من المهم أن تعمل المحافظات في مصر علي تسجيل تاريخها السياسي ومن أهم العناصر في هذا التسجيل هو إعداد كتيب يدون فيه أسماء المحافظين الذين تولوا مقاليد الأمور في المحافظة. وإذا تناولنا تاريخ المحافظين السابقين في أسوان وعددهم 15 فإننا لا يمكن أن نغض الطرف عن أسرعهم في ترك منصبه وعن أكثرهم استمراراً في هذا المنصب فاللواء محمد عثمان إسماعيل الذي تولي شئون المحافظة في أوائل السبعينيات هو الذي قضي أقصر فترة في تاريخ المحافظين السابقين حيث قضي شهرين فقط في منصبه وهما إبريل ومايو 1971 م . وإذا بحثنا عن أكثرهم جلوساً علي مقعد المحافظ فإننا قد لا نجد سوي اللواء صلاح مصباح الذي يأتي ترتيبه رقم 13 فهو المحافظ الذي قضي أطول مدة (أكثر من ثماني سنوات) في رحاب محافظة أسوان حيث تقلد موقعه في 23 أغسطس 1991 م ليغادرها في 31 أكتوبر 1999 م أما المحافظ الحالي مصطفي السيد فيعتبر المحافظ رقم 16 في تاريخ محافظي أسوان. ليتني أملك المعلومات الكافية عن إنجازات المحافظين السابقين الذين لم أتشرف بمعرفتهم عن كثب خلال ولايتهم مما يضطرني إلي الاكتفاء بالحديث عن المحافظ الحالي مصطفي السيد والذي امتدحه خبير جمال ( من قيادات النوبة) في لقاء جمال مبارك في مجمع حفصة سلمان البدر بعنيبة يوم الاثنين 7 سبتمبر حيث قال إن اللواء مصطفي السيد يعتبر المحافظ رقم 16 في تاريخ محافظي أسوان ولكنه أول محافظ يهتم بملف النوبة ويتخذ خطوات جادة نحو القضايا التي أصابها العطب والصدأ بفعل عوامل الزمن والإهمال. وحتي لا يفهم كلامي بصورة خاطئة فإنه بات لزاماً علي أن أسجل أنني لم أطلب شيئاً شخصياً من محافظ سابق ولن اطلب شيئاً من محافظ حالي. ما دفعني إلي الكتابة هو أن هذا الرجل يمثل طرازاً فريداً من المحافظين، طراز لن يتكرر في تاريخ أسوان. ومن أروع ما عرفت عن هذا الرجل أنه تخرج في مدرسة العسكرية المصرية العريقة في عام 1970 م حيث تولي العديد من المناصب القيادية منها رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وقائد الجيش الثاني الميداني وشارك في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، لعل من أهم الدروس التي تعلمها الرجل في هذه المدرسة هي الوفاء. وربما يعتقد القارئ أنني أكتب كلاماً مرسلاً أتسلل من خلاله إلي قلب الرجل وأهدف إلي زغزغة عواطفه وإبهاج سريرته وأن هذا الكلام لا علاقة له بالواقع وفي ظني فإن القارئ معذور لأننا نعيش في عصر لا صلة له بتلك المعاني الجميلة حيث ينسي المرء الذي يتقلد منصباً دنيوياً زائلاً أصدقاء الصبا. أما اللواء مصطفي السيد فإنه لم ينس زملاء وأصدقاء المدرسة وكان بعضهم من أبناء أسوان، ففور توليه أمور المحافظة لم يضع وقتاً في البحث عنهم ولم يهدأ له بال حتي وجدهم وسعد برؤيتهم وبات يأنس بهم ويأنسون به. لعل القارئ وقعت عيناه علي الكلمات التي سطرها عبد الله كمال في مجلة روزاليوسف الصادرة في 12 سبتمبر 2009 م حيث قال إن مصطفي السيد بات يحظي بشعبية جارفة في الشارع الأسواني وهذه الشعبية مردها إلي تواجده الدائم بين المواطنين. لاشك أن مواطني أسوان لن ينسوا دور المحافظ خلال أحداث الشغب التي اندلعت في الشارع الأسواني بعد مقتل تاجر دواجن. لقد نجح في أن يهدئ من روع الأهالي حين وعدهم بأن القانون سوف يأخذ مجراه وأن الجاني سوف يلقي الجزاء. كما أنه لعب دوراً في إخماد نار الفتنة بين قريتين متجاورتين ( توماس وقسطل) في نصر النوبة حيث نجح في عقد لقاء المصالحة بين الطرفين في 17 أغسطس 2009 م. ولا يمكن أن ننهي هذا المقال من دون أن نشير إلي أسلوبه الفريد في الإدارة حيث يقرأ كل كلمة تكتب عن المحافظة التي يتولي شئونها ولا يتردد في الاتصال برجال الصحافة لتصحيح بعض النقاط التي في حاجة إلي ذلك. أذكر أنني كتبت مقالاً لا للمتاجرة بمطالب أهل النوبة نشر في جريدة روزاليوسف الصادرة في 11 أغسطس 2008 م حيث يتناول المقال تلك المزايدات التي تدور حول مطالب أهل النوبة ولم تمر سويعات قليلة علي صدور الجريدة حتي تلقيت اتصالاً هاتفياً من المحافظ الذي ظل بلا كلل أو ملل يناقشني في النقاط التي أبرزتها في المقال. كما أنه لا يفوت فرصة اللفتات الحانية والمجاملات الرقيقة في المناسبات المختلفة، وهي مجاملات قد لا تتعدي كلمات قليلة لكنها تكشف عن معدن الرجال.