احتلت «السوشيال ميديا» حياة الناس حتى فى أوقات العبادة، وهو ما يحدث فى شهر رمضان حيث أصبح الكثير لاسيما من فئة الشباب يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الصوم لقضاء وقت الفراغ، إلا أن بعض المحادثات أصبحت تتسم بطابع النميمة والغيبة والخوض فى الأعراض ، فتحول رمضان من شهر للصيام والعبادة إلى مناسبة لتداول النميمة والشائعات على نطاق أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعى. الشيخ رمضان عبدالرازق من علماء الأزهر يرى أن استخدام السوشيال ميديا أصبح ظاهرة عامة ، وقد تزداد فى رمضان لمواجهة حالات الملل ، وأكد تطرق الأحاديث على مواقع التواصل الاجتماعى إلى حياة الآخرين هو نوع من النميمة المنهى عنها شرعا. واستشهد بما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه قومًا أظافرهم من النحاس يخدشون صدرهم ووجههم، وسأل جبريل مَن هؤلاء القوم، أجاب هم الذين يأكلون لحوم الناس ويتحدثون عن أعراضهم، متابعًا: «هؤلاء من يغتابون الناس ويستخدم السوشيال ميديا للنميمة على الناس». وأشار الشيخ رمضان عبدالرازق، إلى أن الغيبة والنميمة كالذى يأكل لحم أخيه حيا، وذكر أنه سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما يذكر أحد بما يكره الآخر أى عيب فى الشخص، وكان يقال عنه صحيح تكون غيبة، فأجاب الرسول :»نعم، ولا بد من الكف عن التحدث عن أعراض الناس». وعن تأثير النميمة عبر الإنترنت على ثواب الصيام، يقول أستاذ الشريعة الإسلامية، الدكتور أحمد كريمة إن الغيبة التى تعنى ذكر عيوب الآخرين حتى إن كانت صحيحة، والنميمة الممثلة فى نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد، لا يفسدان الصيام، ولكن لها تأثير عظيم على ثوابه. يتابع الدكتور كريمة: «تعتاد بعض النساء على تبادل الأحاديث والغيبة والنميمة عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو الهاتف أو خلال تجمعاتهن وجروبات الدردشة، ليستمر الأمر خلال شهر رمضان، وسط التساؤل عن تأثير تلك العادة السيئة على صيامهن»، مردفا: «صحيح أن ذلك لا يبطل الصوم لكنه يُضعف من الثواب، ويُمرض النفوس، ويجعلها مطية للذنوب والمعاصي، سهلة الاختراق، وضعيفة الإيمان». ويستطرد الدكتور كريمة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- حذرنا أن يتحدث المرء بكل ما سمع، فإن من يتحدث بكل ما سمع سيقع فى الكذب وترويج الباطل؛ لأنه يحدث بكل ما سمع دون تثبت أو تحقق، مستشهدا بحديثه -صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِع»، مؤكدًا على أن مواقع السوشيال ميديا بؤرة للنميمة والغيبة وتداول الشائعات، التى هى فى الأساس أفعال مُحرمة، فما بالك فى شهر رمضان الكريم. الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر من جانبه يؤكد أن الغيبة والنميمة كلاهما حرامُ شرعًا؛ وهى من كبائر الذنوب التى ابتلينا بها فى عصرنا، متابعا: «الغيبة والنميمة من الأمور التى يضيع بها الإنسان وقتا دون أدنى فائدة، وتحت مسمى الفضفضة»، مبينًا أن هذا مما لا يرتضيه الشرع الحنيف سواء فى رمضان أو غير رمضان. ويستشهد الأطرش بقوله – تعالى- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ»، مُستندا أيضا إلى قوله تعالى : «وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ .. هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ.. مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ .. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ». واختتم بأن الغيبة والنميمة من الصفات الذميمة التى يعنى منها المجتمع، والفرق بينهما: أن الغيبة هى ذكر الشخص فى غيابه بما يكره، أما النميمة فهى المشى بين الناس بما يضرهم ويوقع بينهم، وكلا الفعلين أصبحا أسهل ما يكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفى محاولة لفهم حالة النهم التى أصابت مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، يقول الدكتور محمد المرسي، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن غياب الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى تفتح شهية الانحراف السلوكى لدى البعض، فمنهم من يستحى ممارسة تلك السلوكيات فى حقيقة الأمر، فيلجأ للواقع الافتراضى لإشباع نقيصة النميمة. ويتابع المرسى قائلا: «هناك تطبيقات إلكترونية عديدة تم تصميمها لاستدراج كل من لديه شهوة النميمة وممارسة الغيبة، وهو شكل من أشكال الانحراف السلوكى فى التواصل، نتيجة عدم القدرة على إقامة علاقات إنسانية سوية على أرض الواقع، مختتمًا: «السوشيال ميديا تمتص فراغ الكثيرين وتوجهه للعديد من السلوكيات الخاطئة، مثل النميمة والغيبة ونقل الشائعات، ومحاولة إحداث الوقيعة بين شخصين، من خلال خاصية سكرين شوت التى أصبحت وكأنها دليل إدانة على كل شخص».