مع عودة صلاة الجمعة اليوم وفقا لقرار لجنة إدارة أزمة كورونا بمجلس الوزراء بعودتها فى بالمساجد الكبرى والجامعة التى تحددها وزارة الأوقاف أثيرت حالة من الجدل بين علماء الأزهر حول اختيار المسلم بين ترك صلاة الجمعة، نظرا لمحدودية الأعداد بالمساجد وخوفا من العدوى بكورونا، وبين التزامه بأدائها رغم حصرها فى المساجد الجامعة دون غيرها. الأوقاف من جانبها ألزمت مساجدها بجميع إجراءات إقامة الصلوات العادية من مراعاة التباعد وارتداء الكمامة وإحضار المصلى الشخصى، وفتح المساجد قبل الصلاة بعشر دقائق وغلقها فور انتهاء الصلاة، والاقتصار على الأماكن المتاحة وفق تحقيق إجراءات التباعد الاجتماعى فقط، وتكون خطبة الجمعة فى حدود عشر دقائق، مع عدم فتح دورات المياه. وأكدت أنه لا حرج على الإطلاق على من صلى الجمعة ظهرًا فى منزله طوال فترة الفتح الجزئى سواء أكان ذلك منه تحوطًا واحتياطًا أم كان إيثارًا فى إفساح المكان بما يُمكِّن من عدم الخروج على إجراءات التباعد وتحقيق الأمان الصحى. كما أصدرت لجنة الفتوى الإلكترونية بالأزهر فتوى تجيز الاختيار فى أداء صلاة الجمعة فى ظل استمرار الاجراءات الاحترازية لمنع نقل العدوى بكورونا، حيث قالت إن الله تعالى فرض صلاة الجمعة على المسلمين القادرين على السعى إليها؛ فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إلا أن النِّساء وغير البالغين (الأطفال الصِّغار) غير مطالبين شرعًا بصلاة الجمعة، وإنما يجوز لهم تأديتها فى البيوت ظهرًا على وقتها جماعةً أو انفرادًا؛ سيما فى ظرف وباء كورونا الرَّاهن. وأوضحت الفتوى أنه مع هذا الفضل العظيم لأداء الرجال صلاة الجمعة فى المساجد إلا أن للنوازل والأزمات تفقُّهًا يناسبهما، ولا يخفى ما يسببه انتشار فيروس كورونا من أضرار على المستويات كافة، وأن الاختلاط والتزاحم أحد أهم أسباب انتشاره... لذا؛ جاز لمن كان من أصحاب الأمراض المزمنة، أو ضِعاف المناعة أن يترك صلاة الجمعة فى المسجد لحين زوال هذا الوباء. واكدت انه ينبغى على من يعانى من أحد أعراض الإصابة بالفيروس التخلف عن صلاة الجمعة فى المسجد، كمن يعانى من ارتفاعٍ فى درجة الحرارة، أو السُّعال، أو ضيق التَّنفس، أو التهاب الحلق.. إلخ؛ لما يترتب على ذهابه من إمكان إلحاق الضرر بغيره، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ضرر ولا ضرار». وفى هذه الحالة على صاحب العذر أن يُصليها فى بيته ظهرًا جماعة أو منفردًا. واستدلت بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟، قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِى صَلَّىٰ» فى أن الخوف أحد الأعذار المعتبرة شرعًا، ومن ذلك خوف الإصابة بالوباء، أو خوف عدوى الغير به، ومن ثمَّ يجوز معه ترك صلاة الجمعة فى المسجد لحين زوال سببه؛ متى كانت التدابير الاحترازية والتباعد فى الصفوف غير كافيين لأمن الضرر وإزالة المخاوف. من جهته يؤيد د. احمد حسين عميد كلية الدعوة اختيار المسلم بين اداء صلاة الجمعة فى المسجد او ظهرا مع استمرار خطر وباء كورونا وعدم فتح المساجد بشكل كامل، وقال: «إن الجمعة ليست واجبة فى حق الجميع فالمسافر والمرأة والمريض لا تجب فى حقهم الجمعة وإن أدوها فجائزة، كما أنها ترفع فى حالة الوباء وانتشار العدوى كما حدث بسبب كورونا، كما أن رخصة التخلف عن الجماعة لا زالت قائمة فللإنسان أن يأخذ بالأفضلية ويصلى صلاة الجمعة أو أن يأخذ بالرخصة ويصلى الجمعة ظهرا احترازا من العدوى فجائز لاسيما لكبار السن والمرضى. أضاف أن الانسان إذا وجد بظواهر معينة أنه سيتزاحم لصلاة الجمعة لكونها باعداد محدودة وفى المساجد الكبرى أو يخشى ان تنتقل له العدوى من المرض، فله ترك صلاة الجمعة دفعا للمفاسد التى قد تترتب على صلاته بالمسجد. وحول التخوف من العقاب لترك صلاة الجمعة رغم عودتها قال عميد كلية الدعوة: ان الختم الوارد فى الحديث: «من ترك ثلاث جمع ختم الله على قلبه» أو عد منافقا «فهذا فى حالة المعد والمعاداة، أى يترك صلاة الجمعة عنادا وتكاسلا، وليس بعذر، بدليل اننا تركنا صلاة الجمعة أكثر من شهر ولا ينطبق علينا هذا الوصف الوارد بالحديث لوجود العذر، وعليه فللإنسان حق الاختيار فى اداء صلاة الجمعة وفق الظروف التى يراها فى ظل السماح بها باعداد محدودة وفى بعض المساجد دون غيرها. وشدد على ان المسلم لو ذهب للمسجد ليصلى صلاة الجمعة فوجد زحاما فى ظل الاجراءات الاحترازية لمنع نقل العدوى فعليه ان يصلى فى بيته، موضحا ان فتح مساجد بعينها سيؤدى إلى نوع من انواع التزاحم فيها. على الجانب الآخر يرفض د. احمد كريمة استاذ الفقه بجامعة الأزهر مسألة الاختيار فى اداء صلاة الجمعة بعد عودتها بالمساجد ولو بشكل جزئي، ويؤكد ان صلاة الجمعة من الفرائض المعلوم فرضيتها بدلالة القرآن الكريم والسنة النبوية المحمدية حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَوَاحُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». [أخرجه أبو داود والنسائى وهذا يدل على فرضية صلاة الجمعة ووجوبها وهى فرض عين على كل مسلم مكلف مقيم سالم من العذار المبيحة فى عدم صلاتها. أضاف ان صلاة الجمعة فرض عين وليست فرض كفاية فلا اختيار فى الذهاب إليها، ولابد ان يذهب المسلم الصحيح إليها... أما خوف الانسان أن ينتقل إليه العدوى فليس ذلك عذرا لأن الأحكام إنما تبنى على اليقين ولا تبنى على الظن وهذه من القواعد الكبرى فى الفقه الإسلامي، وعليه فيجب على كل مسلم عاقل بالغ مقيم خال من الأمراض الشديدة أن يذهب لأداء صلاة الجمعة. وشدد على أن القول بان المسلم له ان يختار فى ظل عودة صلاة الجمعة بالمساجد من ان يذهب أو لا، أو يؤثر غيره على نفسه فى المسجد فهذا كلام لا دليل عليه من الشرع وإلا لأدى إلى اتكال المستهينين والمستهترين بترك صلاة الجمعة بزعم انه يخاف المرض أو انه يوفر مكانا لغيره، وهو ما يصطدم مع النصوص الشرعية الموجبة للسعى لأداء صلاة الجمعة. وأوضح كريمة أن ما يمكن الترخص به فى ظل الظروف الاستثنائية هو السعى لصلاة الجمعة عند الأذان الثاني، وترك المساجد فور انتهاء صلاة الجمعة أخذا بظاهر قوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. د. محمد سعدي. الأستاذ بجامعة الأزهر من جانبه يرى أيضا أن الأصل هو وجوب إجابة المؤذن إذا نادى لصلاة الجمعة امتثالا لقوله تعالى فى سورة الجمعة: {يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وذلك فى حق الرجال المقيمين الخالين من الأعذار المبيحة لترك الجمع والجماعات. ويبقى الاستثناء فى حق ذوى الأعذار. وتكون صلاة الجمعة فى حقهم ظهرا، منهم المريض ومن كان فى العزل الطبى، ومن يقوم على خدمة المريض، ومثلهم المسافر. أضاف أن الأخذ بالإجراءات الاحترازية، وصلاة المصلين فى الهواء الطلق عند اكتمال الأعداد فى المسجد، وتقصير الخطبة كل هذا من شأنه تيسير أمر أداء الفريضة على المصلين.