عبر أحد برامجنا التليفزيونية الحوارية عرض أحد الضيوف وهو مدير عام مستشفي جامعي, لبعض الممارسات غير المسئولة التي ألمت هذه الأيام بساحة المرض ووصف الدواء بمصر, وذلك حين استغل بعض أدعياء الطب ما درجت عليه شركات الأدوية من إرفاق نشره مكتوبة بعلب الدواء باللغتين الإنجليزية والعربية وأحيانا باللغات أخري الفرنسية والألمانية تحتوي علي معلومات مهمة عن تركيب الدواء وخصائصه ومفعوله ودواعي استعماله ونواهيه وطرق تعاطيه والجرعات المقترحة وأثاره الجانبية, فرغم أن تلك المعلومات الواردة بهذه النشرة تسهم علي حد بعيد في التوعية ورفع مستوي الثقافة الطبية, إلا أنها قد تؤدي إلي إثارة البلبلة لدي بعض المرضي وذويهم وقد تتسبب في امتناعهم عن تعاطي دواء مهم أو قد يكون منقذا للحياة إتقاء لإثاره الجانبية المدونة بالنشرة, والاخطر من ذلك أن يستغل بعض من سييء النية أو الدجالين تلك المعلومات الواردة بالنشرات الطبية ويمارسون ألوانا من العلاج عن غير علم وفي غفلة من الرقابة, يصف بعضهم الأدوية لبعض المرضي المترددين عليهم مسترشدين بما فهموه مشوها من قراءة هذه النشرات الطبية. لذلك فانه يطلب منعا لتلك الاثار الخطيرة والاضرار التي قد تؤدي بحياة بعض البسطاء من عامة الشعب, قصر كتابة البيانات والمعلومات الاساسية للدواء باللغات الاخري غير العربية قطعا للطريق عن هؤلاء أدعياء الطب ومنع الضرر عن بسطاء الناس. ونحن نتفق معه في أن هذه الممارسات الخطيرة من بعض معدومي الضمير وعديمي الإنسانية الذين قد يستغلون ما قد فهموه بقصور من معلومات مبتسرة عن بعض الامراض والدواء المفيد لعلاجها مما هو وارد عنهما بالنشرة الطبية المفرقة بالدواء المتداول بالسوق, إلا أن القضاء علي ذلك لا يكون أبدا بحجب الحقيقة كلية عن الناس,حقيقة الدواء ومكوناته وكيفية تناوله وجرعاته وأثاره الجانبية أو حتمية عدم تناوله مع عقار اخر, وهي المعلومات التي قد تكون حيوية وضرورية جدا لحياة من يحتاجها, كما أن قصر كتابة هذه المعلومات بلغات أخري غير العربية فيه جور علي عدة مسلمات أساسية منها:- احترام للغتنا العربية الأم واحترام لذاتنا وثقافتنا القومية أيضا. حقيقة انه ليس كل من يقرأ العربية ويتمكن من قراءة النشرة المرفقة بالدواء هو مريض نفسي ويخشي عليه من أن يؤدي إطلاعه علي ما قد يكتب بها من أثار جانبية لتناول الدواء أو محاذير طبية له إلي أن يتأثر خطأ به ويمتنع عن تناوله, أو دجال يخشي من معرفه بعض الحقائق عن الدواء في أن يدعي معرفته بالطب والتطبيب وينصب من نفسه حكيما يعالج المرضي. من حق المريض إنسانيا قبل أن يكون من حقه دستوريا أن يعرف كل شيء عما يشتريه من دواء وما يسمح له أن يدخل جوفه أو يحقن به, وذلك قبل أن يوصف له أو يشتريه, وإلا سمحنا لأنفسنا أن نعامل هذا المريض كالدابة التي تحمل أسفارا. أن مثل هذا القول من شأن الأخذ به أن يساعد علي جعل الأطباء هم فقط من بيدهم العلم والمعرفة بشأن المرض والعلاج, وعلي الرغم مما قد يبدو من فوائد لهذا الاتجاه إلا انه قد يحولهم هم فقط إلي ما كان معروفا من قبل بكهنة المعبد أو حراس الألهة الذين كانت تتجمع في أيديهم كل اسرار العبادات القديمة وطقوسها وكهنوتها. كل المعلومات عن كل شيء وأي شيء باتت متاحة لكل من لديه جهاز كمبيوتر واشتراك نت, وهم كثيرون, يمكنه أن يحصل علي معلومات طبية أكثر مما لدي بعض الاطباء من شبكة الإنترنت للعلوم الطبية المتخصصة أو العامة, فهل يمنع قصر كتابة البيانات الاساسية للدواء بغير اللغة العربية من يريد الحصول عليها من ان يعرفها؟ من حق كل الناس أن تعرف, وأبسط انواع المعرفة هو ما يتعلق بصحتهم وعلاجهم, وما قد يأتي بعد ذلك من بعض الأفعال غير الطيبة لا يمكن ابدا ان يحجب حق معرفة الحقيقة عن الناس, فهي ابسط حقوق الانسانية الأساسية وإلا نكون كالدب الذي أراد آن يمنع صاحبه آذي الذبابة بحجر.