شهر رمضان بكل ما فيه من روحانية ودفء يحفر في ذاكرة كل منا مشاعر وذكريات تتسرب إلي نفوسنا مع قدومه كل عام، ولكن الكاتب يوسف القعيد كلما مر عليه شهر رمضان تراوده ذكريات ل”3 رمضان” مرت به في حياته وهي “رمضان القرية”، و”رمضان المدينة”، و”رمضان علي شط القنال في أكتوبر 73”، ويحدثنا عن كل واحد فيه وعن مائدته المفضلة وضيوفه المقربين في رمضان. ويبدأ القعيد حديثه عن “رمضان القرية” والتي لم يعد فيها منذ منتصف الستينيات وحنينه إليه أقوي من أي شعور آخر فهو يشبه حاله ببيت الشعر القائل: أراك يا بدر ابن القري ولو ظهرت في المدائن تصبح غريبًا، فرغم الاحتفالات الشعبية التي يحرص علي حضورها في السيدة زينب والحسين إلا أنها لا تماثل متعة رمضان في القرية. فهو يتوق إلي سماع صوت المؤذن بصوته الجميل الذي يهفهف حاملاً معه أحلي النسمات، ويحن إلي سماع صوت المسحراتي بطبلته الكبيرة وهو ينادي الأطفال الصغار كلاً باسمه حتي يتأكد أنهم استيقظوا من نومهم، ولا ينسي أن ابن السبيل أو الغريب كان دوما ضيفا علي أول منزل يمر عليه فقد كانت الناس تخرج بالطبلية وتأكل في الشارع علي مدخل المنزل ويصفه بأنه مناخ صحي يحمل في جوهره روح الكرم الأصيل بعيدًا عن فشخرة موائد الرحمن وما فيها من صخب اجتماعي. ولا يحب القعيد في رمضان المدينة صخبه الزائد وضوضاءه وإن كان يستمتع بالنصف ساعة التالية لأذان المغرب والتي تخلو فيها الشوارع من البشر فهو كاره للزحام ويعتبره عدواناً علي وحدته رغم استغلال اللصوص لهذه اللحظات لسرقة السيارات. ويتحدث عن رمضان عام 1973 بحنين شديد فله مذاق خاص في نفسه فمازال يتذكر يوم السبت العاشر من رمضان وبالتحديد الساعة الثانية وخمس دقائق فهو يعتبره شهراً عبقرياً اجتمع فيه أكتوبر مع رمضان وهو أمر لم يتكرر بعد ذلك كثيرًا فهو النصر الذي انتظره طويلاً. كان القعيد يخدم في مستشفي عسكري بالقاهرة وقد لمس في تلك الفترة روح التآخي الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين فيحترم كل منهما مشاعر الآخر فكان المسيحيون يرددون دعاء الإفطار مع المسلمين ويفطرون ويتسحرون معهم. ولا ينسي العقيد إفطاره مع نجيب محفوظ كل عام بإحدي المراكب النيلية وأيضًا أيامه مع الغيطاني علي مقاهي الحسين، إلا أنه أصبح يرفض أي دعوات علي الإفطار خارج منزله لظروف زوجته الصحية فهو يحرص علي البقاء معها.