في ظل عالم مفتوح تقوم اقتصاديات سوقه علي مبدأ العرض والطلب، دقت دراسة أمريكية ناقوس الخطر محذرة من التهديدات المختلفة التي تمثلها الاستثمارات الأجنبية علي الأمن القومي الأمريكي. وتناولت الدراسة الصادرة عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أسئلة من قبيل: متي يشكل بيع شركة أمريكية لجهة أجنبية تهديدا خطيرا للأمن القومي الأمريكي؟ وكيف ينبغي أن تكون تقديرات لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولاياتالمتحدة لهذه الأخطار وكيفية التعامل معها؟ لتشرح ثلاثة مستويات مختلفة لبيع شركات أمريكية وأثر ذلك علي الأمن القومي الأمريكي. المستوي الأول كما ذكرته الدراسة هو شراء تكون بموجبه الولاياتالمتحدة معتمدة علي مورد لسلع أو خدمات حيوية لتشغيل الاقتصاد الأمريكي، وهو ما يجعل احتمالات تأخير التوريد أو الامتناع عنه واردا كما يمكن أن يحدد المتعاقد الأجنبي شروطا لتوريده هذه السلعة أو الخدمة بما يمثل مأزقا للادارة الأمريكية. في هذا المستوي تعاني الولاياتالمتحدة من الحرمان من السلع والخدمات الحيوية التي تسيطر عليها الدول الأجنبية في حال تأثر علاقاتها معها علي خلفيات أيديولوجية سياسية أو اقتصادية وهذا ما يشكل كارثة علي القاعدة الصناعية الدفاعية للبلاد كما يشكل تهديدا علي الأمن القومي. وقد أدي تغلغل الاستثمار الأجنبي في الولاياتالمتحدة إلي اعتمادها الكلي علي بعض الدول الأجنبية في إمدادها بسلع حيوية وهو ما يعرضها لخطر التأخير والحرمان والابتزاز ووضع قيود علي المنتجات إذا ما دعت الضرورة لذلك. والسلع التي ذكرتها الدراسة باعتبارها سلعا حيوية هي الصناعات النفطية وصناعة الصلب وبعض الموصلات، والتي يصل فيها التدخل الأجنبي لحد الاحتكار مع وجود بدائل قومية محدودة للغاية علي الرغم من حيوية هذه الاستثمارات وأهميتها. وذكرت الدراسة في هذا الاطار استحواذ شركة "إفراز" الروسية علي الصلب بولاية أوريجون عام 2006 مع الوضع في الاعتبار الروابط الوثيقة للشركة مع رومان إبراموفيتش إمبراطور الصلب في روسيا والذي تجمعه بالكرملين علاقات متينة للغاية،الأمر الذي يدعو للقلق خصوصا وأن الصلب مكون رئيسي لحوالي 4000 نوع من الأسلحة من مدرعات ودبابات وقاذفات ونظم دفاعية، بالإضافة لأهميته في جميع الصناعات الإنشائية والذي يعني أن نقصه قد يتسبب في خسائر مهولة وغير محتملة. ولهذا يؤيد البعض نظرية الاكتفاء الذاتي التي قد تخرج المحللين وأعضاء الكونجرس من دوامة دراسة وضع بروتوكول ينظم عمليات الاستثمار الأجنبي والاستثمار الوطني في السلع الحيوية ،إلا أن تطبيق مثل هذه النظرية سيكون مكلفا جدا كما سيحرم البلاد من المميزات النسبية العالمية لأن كل دولة تملك ثروات تميزها عن الأخري وتجعلها تضمن تأمين خدمات وبضائع معينة بكلفة أرخص وجودة أعلي، وهو ما يجعل الدراسة تقترح تحديد الاستثمارات الأجنبية مع زيادة البدائل للصناعة الواحدة. وخلصت الدراسة إلي أن الحد من هذا التهديد وقصره علي الأنشطة العسكرية أو الصناعية الدفاعية مهمة صعبة دائما حتي وان كانت مخاطر الاعتماد علي المورد الأجنبي يعرض الولاياتالمتحدة لتلاعب خارجي محتمل قد يدمر الاقتصاد المدني والقاعدة الصناعية الدفاعية. أما المستوي الثاني فيسمح بنقل ملكية شركة ما لجهة أجنبية قد تستخدمها للاضرار بالمصالح القومية الأمريكية خاصة اذا سيطرت علي هذه الشركة الأجنبية حكومة دولة ما وهو ما يعني تسريب التكنولوجيا والخبرة إلي الكيانات الأجنبية بما يمثله من تهديد مزدوج، حيث إن تسرب التكنولوجيا إلي الكيان الأجنبي يحقق له أقصي استفادة ويسمح له بزيادة تطوره وفي الوقت نفسه يؤثر علي التطور الداخلي وتضر بالأمن الوطني. وكمثال علي ذلك، ذكرت الدراسة استحواذ قوات التحالف الأمنية في فرنسا علي 58٪ من أسهم مؤسسة "إل تي في" المصنعة للصواريخ، وهو الشيء الذي أثر علي سرية الأبحاث الأمريكية خصوصا مع تعاون الشركة مع دول مثل العراق وليبيا. وعلي الرغم من أن الكونجرس قد طالب باتفاقية أمنية تقضي لأمريكا بالعمل علي تطوير خبراتها تحت مظلة من السرية إلا أن فكرة الاستثمار الخارجي في حد ذاتها فرضت التساؤل عن جدواها خصوصا في مثل هذه الأمور الحساسة. وكذلك فإن التحالف التكنولوجي بين شركتي "لينوفو" الصينية و"آي بي ام" الأمريكية واستحواذ الشركة الصينية علي قطاع أجهزة الحاسب يؤدي لتسرب الخبرات ويسمح للصين بالحصول علي معلومات حساسة عن التكنولوجيا العسكرية وتطبيقاتها. أما المستوي الثالث فهو شراء شركات تمكن المشتري الأجنبي من اختراق ومراقبة السلع والخدمات الضرورية لتشغيل الاقتصاد الأمريكي، وهو ما يعني أن السلطات الحكومية يجب أن تضطلع بمسئولية كبيرة في مراقبة المنشآت المملوكة للأجانب والتدقيق في عملية قبول عمليات الشراء. وفي هذا السياق، أشارت الدراسة إلي انه من الضروري النظر إلي الطرف (الدولة) التي ينتمي لها المشتري وما اذا كانت حليفا قويا للولايات المتحدة يمكن الوثوق به والموافقة علي امتلاكه بنية تحتية في الولاياتالمتحدة أو منشآت حيوية أخري أم أن المشتري ينتمي لدولة لا يمكن الوثوق بها علي أن يتم وضع الحكومة في الاعتبار فربما تكون الحكومة الحالية حليفة للولايات المتحدة لكن بقاء الدولة حليفة لواشنطن في ظل الحكومات المتعاقبة غير مضمون، بما يعني عدم المساواة بين شركة كندية وأخري تايوانية علي سبيل المثال. أبرز مثال علي ذلك كان محاولة شركة "موانئ دبي العالمية" لادارة وتشغيل بعض الموانئ الأمريكية عام 2005 والتي باءت بالفشل بسبب فوبيا الأمن الأمريكي، كما ذكرت الدراسة الأمريكية في هذا الاطار محاولة شركة "بين كابيتال" (التي تملك شركة "هوواي" التكنولوجية الصينية نسبة فيها وهي معروفة بعلاقتها بجيش التحرير الشعبي الصيني) لشراء شركة "ثري كوم" لمستلزمات أجهزة وبرامج الكمبيوتر عام 2007.