بالكاد أكمل انقلاب النيجر شهره الأول، حتى حملت أحشاء القارة الإفريقية انقلابا آخر، رفع منسوب مخاطر آفة اُبتليت بها تلك المنطقة. وفى صباح الثلاثين من أغسطس، كانت الغابون على موعد مع انقلاب عسكرى أطاح ب55 عامًا من حكم عائلة بونغو، حيث كان الرئيس على بونغو على أعتاب ولايته الثالثة، قبل إلغاء نتائج الانتخابات. انقلابان دفعا المؤسسات الإقليمية فى القارة إلى فرض عقوبات على كلا البلدين، فى محاولة لدفعهما إلى العودة للديمقراطية، دون أى اختراق فى جدار الأزمة حتى اليوم. ووعد قائد الانقلاب العسكرى فى الجابون، الجنرال نغيما، الذى سيحلف اليمين غدا الاثنين كرئيس للبلاد ، ب«دستور (جديد) يلبّى تطلّعات الشعب الغابونى وب»قانون انتخابى جديد». ماذا حدث؟ بعد أربعة أيام من إجراء الدولة الواقعة فى وسط إفريقيا انتخابات رئاسية متنازع عليها والتى قيل إن الرئيس الحالى على بونغو فاز بها بحصوله على 64%، ظهر ضباط الجيش على شاشة التليفزيون الرسمى ليعلنوا أنهم ألغوا انتخابات 26 أغسطس وحلوا مؤسسات البلاد. واعلنت مجموعة تضم نحو 12 من عناصر الجيش والشرطة يوم الأربعاء 30 أغسطس فى بيان تُلى عبر محطة «غابون 24» التليفزيونية من مقر الرئاسة، «إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحل كل مؤسسات الجمهورية وإنهاء النظام القائم». ولاحقا أعلن قادة الانقلاب اختيار قائد الحرس الجمهورى الجنرال بريس أوليجى نجيما قائدا للمرحلة الانتقالية. لماذا مسلسل الانقلابات فى الغرب الإفريقى «عرض مستمر» فى عام 2021، وقعت ست محاولات انقلابية فى إفريقيا، نجحت أربع منها فى كل من مالى والسودان وغينيا كوناكرى وبوركينا فاسو. وظل العدد الإجمالى لمحاولات الانقلاب فى إفريقيا ثابتا بشكل ملحوظ بين عامى 1960 و2000، بمعدل حوالى أربع محاولات سنويا. ويرى مراقبون أن القاسم المشترك فى هذه الانقلابات، هو ضعف اقتصادات القارة السمراء، والبيئة الأمنية المضطربة، إضافة إلى لجوء الحكام المدنيين إلى تمديد فترات حكمهم. بينما يرى آخرون أن ما يحدث من انقلابات هو بسبب أن إفريقيا الفرانكفونية تحاول الخروج من عباءة نفوذ المستعمر الفرنسى السابق. ولهذا السبب بدأت فرنسا، وأوروبا بشكل عام، فى إظهار مرونة تجاه سياستها مع الدول الإفريقية، وأيضًا عندما ضاعفت الصين حجم تبادلها التجارى مع الدول الإفريقية. كما يأتى التغير الأوروبى بسبب الخوف من تزايد النفوذ الروسى بعد تغلغل مجموعة فاجنر الروسية فى بعض دول القارة السمراء. ويرى محللون أن عودة الانقلابات تطرح معضلة فشل القارة السمراء فى وقف الظاهرة، التى وصل عدد محاولاتها الفاشلة والناجحة، إلى حوالى 205، منذ بدء استقلال البلدان الإفريقية عن الاستعمار الأوروبى نهاية خمسينيات القرن الماضي. ماذا نعرف عن الجابون تعتبر الجابون واحدة من أكثر الدول فى إفريقيا ازدهارا، وتحتل مرتبة عالية فى مؤشر التنمية البشرية فى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. استقلت الجابون عن فرنسا فى عام 1960، وبعدما حكمها ثلاثة رؤساء فقط، بدأت بليون مبا فى عام 1961، والذى اتهم بتطبيق نظام حكم ديكتاتورى والترويج للمصالح الفرنسية. وبعد وفاته مبا فى عام 1967 تولى منصب الرئاسة عمر بونغو حتى وفاته فى عام 2009، ثم خلفه ابنه على بونغو، الذى يشغل منصب الرئيس حتى الآن. وتعتبر اللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية للجابون، ومعها العديد من اللغات المحلية، ويتكلم 80 % من السكان الفرنسية إلى جانب لغاتهم المحلية، وتعد صاحبة أعلى معدل دخل للفرد فى إفريقيا بفضل ثرواتها، وتتعامل بالفرنك الإفريقى. وتعتبر الجابون ضمن أكبر 5 منتجين للنفط الخام فى جنوب الصحراء الإفريقية، تبعاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وذلك منذ اكتشاف العديد من رواسب النفط فى المناطق المجاورة للعاصمة ليبرفيل عام 1993. ويرجع الازدهار فى الجابون إلى عدة عوامل، بما فى ذلك كثافة السكان الصغيرة، والتى تقدر بحوالى مليونى نسمة فقط، بالإضافة إلى توافر الموارد الطبيعية الغنية. ويعتبر النفط مصدرا رئيسيا للإيرادات الاقتصادية فى الجابون، وقد أطلق على الدولة لقب «عملاق النفط» الإفريقى، وعلاوة على النفط، تحتوى أيضًا على موارد طبيعية أخرى غنية مثل الغابات والمعادن والأسماك، وتلعب هذه الموارد دورًا مهمًا فى تعزيز الاقتصاد وتنميته. فى عام 2016، عادت الجابون رسميا إلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بعد أن غادرتها فى الفترة من 1975 إلى 1995، تم ترك العضوية فى تلك الفترة بسبب الرسوم السنوية المرتفعة التى كانت مطلوبة من البلد. كما تمتلك الجابون احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعى، حيث زاد إنتاجها بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، وبلغ 454 مليون متر مكعب بنهاية عام 2021، مقارنة ب 80 مليون متر مكعب فقط فى عام 2010، ووفقًا لتقرير سنوى صادر عن أوبك.