أمشط شعر ابنتى الصغيرة، تصيح كعادتها متوسلة..بلاش ضفيرة، مبحبهاش... للحظة غبت فى صراخها، وتشابكت أصابعى بشعرها؛ لأجدل جديلة طويلة دقيقة إلى آخر رمق فى شعرها حالك السواد، أمسك ضفيرتها بيمينى كأنها لجام مهرة برية، وتتحس يدى اليسرى الشريطة الحمراء، هى نفسها الشريطة الحمراء التى كانت تربط بها أمى جديلتى...، رحم الله أمى و يديها الحانيتين، لا... حقيقة فى تلك اللحظات لم أستشعر حنانها قط، كنت أراها يدين غليظتين، عنيفتين،تأخذ بناصيتى...تلملم شعرى بقوة إلى الوراء وكأنما تستجمع خصلات عمرى المنسدل أمامها لتحكم جدلها بلا رحمة. يبدو أن قوة أمى وقتها لم تكن لتشد شعرى كما فهمت حينها، أنا الآن أم ! أنا الآن أعشق أمى أفهم أمى...جديلتها، حنان يديها، كنت تجمعين بكفيك كل القوة، كل المنى، وكل الأمل، جديلتى التى مقتها صغيرة يا أمى و أنفاس خوفك المحموم علي، وكأنما رفضتى أن يموج شعرى إلا لغنجك وعلى راحتى يديك الآمنة، ولأنك تعرفين الحياة وتقلبات الدهر والبشر جدلتى شعرى بكل البأس والثبات، وفى كل عقدة كانت دعواتك، صلاتك الخاشعة لى أن أحيا بأمان، لم أدرك أنك كلما شددتى شعرى كلما أحكمت قبضتك على أحلامى المبعثرة وأيامى القادمة، كلما وهبتينى يقينك لأحيا صلبة وأبية مثلك تماما والشريطة الحمراء إنها تعويذتك الأخيرة، مهلا تذكرت الآن لم تكن لديك جديلة يا أمى، هى جدتى.. نعم، جدتى القابعة بالبيت القديم فى القرية البعيدة -أراها بوضوح- شعرها الفضى الناعم المجدول بإحكام فى ضفيرتين رفيعتين كانت تأبى أن ترخيهما على كتفيها، قتعقفهما بشدة وتمسك كل رأسها بعصبة من التل الأسود تركت بجبهتها أثرا فاق تجاعيد العمر وحكايا المساء، وحولها تلتحف بشال من القطيفة السوداء، كأنها تخشى انفلات العقل او ربما الخرف والهذيان. أيكون هذا سرا دفينا لبنات حواء، تبثه الأمهات لبناتهن جيلا بعد جيل عبر الزمن، هل كانت أمى تحب جديلتها وهى طفلة؟؟ ولماذا نهجر ضفائرنا إذا كبرنا؟! ولماذا لا تفارقها جدتى؟! وأنا لماذا اجدل ضفيرة لابنتى الآن وقد كرهتها وأنا صغيرة؟! هنا تتململ ابنتى محاولة اثنائى عن جدل شعرها فأفيق على كلماتها «مش قولتلك..بلاش ضفيرة يا ماما.. من فضلك بقى «،فيغمرنى الضحك وأقول لها هكذا كنت أقول لأمى بالحرف الواحد...فترد ابنتى وهل كانت تسمع كلامك؟ فأعاود الضحك بالطبع لا، ولهذا لن أخرج عن عادة أمى وجدتى..وسأهديك أجمل سنبلة رائعة بشريطة حمراء.. وبالمرة القادمة أعدك أن يكون لك ما تريدين، وأطبع قبلة على جبينها وهى تمتم مستسلمة «فى كل مرة تقولين هذا!؟