لايزال ادّعاء الحكمة وكذلك شجاعة فهود الصحافة والإعلام، يعكّر صفو محاولاتنا لممارسة حرّيتنا بمسئولية وأمانة ونزاهة. أقصد هؤلاء الذين يضعون أنفسهم فوق الصراعات داخل المجتمع،يسيطر عليهم مرض الاستئثار وحدهم باستخدام "رغبة الأغلبية " في إزالة أسباب تلك الصراعات. وممّا يجذب الانتباه بشدّة، أنّهم لايفكّرون للحظة واحدة، من أين واتتهم كل ّهذه الجرأة لتقديم " إكليشيهات" كبيرة وغامضة وفارغة، من نوع " إنّهم يسمحون بالخروج الآمن للرئيس وأسرته!" علي الأقلّ ابدأوا حديثكم حول المستقبل بإدانة هذه البذاْءات ! وبدون شكّ فإنّ ثمن ظهورهم بهذا الشكل السيئ يعادله ألف مرّة ازدهار إعادة التفكير التي تمرّبها مصر,وبغض النظرعن ثقتهم التي لا تعكس إلاّ شكّهم في قدرتهم ونفاد صبرهم بأنّه لاالنظام الحاكم أو الشعب أو نخبه يملكون الإرادة و القدرة علي التغيير الملح و العاجل، فإنّهم لايستطيعون أن ينكروا حرّيتهم في أن يقولوا ما يحلو لهم ! ويبدو أنّ منهج تهييج الجماهير يرتطم بفتور الناس أوعزوفهم السياسي لإحساسهم بوفرة التلاعب بعقولهم سياسيا ودينيا ، فقام البعض يتصوّر أنّ ادّعاء الحكمة له مايبرّره! وظهر هيكل يهرب من الحلّ الديمقراطي الصعب،يعرقل جهاد المصريين الذين باتوا ينتظرون قطف ثماره، يعيدهم إلي المربّع الأوّل.. يحوّر وّيزّوّق الكلمات، يستدعي قامات يجلّها الناّس (عمرو موسي، محمد البرادعي، أحمد زويل، عمر سليمان، مجدي يعقوب، المستشار طارق البشري، حازم الببلاوي، الدكتور محمد غنيم، والدكتور يحيي الجمل) ليخفي وراءهم اقتراحا تجهيليا ضدّ الجوهر العقلاني التنويري لإصلاح الدولة الذي لم نتنازل عنه من قبل ومن بعد قيام يوليو وانطلاقها الدستور والأحزاب وحرّية الصحافة .. الايخيل علي أحد بأنّ "مجلس أمناء الدولة والدستور" الذي يقترحه ليس إلاّ عودة إلي مجلس قيادة الثورة الذي رفضه المصريون وطالبوا بحلّه في مارس 1954، مادام لدينا أمل قريب بأن نحصل علي شيء مختلف في العام 2011،فعلينا أن نعترف بأخطائنا،ألاّ نسمح لتعصّبنا بأن يحول دون اختبار قناعاتنا التي نصرّ عليها. نكون غير مسئولين ذهنيا عندما ننتبه فجأة إلي أناقة أحمد عز "رجل الحديد" وهو يلقي كلمته أمام مؤتمر حزبه، فيصبح الشكل كاريكاتورا وجدلا بديلا عن مناقشة الخطاب الذي ألقاه الرجل ! نعرف أنّ " أنت" في شعارمؤتمر الحزب الوطني "من أجلك أنت" إنّما تعني المواطن المعدم ومحدود الدخل الذي يرد ذكره دائما علي لسان الرئيس،فتستهوينا الفكاهة نصنعها أو نصطنعها حول الكلمة ونستغني عن التساؤلات الجادّة كيف؟ وماهي الدلالات والعلامات؟ معذرة !أن أطالب بالحذر ونحن نمارس عاداتنا في الفكاهة والسخرية.أونبدو مغرمين بأسلوب الكلمات الكبيرة الطنّانة الجوفاء، إنّه سلوك المهرّجين الذي لايتلاءم في أوقات البحث عن الحقيقة.. انظروا حولكم وستتأكّدون أنّه يعطّل عقولكم عن الاجتهاد والحوار والنقاش! كما أنّ السؤال ليس هو لجنة هيكل،إنّما في إخواننا الذين يصيحون ليل نهار بأنّ مصر ولاّدة! فنراهم يظهرونها وكأنّها نضبت ولم يبق بها إلاّ هيكل " الأستاذ" يحقّ له أن ينقد النظام والأحزاب والأجيال،يقترح علينا التغيير بالشكل الفردي الذي درج عليه،يجرّد مصر من نظامها وأحزابها وشعبها لأنّه هو ومن يميلون إليه لايعرفون شيئا اسمه تحرير ضمائر الجماهير ! ولفقدانه لهذه المعرفة،فلن يسأل نفسه، كم مرّة أنقذت كلماته وأفكاره مصر،أو حلّت أزماتها ؟ وعلي العكس فماكادت تفكّ حصانة هيكل ، حتّي تعالت أصوات الناقدين ، علي أساس أنّه غالبا مايحطّم الحسّ المشترك الصحّي . ومن الأرجح أنّنا يجب أن نلفظ هذا الاستبداد كمقدّمة للتعدّد الحقيقي من أجل التغيير. نفضّل أن نتساءل هل يمكن مايعلنه علينا المؤتمر السادس للحزب الوطني الحاكم أن يسهّل تطوير الدولة المدنية القادرة علي مواجهة مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والدينية ؟ والإجابة تبدأ بأن نزيد محاولاتنالأن يصيخ محمّد حسنين هيكل السمع لمايجري داخل مصر من تحرّكات في جوّ من حرّية النقد والحوار إلي درجة انفلات البعض. والنتيجة تتفاوت بين التهادنات ونقلات سياسية من حين لآخر. وتبعا لذلك يمكن أن نحاول أن نجعل العام 2010 و2011 مقدّمة لنظام تعدّدي دون الدوخان في فذلكة "لجنة هيكل" أو انعدام الرؤية في ظلّ ضباب يصنعه مجدي الجلاّد !هذه هي الشرعية التي نناشد الرئيس أن يمنحها للحوار حول الارتحال نحو المستقبل.