تَلقَّي الزوج في السادسة صباحاً من شهر يناير سنة 2007 رسالة إلكترونية، ممهورة بتوقيع فاعل خير، تُفيده علماً بأن زوجته ستكون بعد يومين من تاريخ الرسالة، في رأس دب كودياك، بصحبة رجل غريب، في حفلة تَنَكُّرية خيرية مُقامَة، لجمع تبرعات، لصالح مستعمرة الجذام، الكائنة سراً في حضن جبل، بضاحية حلوان سابقاً، المُحَافَظَة لاحقاً، والكائن علي قمته علناً مركز البحوث الفلكية الجيوفيزيقية، وهو الجبل الذي دفع بسببه، وبإعاز وتحريض من مجنون سينما، خلط الواقع بالخيال، وتحت تأثير فيلم إنجليزي، بطولة هيو جرانت، أهالي حلوان أموالاً طائلة، حتي يتغاضي مجلس البلدية عن الأمتار القليلة الناقصة من ارتفاع الجبل، وهي الأمتار التي تنقذ الجبل من عار وضعه في الخرائط الحديثة المستقبلية، علي أنه تلة، وليس جبلاً. فكَّر الزوج باحتمال خيانة زوجته، وفكَّر أيضاً بإمكانية الصفح والغفران. أخذته كلمة الصفح إلي المعاني العميقة التي شغلت الفيلسوف جاك ديريدا في السنوات الأخيرة قبل موته. قال الزوج بتعديلات علي مقاصد جاك ديريدا: يمكن عبر التاريخ الإنساني، صوغ العِبَارة التالية، والعِبَارة تقول: سياسات ذاكرة الأزواج المخدوعين. مَنْ الذي يصفح؟ وعن مَنْ؟ وهل يتطلب الصفح اعترافاً مبدئياً من الزوجة؟ وهل يعني الاعتراف تغييراً، بموجبه لا تعود الزوجة للخيانة؟ وإذا كان شرط الصفح عدم عودة المُذنِب في المستقبل إلي ذنبه، فكيف يحَل التناقض، في كون الصفح، هو في الأساس، الصفح عن ما لا يجب الصفح عنه؟ وقد لا يكون الصفح صفحاً إلا إذا كان غير مؤرقٍ لسريرة المُذنِب، ولهذا فهو لا يطلبه من مَنْ يستطيع الصفح عنه، وكأنَّ المُذنِب لا يجد ضرورةً في طلب الصفح، وقد يمنح المُذنِبُ الصفح دون معرفته، وأخيراً قد يكون المُذنِب مُدركاً بأنه غير مُذنِب. وأخذته كلمة الغفران إلي معان من نوع، أن الغفير الذي كان حارساً علي نقلة الطوب الأحمر بجوار بيته القديم، لم يكن يعرف أن الغِفَارة تشتبك مع معني النسيان، وأن غفر الشيء، هو قام بنسيانه وحراسته في آن، مع مراعاة أن نسيان الشيء ليس ضياعه. قال الزوج: سياسات ذاكرة الأزواج المخدوعين في ضوء الحراسة والنسيان. وتَلقَّتْ الزوجة في نفس اليوم، وبعد سبع ساعات من رسالة الزوج الإلكترونية، مكالمة تليفونية من سيدة ادعتْ أنها صديقة مٌخلصة للزوجة، وتُفيدها علماً بأن زوجها سيكون بعد يومين من تاريخ المكالمة، في رأس حمار وحشي، بصحبة امرأة غريبة، في حفلة تَنَكُّرية خيرية. اعتذرتْ الزوجة للزوج، بأن ابن عمتها الصغير، ابتلع قرط شقيقته الحُمصة، فأخذتْ أمه علي نفسها مهمة مُراقبة الفضلات التي تخرج منه، وسبرها بإبرة كانفاه رفيعة، وقالت له بلهجة حازمة: لا تُخبر أحداً حتي نجده. وأخذتْ عليه عهداً بعدم الذهاب إلي الحمَّام دون علمها، ورغم ذلك ساورها الشك في أمانته، وقد أفشي الولد سره لي، وبعد يومين من الآن، وبعد تحديد مكان القرط الملتصق بالأمعاء، عن طريق صور الأشعة، ستجري له عملية جراحية، ولا بديل من ذهابي للعمة، والبقاء معها، والعودة في اليوم التالي. ابتلع الزوج قرط اعتذاره الصغير، بحجم الحٌمصة. ولم يكن اعتذار غيابه، المُرتَّب في عقله أحسن حالاً من اعتذار زوجته. كان اعتذاره سيتعلق بصديق وهمي يحتضر، يري عصفوراً يقف علي حافة النافذة، حركته حادة خفيفة، رأسه الصغير يلتفتُ في كل الاتجاهات بسرعة مُدْهِشة، عصفور صغير جداً، أحس الصديق ناحيته بعاطفة علي قدر حجمه. ما يربك الصديق أنه لا يعرف للموت حجماً، قد يكون حجمه بحجم العصفور الصغير، قد يكون أقل كثيراً، قد يكون أكبر قليلاً. في يوم الحفلة التَنَكُّرية الخيرية المُقامة علي شرف مستعمرة الجذام، اقترب الحمار الوحشي من دب الكودياك بحجة التقاط هلالاً ذهبياً من مُقبلات الكاليماري، أومأ دب الكودياك برأسه الكبير، وابتعد بلياقة من طريق الحمار الوحشي. بعد لحظات تذكَّر دب الكودياك تاريخ أسلافه الدموي، ورغم غرابة رأس الحمار الوحشي، وانعدام وجوده في بيئة دب الكودياك الحقيقية، إلا أنه حدس بغريزته الدموية، أن الحمار الوحشي، هو حيوان عاشب. طَارَد الحمار الوحشي مرة ثانية دب الكودياك أثناء رقصة تانجو. غضب دب الكودياك. نزع رأس الحمار الوحشي، وفي نفس اللحظة خرج الحمار الوحشي عن سلوك أسلافه، ونزع هو أيضاً، رأس دب الكودياك. صرخ دب الكودياك، وصرخ الحمار الوحشي،. لم يتعرَّف أحدهما علي الآخر. هو لم يكن الزوج، وهي لم تكن الزوجة. اعتذر كل منهما إلي الآخر، ورقصا معاً رقصة تانجو. تعلَّم الزوج والزوجة من تلك الحاثة درساً لن ينسي، ولم يعد أحدهما إلي الشك في إخلاص الآخر له.