المشاط: تنفيذ 18 تجمعا تنمويا متكاملا لخدمة أهالينا في سيناء وتعظيم ثرواتها    وزير الطيران يعقد لقاءات ثنائية لتعزيز التعاون الدولي على هامش مؤتمر ICAN 2025 بالدومينيكان    كندا: سنواصل الدعوة إلى تدفق المساعدات الإنسانية لغزة دون عوائق    مقتل مهندس الإسكندرية.. النيابة تقرر السماع لشهود العيان تقرير تفريغ كاميرات المراقبة في موقع الحادث    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    اليوم.. ضايل عِنا عرض يفتتح عروض الجالا بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    المؤتمر: المشاركة الواسعة في المرحلة الأولى تؤكد وعي المصريين وإيمانهم بالديمقراطية    المشدد 10 سنوات لبائع خضار قتل مُسنة بسبب خلاف على لهو الأطفال بقنا    عون: نرحب بأي مشاركة أوروبية في حفظ الاستقرار بعد انسحاب "اليونيفيل"    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    «الجمعة ويوم عرفة».. خالد الجندي: «العباد المجتهدين» يباهي الله تعالى بهم ملائكته (تفاصيل)    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    الدكتور خالد عبدالغفار يبحث مع وزير الصحة العراقي سبل تعزيز العمل بمجالات التعاون المشترك    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    «مش بتحب الخنقة والكبت».. 3 أبراج الأكثر احتمالًا للانفصال المبكر    قضية زيزو.. تطورات مدافع الزمالك.. بيراميدز أفضل نادٍ.. وصلاح يوزع قميصه| نشرة الرياضة ½ اليوم    الزمالك: لا صحة لمعاقبة النادى أو تغريمه 40 مليون جنيه فى قضية زيزو    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بأوامر الرقابة المالية.. حسام هنداوي ملزم بترك رئاسة شركة الأولى بسبب أحكام قضائية    جلسة حوارية حول النموذج التحويلي للرعاية الصحية الأولية في مصر    إعلان موعد خروج الفنان محمد صبحي من المستشفى    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    رئيس مجلس الشيوخ: صدور قانون الإجراءات الجنائية خطوة تشريعية تاريخية    حماس: إحراق المستوطنين مسجدا بالضفة يكشف مستوى سادية وعنصرية الاحتلال    إخماد حريق شب في عقار بالفيوم    يسري نصرالله معلقا على تكريم محمد عبدالعزيز في مهرجان القاهرة السينمائي: الناس وقفت له لأنه أستاذ حقيقي    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: أكثر من 700 مادة إعلامية نُشرت حول افتتاح المتحف المصري الكبير في 215 وسيلة إعلامية دولية كبرى    الصحة: مصر حققت تقدما ملحوظا في تقوية نظم الترصد للأوبئة    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    «الكوسة ب10».. أسعار الخضار اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 في أسواق المنيا    محافظ الغربية: كل شكوى تصلنا نتعامل معها فورا.. ومتفاعلون مع مطالب المواطنين    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    ليفاندوفسكي على رادار ميلان وفنربخشة بعد رحلته مع برشلونة    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    في قلب الشارع.. قتل مهندس كيمياء نووية مصري ب13 رصاصة في الإسكندرية    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    لقاء الشرع بترامب في البيت الأبيض الأول منذ 80 عاما.. وباراك يكشف تفاصيل الاجتماع    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    متحدث الأوقاف: مبادرة «صحح مفاهيمك» دعوة لإحياء المودة والرحمة    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    «مبروك لحبيبتي الغالية».. فيفي عبده تهنئ مي عز الدين بزواجها    ندب قضاة ومنفعة عامة.. قرارات جديدة لرئيس الوزراء    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    ضبط 5 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار داخل عقار بالمطرية    إيطاليا تواجه مولدوفا في اختبار سهل بتصفيات كأس العالم 2026    المصرية للاتصالات: تحسن التدفقات النقدية الحرة يعكس قوة الأداء المالى    الاتحاد الأوروبي يُشيد بالانتخابات البرلمانية العراقية    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطب الإيهامى بين التراث وعلم الإنسان والتاريخ
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 23 - 08 - 2021

فى سابقة أنثروبولجية ساطعة وفى إحدى رحلات العالم الكبير كلود ليفى شتراوس فى البرازيل حيث أصيب أحد السكان الأصليين من القبائل الهندية بطلق نارى فى كف يده الذى أصبح لزاما عليه أن يقوم الطبيب ببتره والطبيب على بعد ثلاثة أيام إبحارًا فى النهر ومن ثم بدأت الغرغرينا فى الانتشار فى الجرح لكن طبيب القبيلة الذى كان ملازما للفتى الهندى المصاب كان يمارس طقوسه البدائية والتى هى عبارة عن رقصات وأغان تحفيزية للمريض ثم استخدم العلق ووضعه فى الجرح.. وحدثت المعجزة.. قضت الديدان التى استخدمها كاهن القبيلة على الغرغرينا تماما ولم يحتج الطبيب إلى بتر يد الشاب الهندى المصاب.. وليست الديدان وحدها المسؤولة عن صناعة المعجزة بل أيضا الطقوس التى كان يمارسها ذلك الكاهن الإنديزى العجوز والذى اكتشف الطبيب الفرنسى بعد ذلك أن هذه الطقوس ربما عن طريق الإيحاء خلقت جوا سحريا للشاب المصاب وجعلت مناعته ترتفع بدرجة كبيرة حتى كادت مناعته أن تقضى على الفطريات والميكروبات التى هاجمت مكان الجرح.
إذا علينا أن نعترف أحيانا أن الطقس البدائى بغض النظر عن تسميته سحرا أو شعوذة أو أيا كانت التسمية علينا أن نعترف أن هذا الطقس أحيانا قد يدخل فى حيز الدفع النفسى نحو تحفيز العقل أو الوعى ومن ثم تحفيز قدرات الجسد ويدخل تحت هذا البند الكثير من العمليات التى قد تأخذنا بسهولة نحو فرع هام من الدراسات الأنثروبولجية والتاريخية فى نفس الوقت وهذا ما قد تتمخض عنه عدة حلقات درس فى الكوليج دى فرانس فى موسمها الشتوى القادم، حيث تطرح وتناقش عدة أبحاث جديدة فى ضوء وثائق تمت ترجمتها حديثا بعضها اكتشف فى أوائل القرن الماضى وبعضها اكتشف حديثا لكن على وجه التحديد سوف تكون الحلقات البحثية حول موضوع واحد وهى الطب الإيحائى والطقس الإيهامى فى العلاج فى الحضارات القديمة، وتشمل مصر واليونان والشرق الأدنى والإنديز وبعض أجزاء من آسيا على أساس أن معظم آسيا كان لها طبها الإكلينيكى الخاص والقائم على أسس تخلو كثيرا من الطقس الإيهامى والنفسى فى العلاج.
كان فى البداية دور الطقس الإيهامى كبيرا فى طب الشعوب القديمة كأن يقوم الكاهن أو طبيب القبيلة أو – الشامان – كما تحب أن تسمية الحضارات القديمة كان يقوم بطقس استعادى لاسترضاء قوى الطبيعة يدخله الرقص والغناء الترنيمى مثل أناشيد الذئب عند الهنود الحمر وبعض ترانيم التبت لكن الحقيقة أنه كلما بدأت الحضارات فى التقدم والتعقيد تضاءل الدور الطقسى الإيهامى فى العلاج والتطبيب على أنه لم يختف تماما بل وظل حاضرا فى أذهان الحضارات وخصوصا الشرقية وحتى يومنا هذا فيما نجده يتحول من فكرة الكهانة واستخدام الكاهن كوسيط إلى فكرة التبرك بالأولياء والقديسين التى عالجه الأدب مرارا مثلما نجده عند يحيى حقى فى روايته الشهيرة – قنديل أم هاشم – والتى يثبت فيها صراحة أن تخليص الشعوب التى عاشت جزءا كبيرا من تاريخها حول فكرة الكهنوت يصعب أن تتحول للتفكير العلمى المطلق والأيمان المطلق بقوة العلم والتكنولوجيا وخصوصا فى عملية العلاج وهذا ما نجده حتى الآن ويقول الطبيب الروسى الشهير ميندل دورمشكين أنه كان يضطر أن يضع على زجاجات الأدوية صور لبعض القديسين المسيحيين على زجاجات السلفا والبنسلين وغيرها من العقاقير حتى يستقطب سكان إحدى قرى البلقان البسطاء الذى كان يعالجهم فى أربعينيات القرن العشرين ويقول دورمشكين فى مذكراته صراحة (لقد كان من الغريب جدا أن أجد هذا الإقبال الكبير من المرضى بعد أن وضعت صورا لبعض القديسين المسيحيين على زجاجات العقاقير التى كنت أستخدمها لأن الفلاحين البسطاء كانوا يخافون من العقاقير والمشرط ويؤمنون بقوى القديسين الذى لم أكن أؤمن بهم لأننى يهودى بالطبع ) وما كان يفعله دورمشكين هو عينه ما فعله الطبيب الشاب بطل رواية قنديل أم هاشم بحيث قرن عقاقيره بزيت القنديل الذى كان يستخدمه البسطاء للتبرك والاستشفاء.
إذن علينا أن نعترف أن تخليص الشعوب وخصوصا الشرقية من التبرك والكهنوت بشكل كامل ضرب من ضروب المستحيل وهناك ظلال كثيرة تلازم حاضرنا أتت من عادات قديمة جدا فمثلا فى فترة ما لم يكن الاستشفاء العيادى فكرة سهلة على معظم الناس وحتى المتعلمين منهم وكان ذلك لأمرين أولهما الألم الذى كان يصاحب عملية العلاج لعدم وجود مسكنات أو عقاقير تقوم بتسبيط الألم أثناء العلاج وخصوصا تلك التى تحتاج لمبضع الجراح، وثانيهما الكلفة الكبيرة التى يحتاجها العلاج العيادى هذا أيضا إذا وضعنا فى الاعتبار عدم الثقة الذى يضمره البسطاء خصوصا للطبيب كعامل فعال فى العلاج ومن ثم كسدت أحايين كثيرة مهنة الطبيب لكن الأطباء الكهنة ابتدعوا فكرة شديدة الذكاء وربما كانت بالأساس تطورا لفكرة التطبيب الطقسى وهى قائمة على استغلال المريض للآلهة وفاعليتها فى الشفاء فكانت حضانة المعبد أو كما يطلق عليها فى بلاد اليونان قديما – الأسكليبيون – أى اللجوء إلى معبد أسكليبيوس إله الشفاء حيث يلجأ المريض للمعبد وينام فى مكان مخصص لذلك يطلق عليه – هيكاتومبيدون – والمصطلح هنا يوضح العلاقة القديمة بين السحر والاستشفاء لأنه مشتق من اسم الربة هيكاتيه ربة السحر والدرك السفلى عند الإغريق وبعد أن يقوم المريض بنذر للإله أسكليبيوس إله الطب أو ابنته الربة هيجيا ربة الصحة ينام المريض وبينما هو بين النوم واليقظه إذ يرى الإله أسكليبيوس ذاته عند فراشه ويقوم الإله أسكليبيوس بتطبيبه وبعد أن يستيقظ صباحا يكون قد تم شفاؤه بشكل جزئى أو شبه كامل وبالطبع يدرك القارئ أن أسكليبيوس لم يكن يزور المريض بل هم الكهنة الأطباء الذين يرتدون زى الإله أسكليبيوس حتى يسهل عليهم إقناع المريض بالامتثال لعملية التطبيب والذى يتولد لديه نتيجة لرؤيته الوهمية للإله ما يعرف بحالة النشوة القصوى والتى تتعدد مراحلها حتى تصل للتخدير الكامل للجسد فيسهل على الكهنه فى هذة الحالة استخدام عقاقير لها أعراض مؤلمة أو حتى إجراء جراحة تحت تأثير هذه الحالة التى يعيشها المريض نتيجة لفكرة تجلى الإله، وغنى عن الذكر أن العديد من الأقاليم الإغريقية سواء فى اليونان نفسها – هيلاس – أو اليونان المهجر فى آسيا الصغرى – ايونيا – تعج هذه الأقاليم بمخلفات نذرية موجودة فى أماكن او بالقرب من معابد أسكليبيوس وأبوللو عبارة عن نقوش شكر وعرفان محفورة على ألواح أو فى الغالب على منحوتات تمثل العضو المصاب الذى تم شفائه.
كانت حضانة المعبد تمارس فى مصر فى عصر الدولة الوسطى والحديثة فى معبد الإله أيمحوتب وهو طبيب مصرى تم تأليهه وكانوا الكهنة هم الأطباء الذين يمارسون التطبيب على المرضى وبشكل فيه الكثير من التخصص حتى أنهم كما هو مثبت فى نصوص كثيرة كانوا يعالجون أمراضا مستعصية مثل الحمى الرباعية.
يعتبر استغلال حالة النشوة القصوى فى التطبيب داخل المعابد أحد اهم عناصر الطب الإيهامى او وسائلة ولازالت هذه الحالة من الغياب الكلى او الجزئى للأحساس الجسدى نراها فى المناسبات الدينية عند بعض الطوائف الغنوصية فنراهم يسيرون على الجمر أو ينامون على المسامير أو غير ذلك من الطقوس وهى لا تختلف كثيرا عن طقوس كانت تقام للعديد من الألهة قديما وخصوصا الأم العظمى الربة كيبيلى والتى كان يصل المحتفلين فى أعيادها لدرجات كبيرة من الغياب الحسى حتى أنهم كانوا يقومون بأخصاء أنفسهم أحيانا.
وعلى الرغم أن التقنيات الطبية كانت موجودة فى حضانة المعبد إلا أن الطقس الطبى الإيهامى تطور فى العصور الوسطى للدجل والشعوذة واستغلال النفوذ والمكانة سواء الدينية او الأجتماعية لممارسة طقس الأيهام الطبى على المرضى دون أى مهارات طبية تستبع ذلك فبعد أن كان الطقس الإيهامى فى الطب وسيلة لها وظيفتها أصبح هو العملية الطبية بشكل كامل مما عرض الكثير من المرضى للموت المجانى وليس أصدق على ذلك من عملية أنتشرت فى العصور الوسطى وحتى منتصف عصر النهضة وهى اللمسة الملكية التى أبتدعها ملوك أنجلترا ومارسها العديد من الملوك فيما بعد، نشأ هذا الطقس الأيهامى فى القرن الثالث عشر أبان حكم أدوارد الأول ملك أنجلترا وظل الملك يمارس هذا الطقس الأيهامى دون أى مهارات طبية فيما عرف باللمسة الملكية وكان معظم المرضى يبرأون بقوة اللإيهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.