عانت مصر كثيرًا بسبب الأحداث التى شهدتها عقب أحداث 25 يناير 2011 وما تبعها، حيث كانت مصر مهددة من الداخل والخارج، وطال الخطر كل مناحى الحياة، لكن لأنها مذكورة فى القرآن ومحفوظة بعناية الله، فقد هيأ لها الله رجالًا من أبنائها تحملوا الكثير لعبور مرحلة الخطر حتى استعادت عافيتها من جديد وانطلقت لتمحو جراح الماضى وتنطلق إلى المستقبل. وقد كانت الآثار من أكثر القطاعات التى ضربتها الأحداث فى مقتل بلا أى مبالغة، حيث تعرضت مواقع ومتاحف كثيرة للسرقة والتخريب، وأصبحت كنوزنا فى مهب رياح التهريب للخارج، ناهيك عن مشاريع كثيرة فى الآثار هددها التوقف وفى أحسن الأحوال البطء الشديد جدًا فى معدل ووتيرة العمل، لذلك لم يكن غريبًا أن تبدى الدولة والقيادة السياسية اهتمامًا غير مسبوق وتحديدًا منذ ست سنوات بالآثار وترميمها وتطويرها، كونها تمثل هويتنا التى نفتخر بها أمام الجميع، وهو ما تجسد على أرض الواقع فى موكب المومياوات الملكية الذى نجحت الدولة فى إتمامه باقتدار وشكل مشرف أمام العالم كله. مما لا شك فيه أن أى متابع لما حدث بعد 25 يناير 2011 كان يتوقع أن الدولة التى تتعرض لمثل هذه الأحداث «مش ها تقوم لها قومة!» كما هو فى القول العامى، لكن هذه الدولة مصر وهى ليست بالهينة ولا الضعيفة، حيث قامت لها قومة مرة أخرى وبقوة، ولم تنطلق فقط فى مشاريع البنية الأساسية والتى تهتم بالمواطنين مباشرةً فقط، بل انطلقت أيضا فى تنمية وتقوية وتطوير قوتها الناعمة المتمثلة فى الآثار، وكم من متاحف تم افتتاحها ومشاريع تمت بنجاح والأرقام خير شاهد على ذلك. وقد استطاعت مصر خلال ال7 سنوات الماضية إنشاء وتطوير اكثر من 20 متحفا ما بين جديد وتطوير ما كان موجودًا، وعلى رأسها متحفان طالتهما يد الإرهاب الغاشم، وهما متحف الفن الإسلامى بالقاهرة والذى تعرض لتدمير كبير عقب انفجار سيارة أمام مديرية أمن القاهرة المواجهة للمتحف، والثانى متحف ملوى فى محافظة المنيا، والذى أحرقته الجماعات الإرهابية عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، إلا أن الدولة القوية رممتهما وأعيد افتتاحهما مرة أخرى. وقد تم افتتاح متاحف كوم اوشيم فى الفيوم، وقاعة العرض المؤقت فى المتحف القومى للحضارة المصرية بالفسطاط والذى افتتحت فيه أيضا قاعة العرض المركزية وقاعة المومياوات الملكية منذ شهرين، ومتحف سوهاج القومى وأول متحف فى مرسى مطروح، ومتحف تل بسطة بالشرقية، كذلك متاحف شرم الشيخ وكفر الشيخ والمركبات الملكية، وقد حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه على افتتاح بعض من هذه المتاحف، سواء بحضوره شخصيا أو عبر تقنية الفيديوكونفرانس. كذلك ترميم وتطوير أكثر من 100 مبنى وموقع أثرى من مختلف العصور بكل انحاء الجمهورية، مثل معبد هيبس فى الوادى الجديد، ومنطقة صان الحجر التى شهدت إقامة آثار كانت ملقاة ومكسرة منذ سنوات طويلة،وتم ترميم وتجميع وإقامة 8 مسلات بأيادى العاملين بالآثار المصريين، ورغم جائحة فيروس كورونا فى 2020 الا أن الدولة تمكنت من افتتاح مساجد وكنائس ومعابد يهودية أثرية نتيجة دعم الدولة القوى للآثار ومشروعاتها المختلفة، كذلك تقدم العمل بشكل ملحوظ بمشروع المتحف المصرى الكبير الذى أوشك على الانتهاء، وزاد عدد البعثات الأثرية المصرية إلى أكثر من 80 بعثة، والتى استطاعت تحقيق اكتشافات أثرية مهمة. ولم يتوقف الإنجاز عند هذا الحد فقط، حيث إن الفترة المقبلة ستشهد توالى عدد من الافتتاحات المهمة، حيث تم الانتهاء من تجهيز متحف عواصم مصر بنسبة 100٪ فى العاصمة الإدارية الجديدة، كما يجرى العمل حالياً فى المراحل النهائية فى مشروع ترميم قصر محمد على فى شبرا الخيمة والذى زاره وتفقده رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى مؤخرا، كذلك طريق الكباش فى الأقصر والمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية، كما تستعد مصر لإعداد احتفالية كبرى بمناسبة افتتاح المتحف المصرى الكبير، وتشارك فيها شخصيات مصرية فنية وثقافية ورياضية بارزة، وشخصيات ومشاهير عالميين، وسيتم توجيه الدعوة لقادة دول العالم. وربما هذه الإنجازات لم يكن يكتب لها التحقق لولا دولة قوية ورئيس يدعم ملف الآثار والمتاحف بشكل غير مسبوق وهو ما يقوم به الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى يقوم بمتابعة شخصية منه لكل ملفات ومشروعات الآثار، كذلك الدعم المالى الضخم الذى وفرته الدولة بتعليمات من الرئيس السيسى ما مكن من إنجاز مشروعات الآثار التى توقفت بعد 2011، كذلك تبنى الرئيس لفكرة تنظيم موكب المومياوات الملكية والتوجيه بأهمية إظهار الموكب بشكل يليق بعظمة الأجداد، وتوجيه الحكومة لتطوير القاهرة وكل نقاط خط سير الموكب، وهو ما حدث بالفعل حيث كان الموكب مبهرا فعلا لكل العالم واكتمل هذا المشهد للحدث الفريد بحضور الرئيس بنفسه واستقباله لملوك وملكات مصر فى متحف الحضارة، بما يؤكد أن الدولة المصرية تضع حضارتنا وآثارنا على رأس أولوياتها، وتفخر بأجدادنا الذين سجلوا التاريخ وبحضارتنا العظيمة. متحف ملوى وسط عشرات المتاحف الموجودة فى مصر يظل متحف آثار ملوى فى المنيا حالة خاصة، حيث تعرض لاعتداء غاشم من عناصر مخربة وإرهابية عقب فض اعتصام جماعة الإخوان المحظورة فى رابعة العدوية والنهضة، وتم حرق المتحف وسرقة عدد من القطع الأثرية منه، ورغم فداحة الكارثة تمكنت الدولة المصرية القوية من إعادة ترميم المتحف وافتتاحه مرة أخرى فى 22 سبتمبر 2016، ليظل شاهدًا قويًا على مناعة هذا الوطن فى مواجهة قوى الظلام والإرهاب الغاشم. كان افتتاح المتحف بمثابة رسالة واضحة للعالم أجمع أن مصر ستظل شامخة فى مواجهة الإرهاب ولن ينجح أحد فى النيل من تاريخها وحضارتها، حيث جاءت إعادة افتتاح المتحف بعد الانتهاء من مشروع إعادة تأهيله والذى استغرق نحو ثلاثة أعوام، ليبقى شاهدًا على أن مصر لم ولن تستسلم لأية محاولات إرهابية من شأنها النيل من تراث مصر الثقافى والحضارى. كان المتحف تعرض لاعتداء وهجوم عنيف، نتج عنه تدمير كثير من الكنوز الأثرية داخله وسرقة بعضها، فى أعقاب فض اعتصامى رابعة والنهضة فى أغسطس 2013 بعد عزل محمد مرسى، والمتحف كانت توجد به 1089 قطعة أثرية، وحاليًا يضم 960 قطعة وهو من أهم المتاحف المصرية وقد أنشئ فى عام 1962 م. وحينها حدث ازدحام فى الشوارع وتلقى مسئولو المتحف أوامر من القطاع بإغلاق صالات العرض فى المتحف، وفى اليوم التالى كما تقول جيهان نسيم مدير عام المتحف لم نتخيل حجم المأساة التى مر بها المتحف، وتلقينا أوامر من القطاع بحصر الأضرار والتلفيات فى القطع الأثرية والمتحف، وفوجئنا بتدمير شبه كامل للقطع الأثرية وكانت حينها 1089 قطعة. وتبقت 46 قطعة لم تسرق وهى توابيت وتماثيل حجرية تكسرت فى مكانها، كما أن ما آلمنا أن أحد زملائنا توفى أثناء الأحداث، وبدأنا بعد عودة الشرطة فى دخول المكان بشكل منتظم وإحياء المكان مرة أخرى، ونقلنا القطع المتبقية إلى مخازن آثار الاشمونين، والقطع التى كانت تحتاج ترميمًا أدخلناها المعامل لترميمها، وبفضل جهود الوزارة وشرطة السياحة والآثار، أعدنا افتتاح المتحف فى 2016، لنؤكد أن الآثار هى قوة مصر الناعمة التى لن تموت. ومشروع ترميم وإعادة تأهيل المتحف بدأ فور انتهاء اللجنة الأثرية والعلمية التى شكلتها وزارة الآثار لحصر تلفيات المتحف، وقد ساهمت محافظة المنيا ب3 ملايين جنيه فى المشروع الذى نفذه جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة بعد إعداد المقايسات الخاصة به تحت إشراف آثرى وهندسى من خبراء وزارة الآثار. وقد تضمن المشروع تغيير سيناريو العرض الخاص بالمتحف ليسرد تفاصيل الحياة اليومية لأهالى المنيا وعاداتهم وتقاليدهم وحرفهم وصناعاتهم الموروثة، بالإضافة إلى تخصيص ورش لإحياء الحرف التراثية داخل المتحف لتعليم النسيج والسجاد لكى تخدم أهالى المنطقة المحيطة به، وقد بلغ إجمالى تكلفة المشروع نحو 10 ملايين جنيه مصري بتمويل من وزارة الآثار ومحافظة المنيا والحكومة الإيطالية فى إطار برنامج مبادلة الديون المصرى الإيطالى، وأعمال الترميم شملت ترميم المتحف من الداخل والخارج وتغيير منظومتى الإضاءة والتأمين, بالإضافة إلى تغيير فتارين العرض المتحفى.