الأيدي المرتعشة لا تقوي علي التغيير كان هذا فيما يبدو الشعار الذي تبناه الشاب نظير جيد في مقتبل شبابه، بعد أن اقترب من الأجواء الكنسية، وشهد الصراعات التي تعتمل في قمتها، وأمامه بطريرك الانبا يوساب الثاني أسلم قياده لتلميذ وظف ثقته فيه فراح يعيث فيها فساداً، رغم أن البطريرك كان عالماً يحمل درجات علمية من اكبر الجامعات الأرثوذكسية باليونان، وخطا خطوات مهمة في وضع اسس علمية في اعداد الرهبان لتبوء مهام الأسقفية بافتتاحه مدرسة الرهبان بحلوان، كمرحلة انتقالية من اجواء الدير الي مهام ادارة الكنيسة، إلا أن نقطة ضعفه كانت ذاك التلميذ الشهير، والذي اعاد الحياة للسيمونية ( الحصول علي الرتب الكهنوتية برشوة ) ، وغير بعيد يشهد الشارع القبطي حراكاً منظماً من الارساليات الاجنبية متسلحة بقدر وافر من التخطيط والتنظيم تضم كل يوم العديد من ابناء الكنيسة مدعومة بمنظومة متكاملة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. كانت ابواب الدنيا مفتوحة أمامه بعد تخرجه في كلية الآداب وقت ان كانت الجامعة للصفوة ويحظي خريجوها بتقدير المجتمع، لكنه اختار الباب الضيق والطريق الوعر، كان أمامه مثال يحتذي الأب متي المسكين والذي تتلمذ عليه وكانت سطور الشاب بمجلة مدارس الأحد تقول بهذا وهو يكتب سلسلة مقالات " انطلاق الروح " وفيها يذكر بواكير علاقته بابيه الروحي الذي يلتقيه علي عتبات الدير ويقود خطواته وتنقطع المقالات، بعد أن قرر الشاب دخول الدير ليصبح الأب انطونيوس السرياني. ويأتي توقيت رهبنته يوليو 1954 ليكشف لنا قدرته علي استقراء الأحداث المتوالية في اجواء كنسية محتقنة تشهد خلالها إبعاد البطريرك وعودته والقبض علي رموز جماعة الأمة القبطية، وبعدها بنحو عامين حين يقرر الاب متي المسكين ترك الدير 20 يوليو 1956 يكون الراهب انطونيوس السرياني في مقدمة مناصريه والخارجين معه اثني عشر راهباً وعندما يحاول اسقف الدير أن يثنيهم ويبقيهم يبادره الاب انطونيوس برد يكشف لنا عن رؤية اكثر استيعاباًً للرهبنة ومعناها ويكشف لنا من جانب آخر وفاءه لمعلمه (ياسيدنا الرهبنة ليست أسواراً ولا حدائق ولا أكلاً ولا شرباً، إننا نسير وراء الأب الذي يقودنا ويرشدنا، ... هذه هي الرهبنة التي تعلمناها: إنها أب روحي مرشد مع رهبان يسيرون في طريق الخلاص). وتتسارع الأحداث ويرحل البابا يوساب لتبدأ دوامة اختيار بطريرك جديد ويأتي اسم الاب متي المسكين والاب انطونيوس السرياني في مقدمة المرشحين، الأمر الذي اثار هواجس الحرس القديم في المجمع المقدس وهم يرون رموز التنوير والإصلاح يتقدمون بخطي ثابتة نحو قيادة الكنيسة ولم تكن هواجس القيادة السياسية بأقل منها ، اتفق كلاهما علي الحيلولة دون تحقق هذا الأمر وهنا يأتي دور ترزية القوانين فيتم تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك وتصدر لائحة 57 لتنص علي وجوب ألا يقل سن المرشح عن 40 عاماً وألا تقل مدة رهبنته عن 15 سنة، وتؤكد حق المطارنة والأساقفة في الترشح، فيستبعد كل المرشحين الشباب اجرائياً ويتدعم احتمال ان يأتي البطريرك من احد الاساقفة والمطارنة، لكن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن، إذ يتحرك الشباب للدفع باسم القمص الراهب مينا المتوحد الذي سبق واحتضنهم في ازمتهم مع دير السريان، ويستقطب هذا الاسم رضاء كل الأطراف فهو متقدم في السن وليست له توجهات سياسية ولا تكتلات داخل الكنيسة ومتفاعل مع الشباب وله سمعة طيبة في الأجواء الروحية، ليصبح فيما بعد البابا كيرلس السادس. ويرتقي الشاب الراهب درجة مؤثرة باتجاه قيادة الكنيسة حين يشير الاستاذ الدكتور حنا يوسف حنا المحاسب والمراجع لحسابات الكنيسة وهيئة الاوقاف القبطية والقريب من قداسة البابا كيرلس السادس ومحل ثقة الرئيس عبد الناصر يشير علي البابا ان يضم عناصر من شباب الرهبان الذين ساندوه الي طاقم سكرتاريته ويرشح له اسم الاب مكاري السرياني والاب انطونيوس السرياني فيقبلهما ، ويكتشف البابا قدرات الراهبين وفاعليتهما فيقرر رسامتهما اسقفين، الأول باسم الانبا صموئيل للخدمات الاجتماعية والثاني باسم الأنبا شنودة للتعليم والإكليريكية . لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الشاب الاسقف شهدت خطوات واسعة باتجاه تطوير الخدمة والعمل الكنسي محلياً ودولياً، وللحديث بقية.