في الأول من أكتوبر سنة 1949، أعلن عن قيام جمهورية الصين الشعبية بزعامة ماوتسي تونج، بالنظر إلي الكثافة السكانية والمساحة الهائلة للدولة الجديدة، وبمراعاة انضمامها إلي منظومة الدول الاشتراكية التي تضم الاتحاد السوفيتي وبلدان أوروبا الشرقية، بدا واضحا أن الخطي الشيوعية تسير بثبات، وأن القلاع الحصينة للفكر الماركسي تتزايد، لكن الخط البياني للحركة الشيوعية لم يستمر في الصمود. كانت البداية بخلاف جوهري عميق، أدي إلي تبادل الاتهامات بالخيانة والتفريط بين الاتحاد السوفيتي والصين، وسبق ذلك انشقاق يوغوسلافيا بزعامة تيتو، وصولا إلي سقوط القلعة الأم بسهولة غير متوقعة، ومع مطلع التسعينيات من القرن العشرين تحول الاتحاد السوفيتي إلي دويلات، واتخذت الصين عمليا سبيلا لا علاقة له بالشيوعية، وتحولت دول أوروبا الشرقية إلي اختيار جديد، أما الأحزاب والقوي الشيوعية، في الدول غير الشيوعية، فقد تراجعت وتدهورت واضطر معظمها إلي الإعلان عن برامج وتوجهات جديدة، مغايرة لخطابها الماركسي اللينيني السابق. التجربة الصينية جديرة بالتأمل، فمن كان يتوقع أن الاحتفال بالعيد الستين لقيام الجمهورية الشعبية الاشتراكية سوف يشهد كل هذه التحولات؟! من الذي يتذكر الآن ماوتسي تونج، ولا مجال للحديث عن تقديسه وتأليهه بطبيعة الحال؟ من الذي يستدعي أحداث الثورة الثقافية إلا مصحوبة بالكثير من اللعنات والاحتجاج علي ما شهدته من جرائم فاضحة فادحة وتجاوزات بغيضة مشينة؟! تتربع الصين فوق القمة الاقتصادية، مسلحة بالعمل الدءوب الذي يضيف وينتج ويتطلع إلي المزيد من التنمية، أما نظامها السياسي والاجتماعي فإنه بعيد كل البعد عن الرأسمالية الليبرالية، قدر الابتعاد عن الاشتراكية وشعاراتها فاقعة الإحمرار، ولا يحول هذا كله دون حقيقة أنها محكومة بالحزب الشيوعي الذي ينتهج سياسة غير شيوعية! ليت أن الذين يدمنون الصياح هنا يتعلمون ويستوعبون الدرس، فالعمل هو الحل، والمزيد من العمل هو البديل للشعارات الملونة!