إذا تتبعنا الخريطة النفسية التي رسمها سيجموند فرويد للنفس البشرية، وجدنا ثلاثة معالم رئيسية فيها هي كما يسمونها باللغة العربية: الأنا السفلي، والأنا، والأنا العليا.. وعلي حد قول علماء النفس، تبقي الخريطة كما هي بمكوناتها الأساسية في كل الناس.. ولكن الأمراض النفسية تحدث لإختلال التوازن بين قوة وتأثير المكونات الثلاثة علي كل إنسان.. والسؤال هو: كيف تبدو نفسية المجرم من هذا التكوين؟ والذي بعث بالسؤال في التوقيت الحالي هو خبر مقتل المتهم بقتل مدير مباحث السويس علي يد قوات الشرطة.. طالما نسأل عن السبب أو الأسباب التي تجعل من الإنسان مجرما أو قاتلا، يرتكب جرائمه بدم بارد وجرأة متبجحة من أمثال أحمد عيد المتهم بقتل مدير مباحث السويس السابق.. وهل توجد أسباب اجتماعية أو غيرها تغير خارطة النفس وتقلب موازينها فيقتل الإنسان ويسلب دون أي رادع داخلي؟ وهل يجعل المجتمع أو الأسرة من الطفل مجرما منذ الطفولة؟ يقول أبناء البادية من القبائل التي خرج منها أحمد عيد أنه قد بدأ أولي جرائمه المعروفة وهو في سن 15 عاما بخطف سيارة نصف نقل ومساومة أصحابها لدفع الأموال لاسترجاعها! يقول علماء النفس أن ما يتعلمه الإنسان في طفولته من أخلاقيات الصواب والخطأ وما يغرسه فيه أبواه من مُثل عليا تختزن كلها في الأنا العليا وترسخ فيها بمؤثرات الثواب والعقاب التي يقدمها المجتمع للطفل.. ويقولون أن هذه الثوابت لا تتغير مهما تغيرت الظروف المحيطة بالإنسان عندما يكبر.. وحتي إذا أجبرته الظروف علي ارتكاب ما لا ترضاه الأنا العليا، فإن ضميره يؤنبه ويلومه علي ما فعل، وعلي أنه لم يستجب للأنا العليا وتعاليمها السامية.. كما أن للأنا أيضا دورا هاما في ضبط السلوك الإنساني بما يتماشي مع القوانين والقواعد التي تحكم المجتمع.. إذ أن الدور الرئيسي لهذا المكون الهام من النفس البشرية هو مراعاة التوازن بين ما تتطلبه النفس البشرية من ناحية وما يتطلبه المجتمع من ناحية أخري.. ولذلك تسيطر الأنا علي أفعال الإنسان بما يتماشي مع القانون فتردع الإنسان عن ارتكاب مايخالف القانون للحفاظ علي سلامته واتقاء للعقاب الذي سيناله من المجتمع.. وتبقي الأنا السفلي التي يقبع فيها كل الغضب والمكبوتات والتي يتعلم الإنسان السيطرة عليها، إذ تساعده الأنا القوية في إخراج مكبوتاته ولكن بما يتناسب مع المحيط المجتمعي وبما لا يضر بالأنا العليا ومخزونها الأخلاقي حتي لا يقوم الضمير بتعذيب النفس.. وهو توازن يبدو منطقيا جدا جدا إذا تم تحقيقه بشكل منضبط.. ولكن انعدام التوازن قد يؤدي إلي أن تتحكم في الإنسان الأنا السفلي بحيث تهلكه جرائمه.. أو تتحكم فيه الأنا العليا فيصاب بعقد الذنب والشعور بالدونية ويؤنبه ضميره علي كل ما يقوم بعمله مهما كان التقصير فيه بسيط.. حان الوقت الذي ننظر فيه للرعاية النفسية بشئ من الجدية ونقوم بتوعية الآباء والأمهات من ناحية والقائمين علي التربية والتعليم من ناحية أخري..