فى ليلة من الليالى المشهودة فى تاريخ الإسلام «ليلة النصف من شعبان كان حادث تحويل القبلة ففى الحديث «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، فَنَزَلَتْ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِى صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ «وفى رواية، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ». لقد كانت تلك الحادثة بمثابة الامتحان لكل فئات المجتمع آنذاك، فأما أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فكان لسان حالهم:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.. وأما غير المؤمنين فزادوا فى الكفر والعناد.. قال تعالى فى وصف حال هؤلاء:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. ثم وصف الله تعالى الأمة بعد هذه الآية بالأمة الوسط، فقال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. هذه الواقعة فى تاريخ الإسلام نستفيد منها فى حياتنا المعاصرة ما يلى: أولا: كثرة التضرع ومناجاة الله عزوجل كما كان يفعل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، يحكى القرآن عنه{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة : 144] إن كل نجاح فى الحياة الدنيا مرتبط بتعلق القلب بالله واللجوء إليه ولكم حدثت معجزات لأشخاص رآيناهم بأعيينا تحولت حالتهم من الشقاء إلى السعادة ومن المرض إلى العافية ببركة الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه. ثانيا: نستفيد منها فى حياتنا المعاصرة التأكيد على مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقوله تعالى{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] فيها دليل على قدر النبى صلى الله عليه وسلم الذى يسترضيه ربه جل جلاله، وهو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، حرى بنا أن نعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأكثر وأن نلتمس البركة والفوز بالصلاة عليه ، عليه الصلاة والسلام. ثالثا: علينا أن نفعل معنى الأمة الوسط فى كل شىء فى تصرفاتنا وانفعالاتنا وإنفاق أموالنا، قال تعالى{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء : 29]، فالوسط فى كل شىء أمر محمود والتطرف عواقبه وخيمة نسأل الله العفو والعافية.