يستقبل المسلمون فى جميع أنحاء العالم رمضان هذا العام فى وقت يواجه فيه الجميع أزمة بسبب انتشار فيروس كورونا، وتوقف العديد من النشاطات الاقتصادية، الأمر الذى اعتبره العلماء فرصة لتحقيق ترشيد الاستهلاك الذى يعد واجبا من الواجبات فى وقت الأزمات. فمن جانبه يؤكد د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن ديننا الحنيف ينهى عن الإسراف والتبذير فى كل شيء، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا»، ويقول سبحانه وتعالى: «يَا بَنِى آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» كما يقول سبحانه وتعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»، ويقول على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام): «تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ» (يوسف: 47)، فهى دعوة إلى زيادة الإنتاج من خلال العمل الجاد الدءوب وإلى ترشيد الاستهلاك إلى أقصى درجة ممكنة، حيث قال الحق سبحانه: «إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ» ولم يقل إلا ما تأكلون. ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «كلوا واشربوا، والبسوا وتصدقوا، فى غير إسرافٍ ولا مخيلةٍ». وحول اعتياد البعض على الإسراف فى الصوم رغم قدوم رمضان وقت أزمة يوضح د. جمعة أن النهى عن الإسراف والتبذير جاء عامًّا ليشمل الإسراف والتبذير فى الإنفاق، وفى سائر وجوه الاستهلاك فى الطعام والشراب واللباس، واستهلاك الكهرباء والغاز، وكذلك الإسراف فى الماء، فعَنْ سيدنا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو (رضى الله عنهما) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ): « مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: (مَا هَذَا السَّرَفُ؟) فَقَالَ: أَفِى الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» (رواه ابن ماجة). أضاف أن الأمر بالترشيد والنهى عن الإسراف جاء عامًّا للفقير والغنى على حد سواء، فى الندرة والوفرة بلا تفصيل ولا استثناء، وانه إذا كان ترشيد الاستهلاك مطلوبًا كنمط حياة، فإن الأمر يكون ألزم وأولى فى أوقات الشدائد والأزمات، بل إن الأمر لا يقف عند حدود ترشيد الاستهلاك فحسب، إنما يتطلب أمرين آخرين الأول: البعد عن الأثرة والأنانية والشره فى شراء السلع وتخزينها فوق الحاجة الضرورية، مما يتسبب بالطبع فى شحها ورفع أسعارها وضرر الآخرين، بل ضرر الجميع، والقاعدة الفقهية الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار، وقد قالوا: أنت حرٌّ ما لم تضر. أضاف أن الأمر الآخر: هو أن أوقات الشدائد والأزمات تتطلب الإيثار لا الأثرة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الحشر: 9)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا فى الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم فى ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم فى إناء واحد بالسويّة، فهم منى وأنا منهم». الدكتورة سعاد صالح الأستاذ بجامعة الأزهر توضح من جانبها أنه ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - العديد من الأحاديث التى تبين آداب الشهر الفضيل، ومن أهمها عدم الإسراف والتبذير، وتحقيق أعلى درجات الزهد، وكذلك ترك السب والقذف والفسوق، وهذا ما يُبح صوتنا فى التنبيه عليه كل عام، وهى فى هذا العام أوجب مع وجود ازمة كورونا، الذى يجعل من الاقتصاد وعدم التبذير امر واجب. وشددت على أن من يرد تحقيق الثواب الكبير فى شهر الصوم فى تلك الظروف الاقتصادية، والأزمة التى نواجهها حاليا بسبب كورونا أن يتبع تطبيق قيم رمضان ومن تلك القيم ترشيد الاستهلاك. واختتمت قائلة: «الاصل الترشيد والوسطية فى استهلاك الموارد لاسيما أن رمضان يستهدف نشر الترشيد وفى تلك الازمة ينبغى تطبيق هذا الاصل الرمضانى الذى اصبح من الواجبات العاجلة».