قارىء صحف أمس سيكتشف أنها مكتوبة بالطبلة والتار والصاجات.. تعزف أغنية «.. وفشل الإضراب».. وعلى إيقاعات القرع لما استوى، قال للخيار يا لوبيا! سال الحبر على الصفحات.. فالمباراة كانت حامية الوطيس.. تلك صحيفة موصوفة دائما بأنها عريقة.. اختارت التغطية بالكليب قبل كلام الأغنية.. الصور تنقل لك زحاماً جماهيرياً فى الميادين.. عودة الأتوبيس المائل من الزحام.. إقبال السائحين على المطارات والموانى.. الفلاحين انتشروا فى الأرض الزراعية يزرعون ويحصدون خلال النهار الواحد.. عنابر المصانع تكتظ بالعمال، وعلى الأبواب آلاف العمال يصرخون: «الشعب يريد المشاركة فى الإنتاج».. وتلك صحيفة شعبية أرادت أن تقدم نفسها ببدلة الرقص الشرقى.. قدمت موضوعات وعناوين وصوراً، تتمايل على موسيقى أغنية: «ودارت الأيام.. ومرت الأيام».. المهم انه «هل الفجر بعد الهجر ونور الإنتاج بيصبح»! صحيفة أخرى احتفلت بدوران عجلة الإنتاج، وذكرتنا بصوت الفنان «محرم فؤاد» وهو القائل: «والنبى لنكيد العزال.. ونقول اللى ما عمره اتقال».. ولتنافسها فى إخراج اللسان للداعين إلى الإضراب أو الاعتصام – بالمناسبة الاعتصام كان اسم مجلة الإخوان المسلمين – فزفت الصحيفة خبر: «.. وفشل الإضراب» بطريقة أمير العود «فريد الأطرش».. فكتبت موضوعاتها وفق نظرية: «ياعوازل فلفلوا».. دعك من كل هذا فقد كان النشيد الوطنى للمحتفين بفشل هذا الإضراب مأخوذ عن رائعة «أحمد عدوية»: «زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة ولا عادش رحمة.. زحمة وتاه المعتصمين والمضربين».. أما جريدة حزب الحرية والعدالة فقد تحدثت عن الإضراب على إيقاع أغنية «عبد الحليم حافظ»: «التوبة التوبة التوبة.. نصبر على غدارين.. وحياة الدم الغالى.. وحياة عرق الجبين.. توبة ما عاد فيها مجاملة خلاص.. ولا عاد من قمع الثوار مناص»! قرأت الصحف فوجدت أن مصر عادت إلى الوراء لما يقرب من عشرين عاما.. وهنا يجوز لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين والحزب المفقوس عنها، وجماعة السلف والحزب المفقوس عنها.. أن تفرح وتمرح، بعودة الصحافة إلى رشدها وموضوعيتها وعقلها.. فقد كان العربون الذى قدموه لمن اختاروهم ليكونوا ذيولا لهم.. سريع المفعول وانتهى إلى نتائج سحرية.. وكذلك حدث الأمر مع التليفزيون الذى عاش وترعرع على سياسات – الراجل الشامخ بسلامته – وكان اسمه «صفوت الشريف».. لذلك لبس التليفزيون ومعه الإذاعة «التنورة» ورقص كما لم يرقص «أنس الفقى» فى مقتبل حياته.. فالخبر الأول فى نشرات الأخبار يبدأ هكذا: «فشل الاعتصام الفاشل، الذى دعت له بعض القوى والائتلافات الثورية من ميدان التحرير.. وأكد الشعب المصرى تمسكه بالاستقرار والاتجاه إلى الإنتاج وتدوير العجلة».. ونسيوا التأكيد على أن الشعب المصرى أصبح جاهزا بعجلة «استبن»! اعترف معكم بأن الدعوة لهذا الإضراب أو الاعتصام.. لك أن تسميه بما شئت قد فشل فشلا ذريعا.. ويرجع السبب إلى انصراف الملايين لتدوير عجلة الإنتاج فى طوابير تتجاوز ثلاثة أو أربعة كيلو مترات انتظارا للفوز بأنبوبة بوتاجاز.. أهدروا فى سبيل الحصول عليها عدة أيام.. كما انشغل الشعب بالوقوف طوابيرا لتأكيد دوران عجلة الإنتاج، وقبض الفروق المتأخرة عن زيادة المعاشات بحد أقصى 60 جنيها.. وكان هناك فصيل ثالث من سكان العشوائيات مشغول بنزح المجارى من «الطرنشات»، أملا فى أن يدخلوا إلى العالم السحرى للصرف الصحى.. ولن أتحدث عن جموع المشغولين بتدوير عجلة الإنتاج وقوفا فى طوابير أمام الجمعيات الخيرية للفوز بصدقات أهل الخير فى كيس يحمل علبة زيت وشوية رز وربما قطعتى لحم مكتوب عليه «نحمل الخير لمصر»!. أما جحافل الذين يعانون البطالة، فقد اخترعوا لأنفسهم أعمالا مثل بيع المناديل فى إشارات المرور.. والتسول أمام فنادق غاب عنها السائحون.. وكلهم إصرار على التأكيد أن عجلة الإنتاج ستدور رغما عن أنف كل هؤلاء الذين يحاولون هدم مصر.. وحرق مصر.. وكأن مصر دولة كارتونية أو قطعة ورق يشعلها عود ثقاب. افرحوا يا حبايب لفرحنا.. النمر أهى بانت ونجحنا.. والناجح فى إحباط الإضراب والاعتصام يرفع إيده.. وأرجوكم لا تتصوروا أننى أمارس السخرية.. فاعتقادى أننى أبعد الناس عن التفوق فى هذا الفن.. لكن المأساة التى نعيشها تفجر الضحك من القلب.. فقد فوجئت بأن عجلة الإنتاج – الواقفة – ويشكو من توقفها مجلس الوزراء والمجلس العسكرى وكل المخلصين للوطن من جماعة «آسفين يا ريس» ومعهم جماعة «الأغلبية المكتومة».. قد انطلقت فجأة لتدور.. أى أن عجلة الإنتاج الواقفة لمدة عام، دارت بسرعة رهيبة فجأة.. كما فعلت «فؤادة» فى فيلم «شىء من الخوف».. والناس يهتفون «إيقاف عجلة الإنتاج باطل.. باطل.. باطل»!. حدث كل ذلك لمجرد أن هناك دعوة للإضراب أو الاعتصام.. وبما أن «الشعب المصرى الشقيق» قد أكد أنه يحمل أكثر من دكتوراه فى العند.. متفوقا على أستاذ العند الذى تم خلعه.. فلنا جميعا أن نرفع أيادينا إلى السماء سعادة وشكرا وابتهاجا.. فقد دارت عجلة الإنتاج، وفشل الإضراب.. والدليل على الفشل أن هذا الإضراب لم يشارك فيه غير تلاميذ المدارس والجامعات، وطبعا دول «عيال صغننين» مايفهموش حاجة.. ومالهمش أصلا فى عجلة الإنتاج.. والدليل الاكبر على أن هذا الإضراب أو الاعتصام فاشل وساقط.. أن القوات المسلحة حشدت واحتشدت لكى تحمى تلك الفئة الضالة عند ممارستها محاولات هدم مصر وتدمير الوطن! سعادتى لا أستطيع وصفها.. فقد فشلت كل محاولات تدوير عجلة الإنتاج على مدى عام.. لكن الفئة الضالة التى لا تمثل غير أقلية منحرفة.. فرضت على الجميع تدوير العجلة بدعوة قل أنها ساذجة أو متهورة.. وإن كان أولئك القوم قد أزعجوا الوطن على مدى عام وسقط منهم مئات الشهداء وآلاف المصابين.. إلا أنهم نجحوا فى تحويلنا إلى تحدى دمائهم وخسارتهم فى بدنهم.. فاستبعدناهم من التمثيل البرلمانى.. بل تصدى لهم جيش ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين، ليبعدهم حتى عن الاقتراب من مقر البرلمان.. وهاهم يضيفون المزيد من العطاء للوطن بتدوير عجلة الإنتاج.. لمجرد أنهم قالوا نحن ندعو للإضراب أو الاعتصام. تلك الحالة السريالية سيتوقف عندها الباحثون أملا فى فهم عقلية القائمين على وسائل الإعلام قريبا.. أما الساسة الذين فازوا بثقة الشعب ومنهم من رفع عليه السلاح وقتل منه الأبرياء.. فهم المخلصون والأمناء على المستقبل.. ومعهم الأكثر إخلاصا من الذين تعلموا كل فنون الكذب والتضليل على مدى السنوات المتوسطة والطويلة الماضية.. فافرحى يا مصر ولتمرح الأكثرية.. وللشعب كل التهنئة بتدوير عجلة الإنتاج.. فقط نتمنى منهم أن يحافظوا على هدية الفئة الضالة والمنحرفة، وسيأتى يوم نغنى معهم: «السح الدح امبو.. شيل الانتاج م الارض.. ادى الانتاج لأبوه».. ولا نعرف من سيرفع راية الانتصار أخيرا!