كما جاءت خطبتة بجامعة القاهرة يوم 4 يونية صادمة ومربكة لكثير من الثوابت في سياسة امريكا الخارجية ، جاءت تهنئة الرئيس الامريكي للشعوب المسلمة بمناسبة حلول شهر رمضان غير تقليدية .. في المرتين ركز فخامته علي المبادئ المشتركة وعلي قيم التسامح والحفاظ علي كرامة الانسان والعدالة والتقدم والمسئولية تجاه الآخر .. وضح في المرتين إصرار أوباما علي الأخذ بنهج جديد في سياسته الخارجية تجاه نظم الحكم والشعوب المسلمة يقوم علي التواصل بهدف " بناء المصالح المشتركة والاحترام المتبادل ضمن العمل معا لإحداث تغييرات في جانب القضايا السياسية والامنية ذات التأثير الجوهري " .. لا غبار علي النيات التي ينتويها الرئيس ولا علي رحلات مبعوثيه التي استمعت إلي أفكار وآراء الكثير قادة الرأي في عدد من العواصم العربية والاسلامية ولا علي تأكيده علي حق الشعوب في التعلم وفي التعبير وممارسة شعائر دياناتهم وحقهم في المساهمة بشكل كلي في نهضة مجتمعهم ، المخاوف كلها تدور حول الافعال .. مخاوف من أن يأتي الفعل علي غير ما تتوقع الشعوب الاسلامية التي تلقت الخطابين بصدر مفعم بالآمال ، إما علي مستوي الكم أو الكيف أو كليهما .. مخاوف من أن تنتصر ارادة قوي الضغط وتيارات المصالح المؤثرة داخل الساحة الأمريكية ، فيكتفي البيت الابيض بغثاء السيل ويدوس في طريقه علي جوهر الخلاف والاختلاف بين واشنطن وغالبية الشعوب التي تدين بالاسلام .. الخلاف يا فخامة الرئيس ينحصر في موازين واشنطن المختلة وفي رؤيتها لما تصفه من قضايا مشتركة ، وفي رؤيتها شديدة الازدواج للملفات العالقة في المنطقة .. - اسرائيل دولة محتلة لأراض عربية في فلسطين وفي سوريا وفي لبنان ، والإدارات الامريكية لا تري ذلك .. وبينما رؤية الشعوب الاسلامية تنطلق من قواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية التي تحرص واشنطن علي الاحتكام إليها في قضايا أخري ، يبني البيت الأبيض موقفه علي مغالطات نتيجة الاستجابة لأفكار ورؤي قوي الضغط ذات النفوذ المتفاقم داخل المجتمع الأمريكي .. - الغزو المتحالف بقيادة الولاياتالمتحدة لكل من افغانستان والعراق بني علي قناعات ثبت مع الايام كذبها وتضليلها ، الأكثر من ذلك أنه بعد مرور أكثر من ست سنوات زادت رقعة الإرهاب وزادت عوامل التفكك في كلا المجتمعين .. وبينما تري الشعوب المسلمة أن شعبي هذين البلدين تعرضا لعملية ابتزاز تتعارض مع الشرعية الدولية وأن كرامتهما اهدرت بما يتعارض ومبادئ حقوق الانسان ، تصر واشنطن علي انها تؤسس لقيام نظم حكم ديمقراطية في كل من كابل وبغداد .. - تزكية اسرائيل كواحة للديمقراطية بينما تصب اللعنات علي رءوس الشعوب المسلمة التي ترضي بالديكتاتورية ، ينافي الواقع لأن ديمقراطية إسرائيل التي تتغنون بها لا تختلف كثيرا عن حكم الفرد الذي تحاربونه في كل مكان : أ- إسرائيل تسرق الأرض من أصحابها وتبني عليها مستعمرات وتستولي علي مصادر مياه غيرها لتوفير حاجات سكانها ، وتترك ثلاثة شعوب تحت رحمة ما تمرره لهم من بقايا شبع أبنائها .. ب - إسرائيل تضرب بالرأي العام داخلها عرض الحائط تماماً كما تفعل نظم الحكم الديكتاتورية .. فقد عمل نتانياهو منذ شكل وزارته علي رفض الرأي الآخر وعلي ازدراء المخالفين له وعلي إهدار فرص السلام التي تمثل مصلحة جوهرية للبلد الذي يدير شئونه .. ج - حقوق الإنسان حتي علي متسوي المواطن الإسرائيلي تتعرض للكثير من الإساءة والهتك ، ناهيك عما يجري كل يوم للشعب الفلسطيني داخل اراضيه التي تحتلها إسرائيل من حصار وتفتيش وطرد وتشريد .. وفي حين يأتي رد فعلكم علي مثل هذه الانتهاكات لينا مُغضاً للبصر والبصيرة ، يكون موقفكم من حقوق الإنسان عربياً وإسلامياً عنيفاً ومهدداً ومتوعداً .. د - الفساد والإفساد آفة تعاني منها الشعوب الإسلامية والعربية وهي أيضا آفة متفشية داخل اسرائيل ، لكن شتان بين رؤيتكم لمظاهر تلك الآفة هنا وهناك .. فخامة الرئيس ، نحن أكثر شعوب العالم معرفة لموقع الكلمة وتأثيرها !! بل هناك من يصفنا بأننا افضل من يستخدمها في " اللا شيء " ، لذلك ننتظر منك خطوة فاعلة إيجابية تجاه مجموعة من الملفات والقضايا العالقة .. خطوة = فعل مؤثر تشعر بها الشعوب المسلمة التي استمعت إليك مرتين حتي الآن ، تؤكد فكرة المسئولية تجاه الآخرين .. فليس هناك ما يبرهن علي شعور ادارتكم بالمسئولية ورغبتها في تحقيق الرفاهية للجميع حول العالم ، وعزمكم علي بناء عالم يتمتع بالسلام والأمن .. أكثر من إحساس الشعوب العربية والإسلامية العملي والواقعي والملموس بأنكم تزنون بميزان واحد هو ميزان العدل لأنه المعيار الوحيد الذي يوفر الأرضية المشتركة لكل القضايا والملفات التي تُشكل فسيفساء المصالح والآمال التي ترددت صيغها كثيراً في خطابيكم .. أعرف كما يعرف غيري مدي قوة الضغوط التي تتعرض لها إدارتكم ومدي عنف وشراسة المعركة التي تعيشون أجواءها ، ولكني أعرف أيضا كما تعرف أنت أن رؤساء الولاياتالمتحدة الأفذاذ الذين تركوا بصمة ليس فقط في تاريخ بلدهم ولكن في تاريخ البشرية .. تعرضوا لضغوط هائلة ولكنهم صمموا علي السير قدماً في طريق التغيير الذي اختاروه طواعية وعن إيمان بالأفعال الأكثر تأثيراً والأغلي ميراثاً من الكلمات ..