اهتم الداعية العراقى أحمد خيرى العمرى بأمور الشباب عموما، وبالذات شباب الجيل الثانى من مسلمى أمريكا، وهى المسألة التى تظهر بقوة فى جميع كتاباته، فروايته الأشهر «شفرة بلال» الصادرة عن دار نشر عصير الكتب، تدور أحداثها بالكامل بين مسلمى أمريكا، ممن ابتعدوا عن أصل الدين وانقطع عنهم الإسلام، من وجهة نظره بالطبع! وتظهر مقالاته المنشورة على موقعه الرسمى، قيامة القرآن، والذى أغلقه عقب سقوط حكم الإخوان فى مصر، ذلك الاهتمام، مثالا: مقال»عن غض البصر»، بتاريخ 27 أغسطس 2009، نقلا عن القدس العربى، وحديثه إلى شباب الجيل الثانى من مسلمى أمريكا حول مشاكلهم فى التعامل مع التحرر المفرط الذى يعيشه أقرانهم من الأمريكان! مقالات العمرى تدور فى فلك مصر بالكامل، أو كادت، كأنه ليس عراقيا، ولم يقض فترات من حياته فى سورياوأمريكا والإمارات، رغم أنه لم يعش فى مصر، وزياراته إليها قليلة، إلا أنه كان مغرما بكل تفاصيلها، معارضا شرسا للأنظمة المصرية الحاكمة، يراها ديكتاتورية متسلطة، عميلة للغرب، يكتب عنها بحقد واضح وجلى، يكتب كأشد أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية رفضا للدولة المصرية! يقول فى مقال بعنوان «الحديث ضعيف والأمة ضعيفة»، المنشور على موقع الجزيرة نت بتاريخ 25 أغسطس 2009، «كما تكونوا يولى عليكم»، لافتا إلى أنه حديث ضعيف صار جزءا من العقلية التى تربينا عليها:»عقلية عدم محاسبة الحاكم أو ولى الأمر»، يضيف العمري:»الخوف من البطش قد يفسر السكوت عن الحق لكن لا يبرر المبالغة فى إظهار الطاعة». يستكمل العمري:»لا أدعو هنا إلى الثورة معناها خلط عندنا للأسف بمفهوم الانقلاب، بل أدعو أيضا إلى ثورة ضد مفاهيم كهذه، لأنها المادة الخام لكل مظاهر الاستبداد». يستدرك العمرى: «مشروع النهضة الحقيقية التى نحتاجها لا يمكن إلا أن يتأصل عبر نصوص صحيحة ثابتة، وهو المشروع الذى عليه ألا يتهاون فى اجتثاث كل ما هو دون ذلك مهما كان محصنا بالأعراف السائدة.. أى تهاون فى ذلك يشبه البذور فى حقل لم تعزق أعشابها الضارة جيدا، سينتهى الأمر بالأعشاب وهى تزاحم البذور الجديدة فى غذائها وهوائها.. ومن ثم تنتهى بقتلها». لا ريب أن أحمد خيرى العمرى سارع إلى إغلاق موقعه قيامة القرآن، مخفيا جميع تلك المقالات، فى محاولة لتضليل الجميع، فهو الداعية الودود، المسالم، الذى ينتقد تنظيم الإخوان الإرهابى فترة حكم مصر، ويكتب على صفحته رافضا طريقة إدارتهم للبلاد، الكامن المستتر خلف كتابة الروايات، والتى أصبحت للأسف الأكثر قراءة بين الشباب فى مصر خلال السنوات الأخيرة، مع الدعم غير المتناهى من دار نشر «عصير الكتب» لتلك الكتب، بعد حصولها على حقوق نشرها تباعا من دور نشر الإخوان المتحفظ عليها بتهمة تمويل الإرهاب بعد ثورة 30 يونيو 2013، حتى يتم تقديم الرجل بشكل مختلف، لا يؤثر على سير الدعوة الإخوانية فى مراحل الضعف، وهى آلية عمل وضعها المؤسس حسن البنا، الإرهابى الأول، عندما قسم فترات عمل تنظيم الإخوان، أو مراحل الوصول إلى حكم العالم إلى ثلاث مراحل: الأولى التعريف، والثانية التمكين، والثالثة التنفيذ أو الانتصار، وفى مرحلة التعريف بالتحديد الكمون هو السبيل الأمثل للعمل، وقد شرح العمرى نفسه تلك المرحلة فى كتابه البوصلة القرآنية، فى فصل تحت عنوان «من البذرة إلى التمكين»، يمكنكم الرجوع عليه للاستزادة من أفكاره المسمومة، التى ظل لسنوات يزرعها فى عقول الشباب المصرى تحت دعوى نشر القراءة، وتنمية الثقافة! كتب العمرى أيضا العديد من المقالات تحت عنوان مقالات فى التجديد، جاء المقال الثانى منها بعنوان،» سبب النزول ليس المقصد «لا إكراه فى الدين» نموذجا». فى المقال يرى العمرى أن هناك آيات قرآنية تعرضت لإطلاق غير منضبط وتعميم غير مشروط بمعزل عن فهم سبب النزول، «وهو الأمر الذى يجعلها أحيانا فى حالة من التصادم المباشر مع نصوص أخرى، ويجعلها أحيانا فى حالة من الهيمنة والمركزية على كل ما سواها من النصوص الأخرى». من ذلك حديث «لا إكراه فى الدين»، يضع العمرى قاعدة «لا إكراه فى الدين»، إلى جوار فرضية الجهاد فى الإسلام وقوله تعالى فى آية سابقة: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله». موضحا: «البعض يتظاهر أنه يدفع عن الإسلام هذه التهمة وهو يحاول فى خبث أن يخمد فى حس المسلم روح الجهاد، ويوحى إلى المسلمين بطريق ملتوية ناعمة ماكرة ألا ضرورة اليوم أو غدا للاستعانة بهذا الأداة». اللافت للانتباه أن العمرى عندما كتب «البوصلة القرآنية»، أشهر كتبه، أورد فيه مئات الآيات القرآنية، وكتب تفسيرا لها، غير أنه وللعجب لم يذكر ولو مصدر واحد حصل منه على تفسير تلك الآيات، فالرجل قدم التفسير دون توثيق أو تأصيل لما كتب، بل الأدهى من ذلك أنه فى كتابه البوصلة اعتبر جميع التفاسير التراثية بلا استثناء اعتمدت التفسير اللفظى الحرفى لآيات القرآن، وهو يرفض ذلك، وهى مسألة قد تعجب التنويريين والعلمانيين عموما، المطالبين بفتح الآفاق فى تناول القرآن، غير أن فرحتهم تلك ستتلاشى سريعا بالنظر فى تفسير سيد قطب للقرآن، فى كتابه الأشهر الصادر عن دار الشروق،»فى ظلال القرآن»، سنجد أن العمرى استند فى جميع الآيات التى فسرها إلى تفسير سيد قطب دون الإشارة إلى المصدر، فالرجل يعلم حق العلم أن قطب تكفيرى استندت إلى أفكاره جميع التيارات الإرهابية فى العالم، بالتالى لن يضع سيد قطب فى المصادر، لكنه بخبث شديد وضع فى مصادر كتابه اسما مصنفا للمفكر العلمانى سيد القمنى، المكروه بشدة من تيار الإسلام السياسى، لكن عندما نذهب إلى متن الكتاب للبحث فى الفقرة التى استند إليها من كتاب القمنى سنجد أنه مجرد تعريف لفظ معين لا يؤثر فى المتن ولا يضيف أو ينقص منه شيء، فقط وضع الكتاب فى المصادر حتى يقال إن ضمن المصادر سيد القمنى، بالتالى فالعمرى فى عين أتباعه تنويرى، لكن هذا التنويرى نقل نصا تفسير آية لا إكراه فى الدين من كتاب «فى ظلال القرآن» دون ذكر المصدر، وفى الظلال جاء: «لا إكراه فى الدين» نعم ولكن: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم».. يضيف سيد قطب:»وهذا هو قوام الدين والأمر فى نظر الإسلام.. هكذا ينبغى أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم، وحقيقه تاريخهم، فلا يقفون بدينهم موقف المتهم الذى يحاول الدفاع، إنما يقفون به دائما موقف المطمئن، الواثق المستعلى..». هذا ما قاله سيد قطب فى تفسيره، أما أحمد خيرى العمرى فقد قال فى تفسيره: «البناء النظرى للأمر يجد رواجا هذه الأيام، وهو الرواج الذى يمكن فهمه بكونه رد فعل طبيعى لحركات العنف المجانى التى استخدمت نصوصا أخرى لتبرير عنفها، خاصة فى ظل عقيدة النقص التى تدفع البعض إلى أن يكونوا فى موقف دفاعى عن الإسلام حتى لو كان الثمن التضحية بالثوابت. وهى عقيدة النقص ذاتها التى تجعلهم مصرين على تقديم «شهادة حسن سيرة وسلوك» للإسلام موجهة إلى من يهمه الأمر من الحكومات المحلية والدولية على حد سواء) وإلى الذات المستلبة أيضا..! حتى لو كانت هذه الشهادة مزورة وحتى لو كان بناؤها النظرى يعانى من تناقضات لا حل لها». يتبع!