية مصالح الخلق" كما يقول أبن خلدون أو هى "علم وفن إدارة الصراع وحل النزاع" أو بتعريف اشمل هى "حسن إدارة شئون المنظومة القومية التى تحوى البلاد والعباد بما يكفل سلامتها وأمنها"، وهى كلها تعريفات جزئية من تعريف الدين الإسلامى الأشمل الذى لم يآت روحانيا خالصا فقط بل آتى جامعا شاملا لكل من الروحانيات والماديات ويعنى أساسا بحسن وجودة إدارة شئون الخلق لحياتهم ومعيشتهم وعلاقتهم مع ربهم ومع ذاتهم ومع كل من حولهم أنسان كان أو حشرة أو جماد أو نبات أو حيوان. لذا فحقيقة الدين وجوهره هو "السياسة" بتعريفها الأشمل والأسمى وليس بتعريف زعماء العصابات والجاهلين والمنافقين.
ولذا فمن ينفى السياسة عن الدين أو ينفى الدين عن السياسة فهو إما يجهل التعريف الصحيح للسياسة وإما لا يفقه فى الدين وإما كلاهما. وما نعنيه هنا هو "الدين الإسلامى" ولا شأن لنا بباقى الأديان التى لا تتصف بما يتصف به.
وقد نجد عذرا للأستاذ "هيكل" فى رأيه الخاص بفصل الدين عن السياسة لعدم التفقه فى الدين رغم موضوعه الممتاز الذى كتبه عن حادثة "سلمان رشدى" وآياته الشيطانية المنشورة فى العام 1988. أما الطامة الكبرى فهى رأيه فى موضوع فصل "الجهاد" عن "الصراع".
فطبقا للتعريف فإن الصراع هو مجموعات متسلسلة من الأفعال وردود الأفعال الإرغامية التى تحدث نتيجة التصادم والتعارض بين طرفين أو أكثر. وتهدف تلك الأفعال إلى إلحاق الخسائر (الأذى والضرر) بالطرف (بالخصم) أو الأطراف المعارضة المنافسة المعادية، مع سعي كل طرف إلى تعظيم مكاسبه وتقليل خسائره على حساب الطرف أو الأطراف الأخرى وتأمين مصادر قوته وأهمها إستراتيجيته (نواياه).
ويعلم "هيكل" جيدا أن الصراع وإدارته يتم تدريسه بطريقة علمية وتقنية عالية فى العلوم السياسية فى الغرب. ومن الأساليب المستخدمة ما يسمى "بنظرية المباريات" (Game Theory) حيث يتم تحديد مجموعة الإستراتيجيات الممكنة واستنتاج واستقراء إستراتيجيات الخصم المحتملة، ويتم حساب الخسائر والمكاسب فى تباديل وتوافيق بأبعاد ثلاثية هى إستراتيجية الطرف الأول وإستراتجية المنافس والظروف أو البيئة. بمعنى لو قمت بأفعال (أ) وقام المنافس بأفعال (ب) فى ظروف أو بيئة (ج) فماذا تكون النتائج من مكسب وخسارة ؟؟؟؟
وفى السياق نتذكر ما قام به الرئيس الأسبق "أنور السادات" من فضح إستراتيجية (نوايا) القوات المسلحة المصرية حينما أرسل برقية فجر السابع من أكتوبر إلى الخارجية الأمريكية يخبرهم فيها بعدم النوايا بتطوير الهجوم وإن هدفه هو إيجاد حل لقضية احتلال إسرائيل لسيناء. وقد طارت تلك البرقية فى سويعات إلى إسرائيل التى تأكدت بعمليات استطلاع وتحليل للموقف أن القوات المسلحة المصرية تقوم ببناء رؤوس كبارى (10 – 12 كم) شرق القناة للتمركز فيها ومن ثم تأكدت صحة عدم وجود نوايا للهجوم تجاه المضايق فقامت بتثبيت القوات المصرية بألوية مدرعة بسيطة وحولت معظم سلاحها الجوى وقواتها المدرعة إلى الجبهة الشرقية (سوريا) وهو الأمر الذى أدى إلى انسحاب القوات السورية من الأراضى المحررة والتهديد بسقوط "دمشق". أى أن القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية قد قام "بفضح" نوايا قواته المسلحة لخصمه وهو ما يخالف ألف باء إدارة الصراعات.
أما تطوير الهجوم لاحقا (12 أكتوبر) فقد جاء فى غير وقته، فالتطوير كان مطلوبا نحو المضايق ولكن فى الزمن المناسب (قدره الخبراء بمساء 6 أكتوبر وفجر 7 أكتوبر)، أما التوقيت الخاطئ يوم 12 أكتوبر فقد أدى إلى خسائر مؤلمة بأكبر واقوى فرقتين مدرعتين تم سحبهما من غرب القناة إلى حتفهما دون غطاء جوى أو صاروخى (مضاد للطائرات) مما جعلهم لقمة سائغة أمام الهليكوبتر الإسرائيلي المجهز بصواريخ مضادة للدروع (للدبابات) وهو الأمر الذى أدى إلى كارثة الثغرة واحتلال "الزيتية" وحصار 45 ألف مقاتل مصرى بالجيش الثالث الميدانى.
وعودة إلى "هيكل" الذى ينفى الجهاد عن الصراع. فمن التعريف السابق للصراع نجد أن على كل طرف القيام بتعظيم جودة حشد وتخصيص قواته كما وكيفا ضد كافة الاحتمالات الممكنة للخصم وفى الظروف المختلفة بهدف أمن وسلامة منظومته القومية وتعظيم مكاسبها وتقليل خسائرها والعكس بالنسبة للعدو.
أما الجهاد فهو وطبقا للتعريف العام " بذل الجهد والطاقة والمشقة فى سبيل مبادئ سامية وأهداف نبيلة". وهذا التعريف صحيح فى الدين الإسلامى بالوضع فى الاعتبار أن المبادئ السامية والأهداف النبيلة هى ما جاء فى الدين وما أمر به الله وخاتم المرسلين.
إذن فإن الجهاد هو الركن الأساسى فى عملية الصراع سواء أكان الطرف الأخر هو "الطبيعة" أم "عدو خارجى أو داخلى" والذى يتمثل فى جودة حشد وتخصيص القوة وببذل الجهد والطاقة والمشقة فى سبيل أهداف سامية هى الحفاظ على العقيدة والهوية والعرض وأمن وسلامة الوطن.
ومن الغريب .. وهو أمر يثير الإستعجاب أن الأستاذ هيكل يعلم جيدا أكثر من غيرة أن الخصم المتمثل فى الكيان الصهيومسيحى يستخدم "الجهاد" فى صراعه مع العالم الإسلامى والعربى.Crusade) وهى حملة الغرب الصليبية على الشرق – حتى الطالب الصغير الذى يريد أن يعبر انه سوف يقوم بالمذاكرة باجتهاد ومشقة فى سبيل تحقيق هدفه السامى بالالتحاق بكلية ما يستخدم نفس الكلمة. فالجهاد فى أدبيات الغرب يماثل تماما عبارة (
رغم الخلاف الظاهر بين الأستاذ "هيكل" والرئيس الأسبق "أنور السادات" إلا أنهما يشتركان فى العلمانية وفى فصل الدين عن السياسة (أو الدولة) – والسادات فضح نوايا القوات المسلحة المصرية فى صراعه مع العدو الإسرائيلى ، والأستاذ "هيكل" يريد أن ينزع سلاحنا الهيبرنووى الذى دعمنا به الله عز وجل .... وهو سلاح "الجهاد" رغم أن عدونا يتسلح به (مع فارق العقائد).
الأمر جد خطير والأمة العربية والإسلامية ذاهبة (رغما عنها) لمعركة المصير .. إنها معركة "نكون أو لا نكون" ... والنون هنا ليست لنا، بل لأولادنا وأحفادنا..
وللحديث بقية ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.