بعد ثلاثة أسابيع من عودة الروح إلي مصر في السادس من أكتوبر سنة 1973، غادر عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، آمنا مطمئنا قرير العين، بعد أن أنفق عمره الحافل بالعطاء في تشكيل خريطة الثقافة المصرية الوطنية الديمقراطية، وقام بواجبه كاملاً في العبور مع طليعة من الرواد إلي شاطئ المعرفة الإنسانية الحديثة، التي لن تكتمل حداثة الدولة المصرية المدنية بمعزل عنها. كان طه حسين شعلة في النور والنار، وكانت مؤلفاته ومقالاته وآراؤه ومواقفه تعبيرًا فذا عن نضج المثقف الملتزم بهموم وطنه وقضاياه. في سبيل ما يري أنه الحق والخير والجمال، خاض الرائد العظيم معارك شرسة ضارية ضد الظلاميين من دعاة الجهل، أولئك الذين سخر من جهلهم المزمن الذي رضوا به وارتضوه. لم يكن مستغربًا أن يتعرض طه حسين، في حياته وبعد موته، لحملات ضارية من جيوش الظلاميين الذين رأوا في أفكاره المستنيرة المضيئة خطرًا دائمًا يهدد وجودهم، فالخفافيش تجد في الظلام وحده ملاذا آمنًا، وتتخبط في ذعر يائس عندما يلوح من يحمل مشعل النور والعلم والحضارة والتقدم والانتصار للعقل. ليس مثل الدكتور طه حسين، في تاريخ الثقافة المصرية، من يعبر عن مرحلة الانتقال العاصفة، فقد كان الرائد الجليل أنموذجا أخاذا للموهبة الخارقة التي تفرض وجودها بقوة الإرادة والعمل الدءوب، فالصعيدي الأزهري الفقير، ارتقي بعلمه وإصراره إلي القمة التي لا تدانيها قمة، أستاذًا جامعيا وباحثا جريئًا ومفكرًا مرموقًا ووزيرًا يجد في التعليم ضرورة كالماء والهواء، ويجعل منه هدفًا وطنيا في صدارة الأهداف. في مثل هذا اليوم رحل طه حسين، فهل كان يدور بخلده أن يأتي يوم ينشغل فيه المصريون بقضية نقاب المرأة؟، وأن تتحول المسألة التافهة إلي حديث الساعة!. يحصل أعداؤنا، من الرجال والنساء، علي جوائز نوبل في العلوم الطبيعية، وننشغل بالنقاب والجلباب. فيالها من مأساة!