"وحوي يا وحوي، حالو يا حالو، المسحراتى، المدفع، الكنافة ، القطائف" عادات ارتبطت بشهر رمضان الكريم وتوارثها الشعب المصرى دون أن تعرف الأجيال الحديثة ماهية هذه العادات والكلمات ولماذا يتم استخدامها خاصة فى هذا الشهر. والغريب والمدهش أن أغلب هذه الكلمات ليست عربية وإنما استمد بعضها من اللغة الفرعوينة القديمة والبعض الآخر من اللغة الشركسية والبعض من العربية، و مزجها الشعب المصرى جمعيها لتصبح عادات أساسية فى شهر رمضان. وحوي يا وحوي "وحوي يا وحوي، إياحه" كتبها الشاعر حسين حلمى المانسترلى، وتغنى بها الشعب المصرى وأصبحت تعبيرًا عن الفرحة الرمضانية، ورغم أن هذه الأغنية حديثة نسبيًا إلا أن أصل كلماتها يعود إلى مدينة طيبة فى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، عندما قدمت الملكة "إياح حتب" زوجها و أبنها الأكبر هدية للوطن وحثتهم على النضال من أجل طرد الهكسوس الغزاة، ولكن لقي الاثنان مصرعهما ومع ذلك لم تضعف عزيمتها وإنما حثت ابنها الصغير أحمس على استكمال مسيرة أبيه وأخيه وخرجت معه تتفقد الجيش فى الحروب وتشد من عزيمة الشعب بتفريق الحلوى على الأطفال. كانت تلك الأعمال سببًا رئيسيًا فى انتصار أحمس و تحريره لأرض مصر، ما جعل الشعب المصرى يرد لها الجميل، فقد خرجوا فى استقبالها واستقبال الجيش المنتصر حاملين الشموع والمصابيح ومرددين"وحوي يا وحوي،إياحه"، حيث إن كلمة "وحوي" تعنى (أهلا) و" إياحة" يعنى (الاسم الدلع للملكة إياح حتب)، ويكون مجمل الكلمة "أهلا إياحة". وفيما يخص سر ارتباط هذه العادة برمضان، فهو المعنى لاسم "إياحة" الذى يعنى قمر الزمان، ومن هنا اعتاد الشعب المصرى عبر العصور على استقبال أى مناسبة بترديد هذه الكلمات خاصة المناسبة الرمضانية التى يعتمد صيامها على رؤية هلال الشهر، ويعنى ذلك "أهلا رمضان"، ويقول بعض الباحثين أن الكلمة لها أصل قبطى، فكلمة "وحوي" أى اقتربوا وكلمة "إياحة" تعنى هلال الشهر، والمقصود بها "اقتربوا لرؤية هلال الشهر" ، وذكر المؤرخون أن ذلك لا يتعارض مع الأصل الفرعونى للكملة لأن اللغة القبطية مستمدة من اللغة الفرعونية القديمة والكثير من الكلمات متشابهة. حالو يا حالو قدّمت الفنانة نيللي في فوازير الخطبة عام 1981 أغنية "حالو يا حالو" التي اختلف كثيرون حول معناها، فمنهم من يرى أنّها كلمة عربية أصلها فعل الأمر "حلو" من "حلوى"، في حين يؤكد باحثون أنّها كلمة قبطية تعني "افرح يا شيخ". وكان يتم استخدام هذه الكلمات لوقت قريب جدًا، فكان الأطفال يذهبون للمنازل ويرددون"حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو ادينا بقشيش ليروح ما يجيش يا حالو" أى اعطنا الحلوى بمنزلك وإذا لم يكن معك فاعطنا بعض المال بديلا عنها وإلا ستذهب بركة رمضان عنك، وكان الأهالى يتجاوبون مع الأطفال ويخرجون ما لديهم من حلويات ليعطوها إياهم. المسحراتى ومن أكثر المظاهر التى ارتبطت بشكل مباشر برمضان هو "المسحراتى" ،الذى يوقظ الناس ليتسحروا ويستعدوا لصلاة الفجر، ورغم ندرة هذه العادة أو ضعفها إلا أنها ما زالت مستمرة إلى الآن فى مصر، وفى صدر الإسلام كان بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وابن أم كلثوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور، فالأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام. وأول من نادى بالتسحير "عنبسة ابن اسحاق" سنة 228 ه وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص ينادى النّاس بالسحور، وأصبحت عادة أساسية فى العصر الفاطمى فكانوا يوقظون الناس بطرق العصا على أبواب المنازل. مدفع رمضان ولعل هذه العادة تحمل فى طياتها الكثير من الغرابة، فلم يكن الجندى الذى يحاول أن يجرب المدفع الألمانى الذى استوردته مصر فى عهد محمد علي، يتصور أن تدفعه مصادفة إطلاقه للمدفع مع أذان المغرب فى شهر رمضان إلى أن يصبح عادة رمضانية مصرية دائمة، فقد ظن الناس أن هذا المدفع يطلق لينبهم بميعاد الفطار. وكان أول مكان استقبل مدفع رمضان قلعة صلاح الدين بالقاهرة ومن ثم أمر الخديوى عباس والى مصر عام 1853 بوضع مدفع آخر يطلق من سراي عباس بالعباسية، ثم أمر الخديو إسماعيل بمدفع آخر ينطلق من جبل المقطم حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة وفى الإسكندرية تم وضع مدفع بقلعة قايتباى. مأكولات رمضانية اشتهر المصريون خلال شهر رمضان بأكل نوعين أساسيين من الحلويات، ومن ثم أصبحت هذه العادة ركيزة أساسية فى وجبات الدول العربية الأخرى، وبالرغم من اختلاف المؤرخين على أصل هذه الحلويات وهل هى مصرية أم شامية إلا أن الجميع أكدوا أنها عربية الأصل. ومن أشهر الحلويات القطائف وأول من أكلها في رمضان كان الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (سنة 98 ه) وفي روايات أخرى تعود القطائف للعصر الفاطمي حيث كان يتنافس صنّاع الحلوى لتقديم ما هو طيب من الحلويات، وقد ابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل مزينة في صحن كبير ليقطفها الضيوف، ومن هنا سميت القطائف. كذلك الكنافة التى يذكر بعض الباحثين أن أصل كلمة كنافة (تشنافة) وهي في اللغة الشركسية تتكون من كلمتين تشنا (البلبل) وفه (لون ) أي تعني لون البلبل، مبينين أنها كانت عادة شركسية واستمدها العرب بعد ذلك، وراح العديد من الدول أن تنكر الأصول العربية لهذه المأكولات وتبارت العديد من المواقع الإسرائيلية لتدلل على أن الكنافة ليست عربية كما يشاع وأن أصلها شركسي. أنكر بعض المؤرخين ما تحاول اسرائيل وتركيا ترويجه، بأن أصول هذه الأكلات ليست من التراث العربى، وأثبت المؤرخون أن الكنافة والقطايف هي طبق عربي قديم, وليست شركسية، وكانت تسمى ب "كنافة معاوية" لشدة حب الخليفة معاوية بن أبى سفيان لها، وأرجع البعض قصتها إلى أن الخليفة كان لا يقوى على مواصلة الصيام لحبه الشديد للأكل وطلب من طبيبه الخاص أن يصف له وجبة تساعده على تحمل الصيام، وأشار عليه بتناول الكنافة. كما اشتهرت الكنافة فى العصر الأموى خاصة في شهر رمضان, وقال أبو الحسين الجزار، أحد عشاق الكنافة والقطائف فى الشعر العربي إبان الدولة الأموية: "ومالي أرى وجه الكنافة مُغضباً .. ولولا رضاها لم أرد رمضانها تُرى اتهمتني بالقطايف فاغتدت .. تصُدُ اعتقاداً أن قلبي خانها". وتغنى بها أيضا الكثير من شعراء العرب فى العصر العباسي والأموى، و فى أحد أبيات الشاعر المصري ابن رفاعة نائب الأمير ناصر الدولة في الكنافة قال: "وافي الصيام فوافتنا كنافته .. كما تسنمت الكثبان من كثب" .