بالإضافة إلي تلبية رغبات محبي كرة القدم وعشاق تلك اللعبة الشعبية فإن بطولة كأس العالم للشباب التي تجري منافساتها في مصر حققت أيضاً هدفاً لا يقل روعة عن الأهداف التي سجلها اللاعبون وهو عودة العلم المصري ليرتفع مجدداً بواسطة أبناء الشعب برغبتهم وعن طيب خاطر وليس أمام المسئولين في المناسبات الرسمية. كما أظهرت الملاعب التي تجري فيها المباريات وفاعليات البطولة قدرات المصريين البنائين من علي التشييد والتنظيم إذا ما توفرت الإمكانات وخلصت النيات وتواري البيزنس وغاب منطق "تفتح المخ" و"فتح عينك تاكل ملبن" وحيتان الإعلانات. علي الجانب الآخر تسبب نقل المباريات علي القنوات المصرية في كشف جهل معلقي كرة القدم بأبسط المعلومات عن الدول المشاركة في البطولة، بدت الفضيحة "بجلاجل" حين أصر أحدهم وفي منتهي الجسارة علي تكرار نطق أسماء بعض الدول المشاركة خطأ. والكارثة أن أحداً لم ينبه المعلق أنه يخطئ في نطق اسم هذه الدولة أو تلك فلم يعد عن فعلته وإنما ظل طوال المباراة وحتي في التي تلتها في نطق اسم جمهورية "هندوراس" علي انها هندراوس لم نطلب منه أن يمنحنا معلومات عن الدولة التي تقع في أمريكا الوسطي ولا أن يقول لنا إنها تقع علي ساحل الكاريبي ويحدها من الشمال الغربي جواتيمالا ومن الجنوب الغربي السلفادور ومن الجنوب نيكاراجوا والمحيط الهادي، ولم نطمح أن يحكي لنا تاريخ هندوراس واحتلال أسبانيا لها عام 1502 وحتي سنة 1838 أو أن يعرفنا أنها كانت تسمي "هندراوس" الإسبانية للتفريق بينها وبين "هندوراس" البريطانية التي يطلق عليها حاليا بليز، فالرجل يعلق علي مباراة كرة ولا يقف أمام تلاميذ في حصة جغرافيا في "سنتر" للدروس الخصوصية. لكن لأن العصر الذي نعيشه لم تعد الكفاءة فيه وحدها معياراً للحضور أو الترقي أو الظهور أو نيل المكانة، كما أن غياب ثقافة الحواس لدي الكثيرين جعل الناس لا تتوقف عند أمور كانت مهمة ثم صارت مجرد "كراكيب" فإن أحداً لا يحاسب أحداً وسار منطق "هي ماشية" و"قول يا باسط" و"كبر دماغك"، ولذلك لم يكن غريباً أن يصر معلق جسور آخر علي نطق اسم دولة "باراجواي" طوال مباراة كاملة علي أنها "بورجواي". ولأن العبد لله ليس فرناندو ماجلان أو كريستوفر كولمبس ولا حتي عباس بن فرناس فإنني لا أدعي خبرات واسعة في الجغرافيا أو امتلاك معلومات وافية عن كل دول العالم خصوصاً في أمريكا الوسطي. وبكل صراحة اعتمدت علي موسوعة ويكيبديا بخطوة واحدة علي جهاز الكمبيوتر لأعرف أن باراجواي دولة في أمريكا الجنوبية تحدها الأرجنتين من الغرب والجنوب الغربي والبرازيل من الشمال الشرقي وبوليفيا من الشمال الغربي وأن لا سواحل لها وأن عاصمتها اسونسيون. صاحبنا المعلق الجغرافي المعملي الفذ لا يقف عند هذه الأمور، ويعتبر أن تجهيز نفسه للتعليق علي بطولة مهمة لا علاقة له بالكمبيوتر أو بأي دولة، وأن مجرد حفظه أسماء بعض اللاعبين السابقين في هذا الفريق أو ذاك وجسارته في الجلوس خلف الميكروفون أمور كفيلة بأن يكون معلقاً كروياً. أما جزيرة "تاهيتي" التي تقع في المحيط الهادي فكما كان مرمي فريقها "مستباحاً" للفرق الأخري فإنها نالت من جهل وضحالة معلق الكرة أكثر من غيرها من الدول المشاركة في البطولة. نطقها أحدهم "هايتي"، ولفظها آخر "تيهاتي" لكن أكثر ما أثار الضحك والاستغراب في آن واحد ذلك المعلق المعملي الفذ الذي أصر علي أن يسمي دولة "كوستاريكا" بطريقته الخاصة وسماها: "كوستاليتا" فخلط صاحبنا بين الجغرافيا ومطعم أبوشقرة مع أن كوستاريكا دولة في أمريكا الوسطي علي الكاريبي وتحدها من الشمال نيكاراجوا ومن الجنوب بنما. أما "كوستاليتا" فإن مقادير تحضيرها وفقاً لأحد مواقع الطبخ: كيلو لحم من "الموزة" وثلاث بصلات مفرومة متوسطة الحجم وملعقة لمون وملعقة جوز الطيب وكوب زيت زيتون ومعلقة كاري وأربع أكواب عصير طماطم، أما طريقة التحضير "وليس طريقة اللعب". فيسلق اللحم جيداً ومعه نصف كمية البصل بينما يتم تحمير باقي كمية البصل حتي يصفر لونه ويوضع عليه عصير الطماطم ويترك ليتسبك ويضاف الملح والفلفل الأسود إلي الصلصة ثم يضاف اللحم ويترك علي النار لمدة نصف ساعة ويقدم مع الأرز أو غيره وبالهنا والشفا.. أما معلقو الكرة فقد جعلونا نشاهد المباريات ب"السم الهاري".