يقام حاليا بقاعة أفق واحد بمتحف محمد محمود خليل معرض الفنان الدكتور أحمد نوار رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة ورئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق، والذي عمل قبل التحاقه بوزارة الثقافة أستاذا بكلية الفنون الجميلة وعميدا لكلية الفنون الجميلة بالمنيا، بمناسبة معرضه الجديد الذي يحمل عنوان "العبور" أجرت روزاليوسف معه هذا الحوار: لماذا العبور في 2009؟ - لم أحدد 2009 كنت أتمني أن يكون قبل ذلك، فعلي مدي 36 عاما منذ حرب أكتوبر و40 عاما من حرب الاستنزاف التي اشتركت بها، كنت كثيرا ما أقترب من التعبير عن لحظة العبور والتعبير عن تحدي وإصرار الفرد في هذه الفترة لكن الحدث كان -طوال العقدين ونصف الماضيين- أقوي وأعلي من تسجيله علي بعض لوحات، وكنت أري في هذه الفترة أن العمل السينمائي ربما يكون أجدر في التعبير والترسيخ لهذا الحدث، واقترحت منذ ما يقرب من 25 عاما إنتاج فيلم يرقي إلي مستوي الحدث، ومنذ حوالي عام ونصف العام، بعد تفرغي وانتهاء عملي الرسمي في وزارة الثقافة وعودتي للجامعة، امتلكت مساحة كبيرة من الزمن اتاحت لي فرصة العودة للإنتاج الفني بشكل طبيعي، إلي أن أتممت ثلاثة وثلاثين لوحة، بالإضافة إلي عمل فني مجهز في الفراغ، محاولة للتعبير عن عبور الصور. كيف اخترت الموسيقي المصاحبة للعمل المجهز في الفراغ؟ - أنا أتخيل الموسيقي المصاحبة للعمل، ثم أذهب إلي استوديو الفنان مرسي الحطاب، وهو له باع في المؤثرات الصوتية والموسيقي في الدراما والمسرحيات والأفلام، فاحكي له تصوراتي، ويبدأ هو في تجهيز اختيارات من موسيقات مختلفة من مكتبته، ويسمعني إياها لأختار من بينها ما هو أقرب للتعبير عن تصوراتي واختار الترتيب، هو ينتقي من المكتبة ما يتناسب مع فكرتي، وأنا أختار مما يختار وأصنف وأرتب ما يناسب عملي الفني،وستجد هنا مثلا مزجا بين أصوات انهيار مدن، ودقات قلب، وانفجار قنابل، ونفير، ومارش عسكري ... إلخ. في لوحاتك تظهر تشكيلات لآلات حربية بينما يغيب الحضور المباشر للإنسان؟ - أنا لا أتبع أسلوب التشخيص المباشر حاليا، وهدفي ليس تسجيل زي أو آلة عسكرية، فكرتي هي البحث عن الطاقة التي امتلكها المقاتل المصري الروح والإرادة والإصرار، لذلك هناك أشكال عضوية تصل إلي الشكل الهلامي غير واضح المعالم، لكن مهجنا بداخله الآلة، وكأن الآلة والإنسان انصهرا معا ليشكلا شخصية جديدة تعبر عن الروح والطاقة. نريد أن تحدثنا أكثر عن رأيك في قضية المزج الذي يؤدي إلي أنسنة الآلة؟ - كثير من فناني العالم يعالجون هذا المزج كلا تبعا لتجربته ورؤيته الفنية، عن نفسي فأنا منذ عام 1965 مارست هذا المزج بين الشكل الهندسي والشكل العضوي واستمررت بهذا المنحي وكأنه بحر متصل وحدث لي به مجموعة من التحولات الكثيرة خاصة من بداية الثمانينيات وحتي الآن، وتألق هذا هنا في عدد من اللوحات خاصة الكبير منها، لكن عملية أنسنة الآلة في رأيي فان كل آلة يصنعها الإنسان ويستخدمها الانسان فانها تمتلك جزءا من روحه، تمتلك الطاقة التي يستخدمها معها بدأ من ابتكارها ومرورا باستخدامها وحتي فنائها، لهذا أنا أبتعد عن التفاصيل وواقعيتها لتتجلي الروح والطاقة. متي يستخدم الفنان احمد نوار اشكالاً مجسمة علي مسطح لوحته ؟ - مهم هنا أن أشير إلي استخدامي لتقنيات مختلفة بدءاً من المزج القلم الرصاص والحبر الشيني، للألوان الإكريلك ذات البعدين، لتماثيل البرونز ذات الحجوم المختلفة، أعمال الجرافيك، الأعمال المجهزة في الفراغ، هناك زخم وتنوع في التقنية، الفكرة تأتي في لحظتها وتستدعي تقنيتها، وأنا لا أتردد في الاستجابة لمتطلبات الفكرة. في العمل المركب نري أنك شكلت أوركسترا ظهرت فيها الشخوص لأول مرة في المعرض، لكنها مبتورة لماذا؟ - بصفتي شاركت في الحرب شاهدت آلامها، عشت تجربة الزملاء الذين أصيبوا أو فقدوا أجزاء من أجسامهم أو استشهدوا، وهي تجربة بها مشاعر تفوق الوصف، الشباب في هذه الفترة كان لديهم حماس شديد وقدرة علي التضحية، وفي عملي المركب أردت أن أقول إن سيمفونية النصر صانعوها هم هؤلاء المضحون بأجزاء منهم فيها، وهنا تري حتي الأجزاء المبتورة وكأنها تتحرك في معزوفة الأبطال. ما الذي يمثله الخندق الذي يسبق الوصول للأشخاص، والمرايا التي تحيط بها؟ - الخندق هو انكسار 1967 الإظلام الذي تأذي به كل مصري وعربي، والضوء الأحمر هو ضوء الإرادة المصرية رغم الظلام أعلاه، والمرايا لتزيد كثافة وتكرار هذا المكان الضيق من الأماكن الثلاثة التي تعتبر أماكن فراغية ضيقة، إلغاء المرايا يفقد الفكرة معناها ودلالتها لأن فكرة البناء الإنشائي، فالمقابر علي سبيل المثال هي 16 مقبرة بالمرايا تشعر وكأنها مئات الألوف. أريد أن أسأل عن دلالات الألوان الأزرق والرمادي والأحمر؟ - الأزرق في هذه اللوحات كلها تقريبا كان رمزا لقناة السويس مثلا، أما الأزرق مع الأصفر أو البرتقالي فهو إشارة واضحة عن سيناء، والرمادي لون أعشقه لما به من غموض، وهو يحتوي علي أشياء تدعونا لاكتشافها ، والأحمر لون الكفاح والمقاومة والاستشهاد وأشياء كثيرة جميلة وقوية. ألا تفكر في تقديم عمل ملحمي عن الحرب في لوحة واحدة؟ - لا يمكن أن تحتمل لوحة واحدة وهج هذا الحدث العظيم، وأري أن معرضي هذا مرحلة أولي، لكني أحلم بعمل روائي سينمائي ضخم يليق بحرب أكتوبر ولحظات العبور، كل تفاصيل تلك الحرب عظيمة ورائعة وعبقرية. الفن التشكيلي المصري المعاصر أين يقف وإلي أين يتجه؟ - لا نستطيع أن ننكر أن الفن التشكيلي المصري المعاصر فيه أسماء شابة استقر بعضها، لكنه يحتاج إلي وقفة تقييم وللأسف الوسط يفتقد النقاد الذين كانوا موجودين ورحلوا عنا، لا توجد أي حركة فنية في العالم بدون حركة نقدية، وللأسف لكي يصل الفن التشكيلي المصري لدينا للعالمية فهو في أمس الحاجة لحركة نقدية نشطة. كما أن المجال الصحفي والإعلامي لدينا يقتل المواهب النقدية، فأين معهد النقد الفني وأين خريجوه؟ أين الحاصلون علي الدكتوراه والدبلومات من هناك؟، فالذين يكتبون الآن هم من تبقوا من الجيل القديم عز الدين نجيب ونجوي العشري وثريا درويش وحسن عثمان يكتب قليلا. تتذكر توهج مجمع الفنون التشكيلية فما تعليقك علي إغلاقه؟ - عندما توليت إدارة قطاع الفنون التشكيلية قمنا بأعمال الصيانة للقصر وكانت هناك العديد من الأعمال المتبقية لتنفيذها، لكن بعدما غادرت لا أعرف ماذا حدث، وسمعت أنهم سيقومون بتطوير شامل له، وطبعا المجمع كان أهم مركز تجمع للفنانين بمراحلهم المختلفة وتوجهاتهم، حالة متوهجة وناجحة من فعاليات والمعارض واستضافة البيناليات والندوات واللقاءات الفكرية والحفلات، كان حالة ضخمة متكاملة. ما الذي لم يسعفك الوقت لتنفيذه أثناء توليك رئاسة القطاع؟ - أولا: استكمال متحف الجزيرة، لأنه منذ عام 1989 1990 والمشروع لم يتم استكماله حتي الآن، وأطلب من الفنان فاروق حسني أن يضع حلا له، ويموله من صندوق التنمية الثقافية، أو يطلب له ميزانية خاصة لاستكماله لأن هذا المتحف توجد به ثروة تشكيلية لا يمكن تعويضها في أي دولة في العالم، ويحمل مجموعات من أعمال الفنانين العالميين ليس لها مثيل، لماذا لا تعتمد وزارة التخطيط مثل هذه المتاحف التي تمثل ثروة، لماذا تترك ثرواتنا الفنية نهبا للتحزين الرديء، لماذا نهدر ثروتنا هكذا. ثانيا: كنت أتمني صيانة المتاحف بشكل مستمر، التمويل الخاص بالصيانة لا يرقي لمستوي الأجهزة الموجودة بالمتاحف، المتاحف تكلف ملايين وتحتوي علي أعمال بالمليارات ولا يصرف لها ما تستحقه لأعمال الصيانة.