لليوم الثالث على التوالى تتواصل المعارك فى إقليم «قره باغ» المتنازع عليه بين باكو ويريفان، فى أسوأ مواجهات تشهدها المنطقة منذ أربع سنوات، موقعة عشرات القتلى من الجانبين خلال اشتباكات بين قوات أرمينياوأذربيجان بسبب إقليم ناجورنو قره باغ، الواقع داخل أذربيجان ولكن يديره منحدرون من أصل أرميني، ما أثار مخاوف بشأن عدم الاستقرار فى جنوب القوقاز، وهو ممر لخطوط الأنابيب التى تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. وأمام هذا التصعيد، ما زالت ردود الفعل الدولية القلقة تتوالى بدعوة الجارتين إلى وقف إطلاق النار، والعودة لمسار المفاوضات، حاصة بعد دخول تركيا على خط الأزمة بإذكاء النار بين البلدين، حيث وجهت انتقادات حادة لأرمينيا بعد وقوع اشتباكات بين قوات البلدين. فقد حذر الاتحاد الأوروبى من خطورة التدخلات الخارجية فى المواجهات الدامية بين أذربيجانوأرمينيا، وسط اتهامات لأنقرة بتقديم الدعم السياسى والعسكرى لباكو، وشدد المتحدث باسم شئون الاتحاد الأوروبى الخارجية بيتر ستانو، على أن أى تدخل خارجى «غير مقبول». وتأتى تصريحات المسئول الأوروبي، فى ظل تقارير تفيد بوصول أول دفعة من مرتزقة تركيا السوريين، لكن على الطرف الرسمى الآخر، اتهمت أرمينيا، تركيا بتقديم الدعم السياسى والعسكرى لجارتها أذربيجان. فيما أعربت السعودية عن بالغ قلقها من تطورات الأوضاع بين أرمينياوأذربيجان، وحثت الطرفين على وقف إطلاق النار وحل النزاع بالطرق السلمية. من جهتها، دعت الأممالمتحدةوروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص إلى وقف فورى لإطلاق النار لاشتباكات توصف بأنها الأسوأ منذ عام 2016، وأوقعت خسائر بشرية ومادية من كلا الطرفين، على وقع دعوات التعبئة الوطنية. وموسكو، التى تحافظ على علاقات ودية مع الطرفين المتحاربين وتعتبر الحكم الإقليمى الأبرز، فتعد أقرب إلى أرمينيا, حيث إن البلدين ينتميان إلى نفس التحالف العسكرى الذى تهيمن عليه روسيا، منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وتضم منظمة معاهدة الأمن الجماعى كلا من روسياوأرمينياوبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان. وفى السياق، أعلن مسئولون فى المنطقة المتنازع عليها مقتل 15 مسلحًا انفصاليًا أرمينيا، ما أدى إلى ارتفاع الحصيلة الإجمالية للمواجهات إلى 39 قتيلًا. وأفاد متحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية فى بيان بأن «المواجهات العنيفة تواصلت خلال الليل»، فى حين أكد مسئولون فى وزارة الدفاع فى كاراباخ مقتل 15 مسلحًا، ما يرفع حصيلة القتلى فى صفوف الانفصاليين المسلحين إلى 32 منذ اندلعت المواجهات الأحد. كما لقى 5 مدنيين أذربيجانيين ومدنيان أرمينيان من كاراباخ مصرعهم، وفقا حصيلة أُعلن عنها الأحد، فيما لم تعلن أذربيجان عن خسائرها العسكرية. وقد تكون الخسائر أكبر بكثير، لكن كل طرف أكد أنه ألحق مئات الخسائر بالطرف الآخر، ونشر الجانبان صورًا لدبابات مدمرة. وتتبادل أرمينياوأذربيجان الاتهامات بإشعال المواجهات الدامية، حيث تقول أذربيجان إنها شنت «عملية مضادة» ردا على «العدوان» الأرمني، مستخدمة القصف المدفعى والمدرعات والقصف الجوى على الإقليم الذى خسرته منذ سقوط الاتحاد السوفييتى وحرب أودت بحياة 30 ألف شخص، وباتت كاراباخ على إثرها خاضعة لسيطرة الانفصاليين المدعومين من أرمينيا. ووفق ما ذكره المرصد، قامت سلطات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بنقل دفعة من مقاتلى الفصائل السورية الموالية لها، من منطقة عفرين شمال غربى حلب، إلى أراضيها، قبل إرسالهم إلى أذربيجان. ونقلًا عن مصادر، تتحضر دفعة أخرى للسفر إلى باكو، فى إطار سياسة أردوغان القائمة على إثارة التوتر شرقًا وغربًا باستخدام ورقة المرتزقة، كما هو الحال فى ليبيا. وعلى الرغم من أن الأرمن يشكلون 94% من نسيجها الديموجرافي، لا تزال منطقة ناجورنو كاراباخ محل نزاع بين أرمينياوأذربيجان، وتعود أطوار أزمة هذا الإقليم للقرن الماضي، فقبيل سقوط دولة العثمانيين، انهار النظام القيصرى فى روسيا وتمكن البلشفيون من استلام زمام الأمور عقب ثورة نوفمبر 1917. تزامنا مع ذلك، أعلن الأرمن والأذربيجانيون والجورجيون إنشاء دولتهم المستقلة بالقوقاز والتى عرفت باسم الجمهورية الترانسقوقازية الديمقراطية الاتحادية. فى الأثناء، عرفت هذه الجمهورية الحديثة نهايتها بعد أسابيع، حيث اختلفت هذه الشعوب الثلاثة حول المبادئ والأهداف، فلجأت جورجيا لإعلان استقلالها يوم 26 مايو 1918 لتتبعها بعد ذلك كل من أرمينياوأذربيجان اللتين أعلنتا انفصالهما بعد يومين فقط. وبشكل سريع، اندلعت المواجهات المسلحة بين الأذربيجانيين والأرمن حول عدد من المناطق كانت من ضمنها كاراباخ، حيث تنازع الطرفان حينها على ترسيم الحدود بينهما. تزامنا مع سقوط العثمانيين وهزيمتهم بالحرب العالمية الأولى، تمكنت القوات الأرمينية من الاقتراب من مدينة شوشا عاصمة منطقة كاراباخ، إلا أنها أجبرت على التوقف بعد طلب تقدم به البريطانيون وطالبوا من خلاله بحسم الأزمة فى مؤتمر باريس للسلام. أثناء مؤتمر باريس، اتجه المجتمعون للمطالبة بعقد صلح بين طرفى النزاع. ومع انخفاض حدّة التوتر، تعكر صفو المفاوضات بشكل مفاجئ، حيث عمد الأذربيجانيون للقيام بعملية تطهير عرقى بشوشا أثناء شهر مارس 1920، أسفرت عن مقتل المئات من الأرمن، وأعادت للجميع ذكرى مذابح الأرمن التى قادها الأتراك بالحرب العالمية الأولى وأسفرت عن مقتل نحو 1.5 مليون منهم. بحلول شهر أبريل 1920، اجتاحت القوات السوفييتية المنطقة، وضمت كلاً من أرمينياوأذربيجان لممتلكاتها، جاعلة منهما جمهوريتين سوفييتيتين، وأوكلت جانبا مهمًا من أمور هذه المنطقة لمفوض الشعب لشئون القوميات حينها جوزيف ستالين. إثر ذلك، عرف النزاع الأرمينى الأذربيجانى نهاية مؤقتة، لكن بالتزامن مع كل هذه الأحداث، صوت المسئولون السوفييت فى البداية لضم منطقة كاراباخ لأرمينيا، بسبب احتوائها على 94% من الأرمن، إلا أنهم سرعان ما تراجعوا عن طريق إبقائها تحت سيطرة أذربيجان أملا فى الحفاظ على التوتر بين الطرفين وإلهائهما عن الاهتمام بقضايا ومشاكل الاتحاد السوفييتي. وتزامنا مع تفكك الاتحاد السوفييتى لم تتردد هذه المنطقة التى تمتعت بحكم ذاتى فى إعلان انفصالها عن أذربيجان لتندلع حرب طاحنة بين أرمينياوأذربيجان حول كاراباخ أسفرت عن سقوط أكثر من 30 ألف قتيل وجريح وتشريد عشرات الآلاف الآخرين قبل أن تعرف نهايتها بفضل اتفاق وقف نار أسهمت فيه بشكل رئيسى منظمة مينسك التى ظهرت مطلع التسعينات لإيجاد حل للأزمة الأرمينية الأذربيجانية.