«رمضان» شهر الجهاد والعبادة والعمل، وقد اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وأنزل فيه القرآن، شهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات، هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ويرجع تسمية هذا الشهر الفضيل ب «رمضان» لعدة روايات، منها أن «رمضان» مشتق من «رمض» اذا احترق والرمضاء شدة الحر وسمى بذلك للارتماض من حر الجوع والعطش، وقيل سمى بذلك لأنه يرمض الذنوب ويحرقها بالأعمال الصالحة، وقيل لأن القلوب تأخذ فيه الموعظة والتفكير فى أمر الحياة الآخرة كما تكسب صخور الفيافى ورمالها من حرارة الشمس، وقيل لأن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم فى رمضان أى يدقونها ويشحذونها بين الحجارة استعدادا للحرب فى شوال قبل حلول الأشهر الحرم، ووفقًا لدائرة المعارف الإسلامية فرمضان هو الشهر التاسع من التقويم الهجرى. ولفظ رمضان مشتق من رمض وفى ذلك إشارة لحر الصيف، ما يدل على الفصل الذى وقع فيه هذا الشهر فى فصول السنة، حينما كان العرب القدماء دائبين على محاولة التوفيق بين سنتهم القمرية والسنة الشمسية ورمضان هو الشهر الوحيد الذى ذكر فى القرآن الكريم. من أعظم الأحداث التى وقعت فى ذلك الشهر هو نزول القرآن الكريم على النبى محمد هدى للناس، إلا أن هناك أحداثًا أخرى أصبحت من علامات ذلك الشهر الفضيل، فوفقًا لما قاله المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، فقد وقعت غزوة «بدر» فى ذلك الشهر بالسنة الثانية من الهجرة، والتى انتصر فيها المسلمون، ليتخذ مسار الدعوة الإسلامية طريقًا جديدًا، كما فتحت مكة فى السنة الثامنة هجريًا، وكان من نتائج ذلك الفتح توحيد كلمة العرب، وفى عام 91 هجرية غزا موسى بن نصير الثغور الجنوبية للأندلس وكانت هذه الغزوة مقدمة لفتح الأندلس، وفى عام 92 هجرية انتصر طارق بن زياد على «ذوريك» ودانت الأندلس للفتح العربى، وفى سنة 134 هجرية استولى أبو العباس عبد الله أول الخلفاء العباسين على دمشق، و فى عام 584 هجرية قاتل السلطان صلاح الدين الأيوبى الإفرنج فى سوريا أرض الشام واستخلص منهم البلاد التى كانوا يحتلونها، وفى العاشر من رمضان 1393 هجرية الموافق 6 اكتوبر 1973 انتصر الجيش المصرى والعرب على العدو الإسرائيلى فى معركة الشرف والكرامة واستعاد سيناء الحبيبة المحتلة. أسماء الشهور الهجرية جاء فى دائرة معارف محمد فريد وجدى، رمضان من الرمضاء وهى شدة الحر وأرمضه أى أوجعه ورمضان هو الشهر التاسع من شهور السنة الهجرية العظيمة، وقيل إن الشهور العربية سميت من أسماء فصول السنة الدالة على الحرارة والبرودة ونمو النباتات، فالمحرم سمى بذلك لأن العرب كان يحرمون فيه القتال وهو من الأشهر الحرم، و «صفر» كانوا يغيرون فيه على البلاد فيتركونها صفرا أى خالية، و»ربيع أول وربيع الآخر» سميا فى وقت أربعت فيه الأرض أى أخصبت، و»جمادى الأول وجمادى الآخر» سميا بذلك لتجمد الماء فيهما بالأماكن العالية، «رجب»، اشتق اسمه من الترجيب وهو التعظيم ويقال أيضا إنهم أسموه بهذا الاسم لانهم كانوا يرجبون فيه الشجر أى يجعلون تحته وحوله بناء يقيه ويحفظه، «شعبان» سمى كذلك لتشعب النباتات فيه بانقسام الجذع لفروع كبيرة، «شوال» وسمى كذلك لأن الإبل كانت تلقح فيه فتشول بأذنها أى ترفعها، «ذو القعدة» كانوا يقعدون فيه عند القتال، «ذو الحجة» سمى بذلك لوقوع الحج فيه، وقد قال الله تعالى:» إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم»، والأربعة الحرم هم «ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب»، وحرم فيها الله القتال وكان العرب يمتنعون عن القتال فيه . رمضان قبل الجاهلية نزلت فيه صحف إبراهيم الخليل ونزلت التوراة على موسى ونزل الإنجيل على عيسى عليهم السلام منزلة رمضان بين شهور السنة قال ابن الجوزى فى بستان الواعظين، مثل الشهور الاثنى عشر كمثل يعقوب وأولاده فكما أن يوسف أحب أولاده إليه كذلك رمضان أحب الشهور إلى الله، وقد خص الله تعالى رمضان بهذا الفضل لأسباب كثيرة أهمها نزول القرآن الكريم فيه، وبه ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، حيث قال تعالى:» ليلة القدر خير من ألف شهر ،تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هى حتى مطلع الفجر»، حيث نزل الوحى فى هذه الليلة على محمد صلى الله عليه وسلم، فقد هبط فيها جبريل عليه السلام على الرسول فى غار «حراء» قائلًا اقرأ، فالنبى قال ما أنا بقارئ، لكن جبريل قال ثانية اقرأ ويرد محمد ما أنا بقارئ فيقول له اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم». وليلة القدر يتحراها المسلمون فى العشر الأواخر لقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم «التمسوها فى العشر الأواخر» ولشهر رمضان فى التاريخ الإسلامى منزلة عظيمة وممتازة استمدها من اختصاصه بهذا النوع الروحى من العبادة فقد فرض فيه الصيام وسيلة لتأديب وتهذيب النفس وتهذيب الخلق والتعاون على البر والتقوى والتسابق فى الخير والمناصرة فى الشدة، كما لرمضان وضع خاص فى نفوس الشعر والشعراء وعلى مدى التاريخ أصبح رمضان ملهما لكافة ألوان الفن والثقافة، فقدم مطربو القرن العشرين عشرات الأعمال الغنائية التى تتغنى بالشهر الكريم أولها وأشهرها «وحوى ياوحوى» تلك التى غناها المطرب أحمد عبدالقادر وعمرة 14 عاما، سنة 1928، وظلت تذاع فى الإذاعات الأهلية إلى أن افتتحت الإذاعة المصرية فى 31/5/1934 فسجلها أحمد عبدالقادر، وهى من كلمات حسين حلمى المانستيرلى وألحان أحمد شريف وتذاع حتى الآن على مدى ما يقرب من مائة عام، ثم جاء المطرب محمد عبدالمطلب فقدم ثانى الأغانى الرمضانية وأشهرها على الاطلاق والتى تشعرنا بحلول شهر رمضان حقيقة فهى أغنية «رمضان جانا»، التى كتبها حسين طنطاوى ولحنها محمود الشريف وغناها فى بداية خمسينيات القرن الماضى، بعد ما يقرب من ربع قرن من «وحوى يا وحوى»، بعد ذلك توالت الأغانى الرمضانية مثل «أهو جه يا ولاد» و»هاتو الفوانيس» و»مرحب شهر الصوم» لعبد العزيز محمود، و»هلت ليالى» لفريد الاطرش، «والله لسه بدرى» لشريفه فاضل. فانوس رمضان يذكر التاريخ للفاطميين فى مصر تقاليد لا تنسى توارثها المصريون عبر الزمن، وأجيال وراء أجيال خاصة فى شهر رمضان المبارك، حيث يعيش المصريون ذلك الشهر وكأنه عيد من أعياد الشعب تضئ لياليه بالفرحه وتتألق مجالسهم بالأنس. وفانوس رمضان من الفنون التشكيلية، وهو يعادل عروسة المولد النبوى وهو جهاز بسيط صغير يقى مصدر الضوء من الريح أو المطر، وقيل إنه استخدم أيام الرومان و جوانبه كانت تصنع من القرون الرفيعة لحماية المشاعر الزيتية، وهذا النوع ظل يستعمل حتى العصور الوسطى، أما فى عصر النهضة فقد صنع من المعدن واستخدمت الفوانيس المصنوعة من الورق أو المنسوجات الرفيعة فى الشرق، وفى الشرق الأوسط استخدمت الفوانيس المصنوعة من النحاس وفى صدر الإسلام كانت الفوانيس تستعمل للإضاءة ليلا للذهاب إلى المساجد، ولم يتشكل الفانونس فى صورته التى نراها اليوم، إلا فى نهاية القرن العشرين بل قبل نهاية القرن التاسع عشر. وقد عرف المصريون فانونس رمضان فى يوم دخول المعز لدين الله الفاطمى القاهرة وكان ذلك فى يوم الخامس من رمضان عام 358 هجريا، حيث استقبله أهل القاهرة ليلًا فى موكب كبير، اشترك فيه رجالها ونسائها وأطفالها حاملين المشاعل والفوانيس، مرددين الهتافات والأناشيد، وبعد أن كانوا يستعملون الفوانيس للإضاءة لزيارة الأهل والأقارب والتردد على المساجد حملها الأطفال بعد الإفطار وحتى السحور، يطلبون به الهدايا التى بدأ الفاطميون الإصراف فى بذلها لنشر دعوتهم الجديدة، وأخذت تتأثر فيهم هذه العادة يومًا بعد يوم حتى أصبح الفانوس ملتصقًا برمضان وأصبحت هذه هى لعبة الأطفال يفتنون بها ويعدون لها الأناشيد، فمنهم من قال «أدونا العادة ربى يخليكم لبده وقلادة ربى يخليكم الفانوس طاقطق والشمعة ساحت»، كما اشتهرت أغنية «وحوى يا وحوى اياحا بنت السلطان إياحا «، وراح بعد ذلك الناس يفتنون فى إخراج هذه الفوانيس فى أشكال هندسية بديعة يستعملها الناس فى ليالى رمضان خاصة الأطفال. المسحراتى «وحدوا الله .. يا عباد الله ..اصح يا نايم وحد الدايم»، هذا النداء الحبيب الذى يطرق القلوب والأسماع فى الهزيع الأخير من كل ليلة من ليالى رمضان يوقظ النائمين ليتسحروا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن فى السحور بركة)، وكان المسلمون فى أيام الرسول(ص) لا يفطرون إلا على أذان بلال ويمتنعون عن الطعام بعد آذان ابن أم مكتوم عن عائشة رضى الله عنها أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر). وممن اشتهروا بالتسحير «الزمزى» فى مكة و»ابن نقطة» فى بغداد ، كان الأول يتولى التسحير فى صومعته بأعلى المسجد ومعه إخوان صغير، حيث كان يقول :»نياما قوما قوما للسحور»، فيردد الطفلان ما قاله ثم ينشد: أيها النوام قوموا للفلاح ..واذكروا الله الذى أجرى الرياح ..إن جيش الليل قد ولى وراح.. اشربوا عجلى فقد لاح الصباح .. تسحروا غفر الله لكم.. تسحروا فإن فى السحور بركة» اما «ابن نقطة» فقد كان يوقظ الخليفة الناصر فى بغداد وقد عرف ما يقال فى التسحير أيامه (بالقوما) من قوله (قوما تسحر قوما) فلما مات ابن نقطة ذهب ابنه وكان له صوت رقيق ووقف تحت قصر الخليفة ثم انشد: يا سيد السادات.. لك فى الكرم آيات..أنا ابن أبو نقطة.. تعيش أبويا مات». وأول من صاح فى مصر بالتسحير فى طرقاتها هو والى مصر عنتبه ابن اسحق عام 238 هجرية وكان يخرج بنفسه ويسير على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط إلى جامع عمرو وكان ينادى فى طريقه بالسحور صائحا عباد الله تسحروا فإن فى السحور بركة وأهل مصر أول من سحر على الطبلة، وأهل الاسكندرية كانوا يسحرون بدق الأبواب بالنبابيت، اما أهل الشام فكانوا يطوفون على البيوت يسحرون بالعزف على العيدان والطنابير والصفافير كانوا يرددون أمثال هذه الأهزوجة: رب قدرنا على الصوم ..واحفظ ايمانا بين القوم ..وارزقنا اللحم المفروم..عبدك ما ايله اسنان». ومن عادات وتقاليد رمضان فى الجيل الماضى أن يمر المسحراتى ينشد المواعظ سكان الدار فردا فردا مناديا عليه بأسمائهم ، ومن أشهر ما قيل فى التسحير فى الجيل الماضى ما قاله الشيخ محمد النجار ومطلعه: ثبت هلال رمضان وقالوا صيام .. لرؤيته والشك زال باليقين ..احياكم المولى إلى كل عام ..وكل عام وانتم بخير طيبين». الكنافة والقطايف والشعر العربى من معالم شهر رمضان المبارك إقبال الناس على تناول الكنافة والقطائف وقد عرفت الكنافة والقطائف منذ زمن بعيد، و قيل إنها قدمت أول ما قدمت لسليمان بن عبد الملك ليتسحر بها وكان ذلك فى أول المائة الثانية من الهجرة وقد صنعها له طهاة حلب، ولعل حب الناس للكنافة والقطائف حب توراثه الآباء عن الأجداد وقد احتلت الكنافة والقطائف مكانا ملحوظا فى ديوان الشعر العربى فقد كانت من انواع الحلوى التى قلما تخلو منها موائد الصائمين فى رمضان ايام الفاطميين. ولم يقف حديث الأدباء والشعراء عن الكنافة عند حد وصف موائدها بل تعدى ذلك الى الحب.. حب الكنافة والهيام بها والتغزل فيها حتى صار لها من العاشقين من خلد ذكرها وخلدته. فكما أحب قيس لبنى وتدله جميل فى حب بثينة وتغنى ابن زيدون بولادة: أحب ابو الحسين يحيى الجزار الكنافة حبا ملك بطنه وكل مشاعره تغزل فيها، وهام بحب صوانيها، وكان هذا الشاعر ينتظر رمضان لا ليزكى ولا ليصوم ولكن ليملأ الدنيا غزلا فى كنافه . ولقد ردد الناس شعره فى الكنافة وتناقلوه فى أنديهم وشغلت المحافل كلها بما كتبه العاشق الولهان فى الكنافة فهى فتاة أحلامه وهى المعشوقة التى تتأبى عليه وترميه بالغدر وهو المعذب الحائر الذى يتعجب كيف تتهمه بذلك وهو الحافظ للود الأمين على العهد فهى الحبيبة التى ملكت عليه مشاعره. ومالى أرى وجه الكنافة مغضبا ولولا رضاها لم أرد رمضانها عجبت لها فى هجرها كيف أظهرت على جفاء صد عنى جفانها ترى اتهمتنى بالقطائف فاغتدت تصد اعتقادها ان قلبى خانها ومذ قاطعتنى ما سمعت كلامها لان لسانى لم يخاطب لسانها حتى إذا مازالت الدولة الأيوبية التى كانت تحب الأدب وتعطف على الشعراء وتجزى النابهين منهم وجاءت دولة المماليك البحرية من الأعاجم الذين لم يرحبوا بالشعر والشعراء، لم يجد ابو الحسين بغيته فى الكنافة فراح يبكى لياليها الغر الحسان سقى الله اكناف الكنافة بالقطر وجاد عليها سكرا دائم الدر وتبا لايام المخلل انها تمر بلا نفع وتحسب من عمرى ولى زوجة ان تشترى قاهرية اقول لها ما القاهرية من مصر فلما ضاقت الدنيا به ذرعا ورأى ابواب الحكام موصدة دونه ارسل لاحد اصدقائه الموسرين الذين مازالوا على عهدهم به ويدعى شرف الدين قائلا: ايا شرف الدين الذى قبض جوده برائحته قد أخجل الغيث والبحرا لئن أمحلت ارض الكنافة اننى لأرجو لها من سحب راحتك القطرا فعجل بها جودا فمالى حاجة سواها نباتا يثمر الحمد والشكرا وقد ظل الناس على حبهم للكنافة والقطايف وظلت الكنافة والقطايف من اهم ما يقدم للصائمين فى رمضان فى موائد الافطار حتى اليوم حب توارثه الابناء عن الآباء هات القطائف لى هنا فالصوم حببها لنا قد كان يأكلها ابى واخى واكرهها انا لكننى مذ ذقتها ذقت السعادة والمنى .