بين ليلة وضحاها أصبحت العملة الدولارية في تحد صعب أفرزته الأزمة العالمية وتبعاتها علي السوق الأمريكية خاصة وأسواق العالم عامة، فمع التأثيرات المتباينة والممتدة التي أصابت السوق الأمريكية سمحت الولاياتالمتحدة لعملتها بالتراجع أمام العملات الأخري من خلال خفض أسعار الفائدة بشكل مستمر كإجراء تستهدف من ورائه تنشيط السوق ، إلا أن دولا أخري رأت في ذلك ما يهدد مصالحها خاصة تلك التي تمتلك صناديق سيادية واستثمارات في السندات الأمريكية وعلي رأسها الصين وروسيا ودول الخليج وهو ما جعلها تفكر في الانقلاب علي الدولار. المعلومات التي تم تسريبها تفيد أن اجتماعات سرية جرت خلال الأسبوع الماضي بين ممثلين من روسيا والصين وبعض دول الخليج تستهدف الانقلاب علي العملة الأمريكية واستبدالها بعملة عالمية جديدة ، هكذا بدأ الدكتور شريف دلاور الخبير الاقتصادي المرموق حديثه عن الدولار قائلا : "إن الدول المذكورة هي صاحبة أكبر صناديق سيادية تأثرت بفعل الأزمة العالمية التي تفجرت عبر السوق الامريكية فالصين علي سبيل المثال تستثمر في سندات الخزانة الأمريكية بحوالي تريليوني دولار ويشكك دلاور في إمكانية أن تقوم هذه الدول بتغيير العملة الدولارية لأن مصالحها في "دولار قوي" وليس ضعيفًا فالدولار القوي يسمح لها بتنشيط تجارتها وأعمالها الدولية وكذا احتياطياتها واستثماراتها أما تراجعه فهو أمر سيجعل هذه الدول تخسر الكثير لأنه سيفرض علي العالم التعامل بشكل شره مع السوق الامريكية يمكن أن يسحب البساط من تحت الصين مثلا والتي تصر علي أن تكون عملتها في أقل المستويات السعرية حتي أصبحت مصنع كل العالم وأصبحت تعاملاتها الدولية ضخمة للغاية. ويشير الخبير الاقتصادي إلي أن النية الأساسية من وراء هذه الاجتماعات أو المطالبات من جانب الصين وروسيا وغيرهما من الدول إنما هي لفرض ضغط علي الولاياتالمتحدة بفتح السوق الامريكية والقبول بمقررات دولية تنهي الإجراءات الحمائية التي تفرضها وإزالة المعوقات التي تضعها أمام المصدرين إليها إضافة إلي عدد كبير من الأمور والقواعد الخاصة بتكوين نظام مالي جديد في العالم ، متوقعا أن يتم تمرير العديد من الأمور عبر هذه الضغوط . ويذكر دلاور في تفسيره لاستبعاد أن تكون النية الحقيقة للدول النفطية هي التخلي عن الدولار أن الكويت فقط هي التي فكت ارتباط عملتها بالدولار بينما تصاعدت تصريحات بأن دول مجلس التعاون ستفك ارتباط عملتها وفي الاجتماع الذي سيتم فيه نظر الموضوع تم شطبه نهائيا من المضبطة . ويقول الدكتور شريف دلاور إن الأزمة العالمية تسببت في ضخ مليارات من العملة الأمريكية لتنشيط السوق الامريكية وكذا العديد من الأسواق العالمية وهذا الضخ الدولاري أدي إلي زيادة المعروض من الدولار مما تسبب بالتبعية في تراجع سعر العملة الأمريكية أمام العملات الأخري مشيرا إلي أن الين الياباني سجل أعلي مستوياته أمام الدولار في الأيام القليلة الماضية كما وصل اليورو إلي مستويات قياسية حيث سجل 1.5 دولار. وانخفضت قيمة الدولار أمام الجنيه يوم الخميس الماضي لتصل إلي 5.48 جنيه للبيع و5.46 للشراء بعد أن كانت قيمتها 5.50جنيه للشراء و5.47جنيه للبيع يوم الأربعاء كما فقدت العملة الدولارية حوالي 0.2٪ من قيمتها في الأسبوع قبل الماضي . ويري دلاور إن تراجع قيمة الدولار أمام العملات الأخري يعد من الأمور الايجابية للاقتصاد الامريكي وذلك لأنه أدي إلي زيادة صادراتها في حين تراجعت قيمة وارداتها لأن تقلص قيمة الدولار أغري الدول بالشراء من السوق الامريكية ، وتوقع شريف دلاور أن يبدأ سعر الدولار في التحسن مع نهاية 2010 اذا لم تطرأ أحداث جوهرية تتسبب في اهتزازه . وبالنسبة لتأثيرات انخفاض قيمة الدولار علي السوق المحلية فيوضح دلاور أن التأثير الأهم هو أن قيمة الدولار انخفضت امام الجنيه ، مستدركا أن ذلك لا يعني ارتفاع قيمة الجنيه لأنه انخفض أمام اليورو حتي أصبح سعر اليورو 8 جنيهات وحجم تجارتنا مع الاتحاد الاوروبي تمثل 50 ٪ من تجارتنا للعالم وهو ما يتحتم معه زيادة الإنتاجية حتي نضمن استقرارا حقيقيا لسعر الجنيه امام العملات الأخري . ويتفق أحمد سليم نائب المدير العام بالبنك العربي الافريقي مع الدكتور دلاور قائلا : "إن الانقلاب علي الدولار وتغييره بعملة عالمية أخري موضوع مقبول اقتصاديا لكنه في الواقع صعب للغاية لأن الولاياتالمتحدة لن تسكت وستستخدم أساليب عديدة لوقف أي مخطط للاضرار بمصالحها الاقتصادية " متوقعا أن تلجأ أمريكا خلال الفترة المقبلة الي سياسة الترهيب لغلق باب الحديث في هذا الشأن . ويقول سليم ان الحاجة لعملة عالمية جديدة يعد من اساسيات البحث عن نظام مالي عالمي جديد وأن يكون صندوق النقد الدولي موجودًا بشكل أكبر في هذه المعادلة الخاصة باصدار العملة العالمية الجديدة الا أنه توقع أن الوقت الحالي من الصعب أن تحدث أي اجراءات تنفيذية لأن الامر لابد أن يكون مدروسا بشكل عميق فقرار مفاجيء يمكن أن يحدث شرخا في الاقتصاد العالمي يصعب مداواته بسهولة ورأي أحمد سليم انه من الممكن أن يكون السبب في الاجتماعات والمطالبات الخاصة بتغيير الدولار هو أن الدول المطالبة تريد فرض بعض الإصلاحات للسوق الامريكية. محمد الابيض - رئيس شعبة الصرافة - يؤكد أن اليات السوق من العرض والطلب في السوق المحلية هي التي أدت الي تراجع الدولار أمام الجنيه مشيرا الي أن المعروض من الدولار ارتفع بشكل كبير في حين ظل الطلب بدون زيادة ، ويلفت الأبيض إلي نقطة اعتبرها مهمة في تحرك سعر الدولار بالانخفاض وهي أن الاحتياطي الفيدرالي أعلن أن اسعار الفائدة علي الدولار ستظل في حدود منخفضة لفترة طويلة للغاية وهو ما جعل حائزي الدولار يتخلون عنه قائلا ان امريكا تخفض الفائدة علي الدولار كاجراء تنشيطي لسوقها المحلية التي اصابتها الازمة المالية والاقتصادية .