في أبنود لم يكن هناك ميكروفونات تعلي صوت المؤذن إيذانا بموعد الإفطار بينما كان مؤذن القرية بلا صوت فصوته رقيق خافت لدرجة انه لايسمع في وقت لم ينتشر فيه الراديو ولم يعرف بر مصر ما هو التليفزيون فكان يقف برفقة أقرانه من أبناء القرية في بقعة حول المسجد يخترعون ألعابا وطرقاً للتسلية طوال النهار ويحيطون بالمسجد من قبل مغيب الشمس حتي يرفع المؤذن يده إلي فمه ليشرع في الآذان ليعرفوا أنه آن أوان الإفطار فينطلقوا ليطوفوا في شوارع القرية لإعلان الخبر علي الأهالي كذلك بدأ عبد الرحمن الأبنودي حديثه عن رمضان في قريته.. فيقول كنا وسيلة الإعلام الوحيدة المسموعة في القرية فكانت تمتد يد أهلها نحو الطعام فور سماعهم لنا نشدو بأغنية قصيرة تقول"افطر ياصايم ، ع الكحك العايم " أي العائم في السمن ،وفي الحقيقة لم يكن هناك كحك ولا سمن فقط رائحة الملوخية التي تنتشر في القرية والويكة المقدوحة بزيت القرطم أو زيت بذرة القطن مع قدحة الثوم كما أن رمضان في قنا له ذكري خاصة في حياة الأبنودي حيث كان يأتي في أيام اشد حراً من أيامنا تلك فالرجال يفطرون في محلاتهم وخارج بيوتهم ويرشون الماء علي الأرض الملتهبة مرات ومرات والأرض لاتبرد، ولم تكن هناك ثلاجات آنذاك فقط رجل وحيد يبيع الثلج في المدينة التي تخوض يومياً أقسي معركة للحصول علي جزء من لوح الثلج فنقوم بوضعه علي قشر القمح في جوال ونجري نحو بيوتنا ونصل بعد ان يكون اللوح قد وصل إلي ربعه من هول الحرارة. مائدة عبد الرحمن الأبنودي في القاهرة تختلف عن الصعيد بعض الشيء وهذا مايؤرق الأبنودي فهو لم يعتد وزوجته نهال كمال وابنتاه آية ونور تناول الطعام بمفردهم لذا فمائدة إفطار الأبنودي في رمضان لاتخلو من الأصدقاء فيقوم بتصنيفهم ودعوتهم تبعا لصداقاتهم وأمزجتهم بحيث لايكون بينهم شخص ليس منهم وعن خبرته في المطبخ يقول الأبنودي أنا متخصص في طهي البط والحمام منذ كنت أجلس علي جانب أمي فاطمة قنديل وهي تطهو وعرفت أنه لا يوجد في الطبخ مايسمي بالنفس فهو يأتي مع الممارسة والخبرة بالطهي .. وبالتالي فأنا حين ادعو أصدقائي لا أصنع طعاما ليعود لي مرة أخري لذلك قصاري جهدي ليكون الطعام شهيا لذلك فإن أصدقائي ينتظرون هذا الموسم "الطعامي" سنوياً ليلتهموا البط والحمام .. ويحمد الأبنودي الله أن أنفلونزا الطيور منتشرة هذه الأيام فضلا عن كونه في معزل عن الاصدقاء في تلك القرية بالإسماعيلية فلم يعد بلياقته الصحية التي تسمح له بإعداد الطعام أو دعوتهم علي افطار فلأول مرة يقضي رمضان بعيداً عن البيت والأهل في الصعيد ولن يجرؤ احد منهم علي مطالبته بالإفطار لأنه لم يعد هناك بط أو حمام وبالتالي وفرت الصحة العامة لي بعض الجنيهات التي كنت أنفقها علي إفطارهم.