تعد مصانع الأسمدة من أكثر المنشآت الصناعية تلوثياً للبيئة إذ ينبعث منها مخلفات سائلة وغازية وصلبة لها تأثيرات سلبية خطيرة علي البيئة وتهدد بتدمير صحة الإنسان والحيوان وجميع الكائنات الحية. مصنع سماد أسيوط جاء ضمن القائمة السوداء التي أعدتها وزارة البيئة فعلي مدار ثلاثة عقود ألقي المصنع منذ إنشائه في السبعينيات آلاف الأطنان من المخلفات السائلة والصلبة في نهر النيل علاوة علي تطاير الغازات السامة التي تهدد المواطنين بالموت الجماعي وتدمير آلاف الأفدنة أجود الأراضي الزراعية لحظات عصيبة عاشتها روزاليوسف بين أهالي جزيرة الأكراد بجوار مصنع الموت فالوجوه كالحة يكسوها الغبار ويهددهم الموت من كل جانب ولم تصلح التعديلات التي طرأت علي قانون البيئة حتي الآن في غلق المصنع أو حتي نقله إلي مكان آخر في الظهير الصحراوي لمحافظة أسيوط بعيداً عن الكتلة السكنية. مأساة فالأهالي يعيشون مأساة حقيقة إذ تقع جزيرتهم المجاورة للمصنع باتجاه الريح مما يهددهم بكارثة صحية إذ تتطاير الغازات السامة لحمض الكبريتيك منذ عشرات السنين وقضت علي الأخضر واليابس. فالملوثات تحاصرهم من جميع الاتجاهات إذ يقع المصنع علي مساحة 65 فداناً بين جزيرتي الأكراد التابعة لمركز فتح والطوابية التابعة لمركز منقباد ويصل الصرف المباشر للنيل إلي 1500 متر مكعب في الساعة حسبما أكد مسئول بالبيئة. حمض الكبريتيك طلعت السيد مزارع من جزيرة الأكراد أكد أن 60٪ من المواطنين مصابون بأمراض خطيرة بسبب الملوثات التي تحاصرهم من جميع الاتجاهات. وأضاف حمض الكبريتيك يتسرب من المصنع مما يهدد حياة المواطنين مشيرًا إلي تجمهر المئات من أهالي القرية العام الماضي بسبب التشريعات التي قد تؤدي إلي الموت الجماعي. وقال لا نستطيع تنفس هواء نقي في منازلنا التي تحولت إلي مراكز استقبال للسماد فالرياح عندما تتحرك تكون وبالاً علينا حيث تحمل السماد الناعم من الفوسفات وتقذف به داخل المنازل مما يؤدي إلي تسمم الطعام مشيرًا إلي أن المنازل تعلوها كميات هائلة من السماد المتطاير الذي حول بيوتنا إلي اللون الأبيض. وقال عبدالغفار محمد مزارع: التسمم الهوائي قضي علي الزراعات الموجودة وأدي إلي بوار مئات الأفدنة. وأضاف: تم تحرير محاضر لوقف التلوث الذي أدي إلي احتراق النباتات بسبب الغازات السامة ولكن حتي الآن لم يتحرك أحد لإنقاذنا. كما اتهم نصحي محمد مزارع إدارة المصنع بالمسئولية عن هلاك الماشية الموجودة بالجزيرة والتي تسممت بسبب تطاير حمض الكبريتيك الذي ترسب علي أوراق النباتات وتناولته الماشية مما أدي إلي نفوقها بعد ما تآكلت عظامها ولم يتبق لنا إلا القليل من الماعز التي يتم شراؤها وبيعها خلال شهرين حتي الألبان تم شراؤها من مركز منقباد الذي يبعد 5 كيلو مترات مما يمثل عبئًا كبيرًا علي مواطني القرية البالغ عدد سكانها 15 ألف نسمة. وأكد محمد أحمد مزارع أن زراعات النخيل التي تقدر ب1200 نخلة تم هلاكها جميعًا بسبب تراكم الأسمدة، فالقرية أصبحت بدون زراعات أو ماشية وقال لقد نفد صبرنا ولم نجد من ينقذنا من الموت. نقل المصنع وطالب بضرورة نقل المصانع خارج الكتلة السكنية إلي إحدي المناطق الصناعية تنفيذًا لاقتراح اللواء نبيل العزبي، محافظ أسيوط، تجنبًا للدمار الذي لحق بالقرية وأهلها. ومن جانب آخر، قال محمد حسين مواطن من القرية إن الصرف المباشر علي النيل أدي إلي نفوق الأسماك وهروب ما بقي منها إلي مسافات بعيدة. واتهم أهالي المنطقة أحد مهندسي البيئة بأسيوط بالتواطؤ مع إدارة مصنع السماد مؤكدين أنه يقوم بإبلاغ الإدارة قبل تحركه مما يتيح لهم فرصة كافية لتحسين الوضع قبل وصول حملة التفتيش البيئي. ومن جانبه، قال د.محمود عمرو، رئيس المركز القومي للسموم البيئية، إن مصانع الأسمدة ينتج عنها ملوثات ضارة بالبيئة مثل غاز الأمونيا وحمض الكبريتيك الذي له تأثير حارق ويؤدي إلي حدوث تليف بالشعب الهوائية والرئة. وطالب بضرورة وضع حلول عاجلة لإنقاذ الجزيرة من الهلاك، مؤكدًا أن الغازات السامة والأتربة المتطايرة تتراكم علي أوراق النباتات التي تتغذي عليها الحيوانات مما يؤدي إلي حالات تسمم ونفوق الماشية خلال وقت قصير جدًا. كما طالب فرع جهاز البيئة بأسيوط بأخذ عينات من مياه النيل بشكل دوري للتأكد من مطابقتها للمعايير البيئية. تجاهل المسئولين إدارة مصنع سماد أسيوط تصر علي تجاهل مطالب الأهالي والمسئولين إذ قال المهندس عبدالرءوف جبر، مدير المصنع، إننا غير مستعدين للاستجابة لاقتراح محافظ أسيوط اللواء نبيل العزبي بنقل المصنع خارج الكتلة السكنية، لأننا نعمل علي التطوير وتوفيق الأوضاع. وأضاف: أننا نقوم حاليا بإجراء صيانة لوحدة حمض الكبريتيك التي يتسرب منها غازات بتكلفة 3 ملايين جنيه. كما رفض جبر مقترح تحويل المياه التي تصب في النيل بكميات كبيرة إلي الترعة السوهاجية الملازمة للمصنع التي لا تؤثر في مياه الشرب. وحمل مدير سماد أسيوط مصنع الأسمنت المجاور مسئولية الأضرار الجسيمة التي يتعرض لها المواطنون في الجزيرة مؤكدًا أن المصنع بريء رغم اعترافه بتسريب حمض الكبريتك وإجراء الصيانة في إحدي الوحدات. غلق المصنع د. نادر شحاتة رئيس فرع البيئة بشمال الصعيد أكد أن التلوث ناتج عن مصنع الأسمدة وليس الأسمنت. وقال إن الوزارة لن تتواني عن غلق المصنع في حال استمرار التلوث وإذا ثبت وجود تسريبات جديدة بالوحدة التي يتم تصليحها سيتم اتخاذ إجراءات رادعة لوقف نشاط المصنع تنفيذًا لتعديلات قانون البيئة الذي أعطي الحق لوزارة البيئة بغلق أي مصنع مخالف. أضاف شحاتة أن هذا المصنع من أكثر المنشآت الصناعية التي أجهدت وزارة البيئة خلال السنوات الماضية وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده وإحالته للنيابة والقضاء إلا أن العقوبات في تلك الفترة كانت غير رادعة، وأوضح أنه في3 / 1 / 2008 صدر حكم قضائي بغرامة 2000 جنيه بسبب ارتفاع نسبة الغازات عن الحد المسموح به وتطاير الأتربة وبعض المخلفات الأخري وفي22 / 1 2009/ صدر حكم بتغريمه ألف جنيه. عقوبات رادعة وأوضح أن العقوبات في القانون القديم كانت غير رادعة ويتم دفعها لأنها لا تمثل شيئًا مما يكون دافعًا له للاستمرار في التلوث وأضاف شحاتة أن وزارة البيئة وضعت خطة لمراقبة هذه المصانع من خلال سياسة رصد للانبعاثات علي غرار مصانع الأسمنت المرتبطة بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات.