لن نمر بالاستغناء عن عدد كبير من مطربي روتانا مرور الكرام، فالإطاحة بكتيبة كاملة من الأسطول الغنائي سيفتح المجال أمام دراسة بنود التعاقدات والبحث عن ثغرات قانونية ربما تهدد هذا الكيان الفني الكبير، إلا أن الأهم من ذلك هو ما سينتج عن هذا القرار من تداعيات ستغير مناخ الفن الغنائي وتعصف بأركانه محدثة عدة تحولات، حتي سالم الهندي بدأ في تأسيس قناة فضائية خاصة به في الكويت بالإضافة إلي شركة توزيع كاسيت، بما يعني أنه سيستقيل عن روتانا ليبدأ عهدًا جديدًا بعد انحسار الشركة وانكماشها الأكيد. انسحاب روتانا يعيد التوازن للسوق المصرية أدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلي تأثير كبير وصادم علي شركات الإنتاج الفني في سوق الغناء، حيث انكمشت روتانا وتراجع نشاطها وحجم تعاقداتها مع المطربين، إلا أن الاحتفاظ بأكثر من 75 مطربا داخل كيان الشركة تسبب في حدوث لغط إعلامي وحالة من الارتباك والصداع، فالكل يطالب بأن يكون له نصيب في حملات الدعاية للألبومات بالإضافة إلي المطالبة برفع سقف تكاليف تصوير الكليبات وهو الأمر الذي يشكل مبالغ خيالية مع كثرة عدد المطربين وارتفاع تكاليف الإنتاج.. كما أنه يتعارض مع سياسة ضغط المصروفات التي بدأت تفرض نفسها علي الصعيدين العالمي والعربي، إلا أن الخروج من هذا المأزق كان بمثابة المفاجأة والصدمة لكل المطربين المتعاقدين مع روتانا لأنه يتضمن قرارًا بإقالة 60 مطربا والإبقاء علي 20 مطربا فقط وفق شروط معينة وهي أن يتمتع المطرب بشعبية كبيرة في الخليج عن طريق إقامة الحفلات، ونتيجة لهذا الشرط توجد عدة احتمالات، الاحتمال الأول: هو الإبقاء علي المطربين السوبر ستار أصحاب الكلمة والنفوذ والجمهور علي الصعيد الخليجي وفي مقدمتهم عمرو دياب ونجوي كرم وإليسا وهيفاء وهبي وشيرين، بالإضافة إلي نجوم الخليج أصحاب المكانة والمكان وعلي رأسهم محمد عبده وعبدالله الرويشد ونوال الكويتية وأحلام. أما الاحتمال الثاني فهو اقتصار روتانا علي منطقة الخليج وإخراج السوق المصرية من كل الحسابات، إما لأن الشركة لم تنجح في اختراقها وفشلت في بسط نفوذها عليها، أو لأنها اكتشفت أن التركيز علي الصعيد المحلي أفضل من توسيع دائرة الانتشار، وتشتيت المجهود في كل الاتجاهات. وهناك احتمال آخر وهو أن روتانا لم تحقق أي مكاسب مادية بعد أن فرضت تدخلها علي سوق الغناء المصرية واستقطبت مطربيه فمعظم المنتسبين إليها قد اطمأنوا لمبلغ التعاقد الكبير الذي يحصلون عليه عند التوقيع ولا يضيفون إليها أي دعم لا من حيث الألبومات التي يتم تسريبها ولا من الحفلات التي توقف نشاطها حتي أصبح المطرب في روتانا مثل الموظف في القطاع العام، يتقاضي راتبًا دون أن يقابل ذلك بأي إنتاج، وهو الأمر الذي وضع له حد ليجد 60 مطربًا علي الأقل أنهم خارج السباق. انسحاب روتانا من سوق الغناء المصرية سيفتح المجال أمام الشركات الفنية الصغيرة لكي تعود إلي مجال الإنتاج بشرط تأمين مسألة تسريب الألبومات والوقوف أمامها بالمرصاد، كما أن هذا الانسحاب سيعيد الوسط الغنائي إلي التوازن الذي يعتمد علي موهبة المطرب وقوة إمكاناته، وبالتالي القضاء علي أنصاف الموهوبين الذين ازدحمت بهم روتانا، ولن يبقي إلا المطرب المبدع الخلاق. أما الأمر الأكثر أهمية والذي يترتب علي تصفية الأوكازيون الصيفي لروتانا مع حلول موسم الشتاء، فهو تغيير وجه الساحة الغنائية، حيث سيضطر كل مطرب إلي إعادة حساباته وتعديل مساره والتفكير في مستقبله الفني، بعد أن تركه في يد الشركة، وقامت بتجميده لعدة سنوات، من المتوقع أن يخرج بعض المطربين من الثلاجة الفنية، ويعلنوا عن تواجدهم بقوة، أما الباقون فسيكتشفون أنهم انتبهوا بعد فوات الأوان لأنهم فقدوا البريق الفني والنجومية مقابل الجري وراء الأموال. انغام تنتظر التجديد.. وروتانا تتجاهلها بلا شك أن هذا يعتبر درسا قاسيا لكل المطربين الذين نظروا تحت أقدامهم، ولم يفكروا في المستقبل، ولو استمروا في شركات الإنتاج المصرية لحافظوا علي مكانتهم، ولما وصلوا إلي هذا الموقف الذي سيهدد حياتهم الفنية بالانهيار، وأنا لست مع القائلين بأن روتانا سوف تنهار عندما تقيل 60 مطربًا لأنها لن تستغني عن المطربين المؤثرين بل ستقوم بإبعاد كل من فقد حضوره علي الرغم من أن ذلك يعتبر أمرًا محيرًا للغاية، فما هو وضع شيرين عبدالوهاب التي لم يتبق لها مع روتانا إلا ألبوم واحد؟ وما هو مصير أنغام حيث لم يتم التجديد معها حتي الآن، رغم انتهاء مدة العقد. لقد أدركت منذ فترة طويلة أن روتانا علي حافة زلزال فني عنيف سيطيح بالعديد من المطربين، خاصة في ظل تخليها عن بعض الفنانين الذين كانت تري في الماضي أن انضمامهم للشركة نصر عظيم، فقد خرج منها وائل كفوري وأصالة ورامي عياش وتامر عاشور، أما عاصي الحلاني وكاظم الساهر فعلاقتهما بروتانا مضطربة ولا تستقر علي حال، بالإضافة إلي لطيفة التي تركت روتانا ووقعت مع شركة خليجية أخري، وسميرة سعيد التي بدأت تنتج لنفسها. الفنانون أمام خيارين إما الإنتاج لأنفسهم اوالخضوع للتقدير الحقيقي للقيمة الفنية انسحاب روتانا من السوق الغنائية المصرية سيحدث انخفاضا ملحوظا في حجم وقيمة التعاقدات فطبقا لقانون العرض والطلب لن نسمع عن الأرقام الخيالية التي كانت تمنحها روتانا من قبل، مما يجعل المطربين أمام نوعين من الاختيار الأول هو إنتاج المطرب لألبومه بنفسه علي أن يتعاقد مع شركة توزيع فقط مثلما فعل تامر حسني مع عالم الفن أو تولي مهمة الإنتاج والتوزيع مثلما ستفعل بعض المطربات، وبذلك يكون المطرب متحملا للمكسب والخسارة وهي تجربة أظن أنها لا تخضع للاستمرار.. أما الاختيار الثاني فهو قبول التعاقد مع شركات الإنتاج الفني الجديدة وفق مبلغ مادي مناسب يتوافق مع إمكانات المطرب الحقيقية لا الأرقام المبالغ فيها والتي فرضتها روتانا بدون داع علي مقاييس السوق، وهذا هو الأمر الذي سيحقق رواجا وسيعيد النشاط الفني من جديد. موسم العائدين من روتانا سيكشف المزيد من أسرار تداعي هذا الكيان الإنتاجي الكبير، وخاصة بعد أن يتحدث المطربون الخارجون منها عن تجربتهم التي استمرت داخل دائرة الجمود والثبات، إلا أن نتائج هذا الخروج المفاجئ ستكون كفيلة بتغيير خريطة سوق الغناء لأن ما حدث من تسريح 60 مطربًا ما هو إلا بركان سيقذف بما في داخله.