كما أن البرامج أنواع.. فإن المشاهدين أنواع.. وأمزجة.. وفرق نوع يبحث عن حواديت المسلسلات وقصص الدراما ومصائر الأبطال، ونوع يبحث عن الهوامش والقصص خارج الدراما نفسها، أي قصص نجوم هذه المسلسلات والأفلام.. ويراها أكثر إثارة وجاذبية من الأعمال نفسها، والجمهوران يتعايشان منذ زمن، ولكنهما يتصادمان في رمضان.. والسبب أن الشاشة الصغيرة تصبح في خدمتهما تقريبًا، وحيث تمثلها المسلسلات في جانب، والبرامج التي تستضيف النجوم في جانب ثانِ.. والآن أصبح هناك جانب ثالث يخص البرامج التي يقدمها النجوم أنفسهم.. وكأنه "عهد" عليهم وعليهن ألا يفارقوا الشاشة أبدًا، وأن يكونوا حاضرين في البيوت دائمًا، فمن خرج من المسلسلات دخل في البرامج، أو قدم لنا برنامجاً.. وكان هذا الدخول مقصورًا في البداية علي نجوم التمثيل، لكنه وصل الآن إلي نجوم الإخراج ولم يمتد (أو يعود إلي مساره الطبيعي) بدخول نجوم التأليف والكتابة فيه. وإذا شك أحدو من القراء في كلامي فمعني هذا أنه مشاهد من النوع الأول، المسلسلاتي، وأنه لم يكتشف البرامج التي تقدمها الآن في رمضان المخرجة (إيناس الدغيدي)، والمخرجة (ساندرا نشأت)، والمغنية (ديانا كرازون) والممثلتان (غادة عادل) و(هنا شيحة) والمغنية (شيماء سعيد) وهؤلاء هن من أحصيتهن في الوقت الضائع، ولكن العدد أكبر بالتأكيد إذا تذكرنا نجوم التقديم من قبل رمضان مثل أشرف عبدالباقي وحسين الإمام.. والمعني من هذا أنهم أي هؤلاء النجوم لابد أن لهم جمهورًا يدفع منتجي البرامج لتمويل برامجهم وإلا ما فعلوها، حتي بدون إحصاءات مشاهدة أو دياولو، فإن المنتج يراهن علي هذا القطاع من الناس الذي يحب رؤية النجم لمجرد الرؤية، وسماع أسراره، إن أمكن، أو البحث بين السطور عن أسرار لا يريد البوح بها، ومع ذلك، فإن "ناس" البرامج ليسوا الأغلبية، فمازلت أنا وغيري نمثل أغلبية المشاهدين الذين يبحثون عن المعني والرسالة والقيمة من الصراع الدرامي. والذين تؤثر فيهم إبداعات المؤلف والمخرج والمصور والممثلين، والذين تسعدهم فكرة يبدو أصحابها أكثر اهتمامًا بالتواصل مع الناس من خلالها، أو معالجة تقدم للمشاهد جرعة من السعادة والأمل تساعده في مقاومة ضغوط الحياة المفرطة.. ومنذ بداية رمضان أتنقل من مسلسل لآخر، أتذوق الجديد فكرًا أو معالجة وأتجاوز التقليدي أو الذي يبوح بمستوي لا يليق منذ البداية (بل لعلني أشكر أصحابه لأنهم أتاحوا لي فرصة التخلص منه)، لكن فروق طول الحلقات، والتوقيتات تدفعني لمساحات خالية تشغلها البرامج، حلقات هنا وهناك علي امتداد القنوات المصرية العامرة، رأيت لميس الحديدي في حلقات مع (السبكي) المنتج وغادة عبدالرازق، كانت مزاجية تستسلم لمشاعرها بحالة الضيف وتتخلي عن أهم ما قدمته في برنامجها (اتكلم) وهو الإعداد الجيد. وفي حلقات مع إيناس الدغيدي عنوانها (الجريئة) كانت تستخدم نفوذها المعنوي كمخرجة علي النجوم، ولكن بدون انفعال من أي نوع، فهي "محايدة" إلي حد مفزع!، أما شيماء سعيد في (ليالي الشرق) فتبدو مثل الفاتنة، التي طلبوا منها ترويض "الوحش" وهو هنا التراث الغنائي والموسيقي المصري العظيم الذي كانت تقدمه لنا الدكتورة رتيبة الحفني، ويحتاج إلي أستاذ ومعلم ماهر وليس فنانة جميلة في بداية الطريق.. حتي لو غنت.. أما "غادة عادل" نجمة "المصراوية" في العام الماضي فقد تركت مجد الدراما وراء وهم التقديم في برنامج عنوانه (أنا واللي بحبه) لا تعرف بالضبط، ما هو الهدف منه.. لكن فيه ديكوراً جيداً وبخفه عملاقة ومطبخاً يشبه مطبخ (القصر) برنامج شافكي المنيري المستمر منذ سنوات والذي يتحفنا برؤية ذلك البيت الأثري الذي تسجل فيه حلقاته، ولكن بدون أي استفادة من المكان أو أية إضافة لنا عنه وعن بيوت مصر الأثرية وقلاعها وتاريخها، فالقصر هنا كلمة أقل بكثير من المكان، والمكان أروع بكثير من القصر، والضيوف، أغلبهم، لا يصلون لقامته، سواء تاريخهم أو نوعياتهم.. نحن أمام أزمة حقيقية في مسألة "الإعداد" وانضباط الاسم علي الشكل والمضمون، ونوعية الضيوف. والمحزن أن لدينا كل شيء قادر علي انتاج برامج رائعة، ثقافة عريقة وفن رفيع ورجال ونساء قادرون علي تقديم برامج حقيقية، وأماكن ليس لها نظير، ومع ذلك.. يتواري كل هذا لتجد نفسك غالبًا أمام نفس الوجوه والأسماء في كل البرامج، مع إضافات قليلة مثل بعض الشخصيات التي قدمها برنامج (الكمين) وكانت خارج قائمة ضيوف ماسبيرو وهذه حكاية أخري، أما أغرب "حالة" برنامج هذا العام فهو برنامج اطلقوا عليه اسم (مذيعة من جهة أمنية) بالله عليكم ماذا يعني هذا الاسم هل هي مذيعة شرطة أم جيش أم مخابرات، وأي رسالة نتلقاها من هذا الاسم حين نسمعه.. أما حين نري الست المذيعة بملابسها والبرومو الذي يقدمها لنا في أجواء غريبة، فإنني شخصيا أعتقد أنها بهذا الشكل والملابس مذيعة من الFBI أو المباحث الفيدرالية الأمريكية.. ودمتم.