هذه الصناعة لا تحتاج إلى ذكاء صناعى، أو تكنولوجيا معقدة ولا تحتاج أيضًا إلى رأسمال ضخم، فهى صناعة تعتمد على ثقافة الشعب وعلى قدرة الإدارة فى تنمية الصناعات الحرفية ذات العائد الضخم، وهذه الإدارات تتمثل فى التعليم الابتدائى، والصناعى، وكذلك فى المحافظات التى اشتهرت بها بعض القرى والمدن بحرفة صناعة النسيج. ولعلنا نتذكر قليلاً من الماضى فى مدارسنا زمان، حيث نقتنى صندوقاً من الورق المقوى وكان فى الغالب مخصصاً لتعبئة السجائر (الفرط) وكنا نثقبه من أعلى بعدة ثقوب، ونفرشه بأوراق شجر التوت الخضراء الطازجة، ثم توضع عليها (دود القز) حيث تتغذى عليه، وكانت فرحتنا باقتناء «دود القز» وتربيته ونشاهد عملية التحول من «دودة» إلى «شرنقة» حيث تفرز «الدودة» خيطها من فمها وبعد تكون «الشرنقة» فترة من الوقت نجد فراشة بداخلها تقوم بثقبها، وكنا نتدرب فى المدرسة على وضع «الشرانق» فى ماء دافئ لإنهاء حالة الالتصاق الصمغية حول شعر الحرير. وكان شجر «التوت» منتشراً فى شوارع القاهرة القديمة وفى حدائق المدن، مع شجر «الجميز» الذى كان ينتشر فى قرانا، وكانت تلك الأشجار ذات قيمة عالية جداً فى إنتاجها وفى فوائدها، وفى إحدى زياراتى لمدينة «جاوة» فى إندونيسيا ضمن وفد مجموعة (الخمسة عشرة) وهى مجموعة اقتصادية مشتركة فيها مصر على غرار «الكوميسا» وكان لمصر حظ نيل منصب مدير المجموعة الاقتصادية، ووجدنا أن صناعة الحرير فى هذه البلاد تتم فى (المنازل) كما كنا نفعل ونحن تلاميذ صغار، ولكنهم إستخدموها بطريقة اقتصادية ضخمة، وأصبحت هناك مدن كاملة لإنتاج الحرير الطبيعى وتصنيعه (أقمشة) على أنوال يدوية ونصف يدوية، كما كان ذلك أيضاً مشهوراً عن بلاد الصين، حيث يصدرون لجميع بلدان العالم، ولعل التاريخ يذكر «طريق الحرير العظيم» الذى كان يربط التجارة ما بين جنوب شرق آسيا، والهند، وإيران، وسوريا، والشام، ومصر حتى شمال غرب إفريقيا وهو من أشهر الطرق التجارية فى العالم القديم وسمى باسم المنتج الأكثر فيه وهو «الحرير الطبيعى» والسؤال اليوم: ما المشكلة أمام المصريين لإنتاج «الحرير الطبيعى»؟ سؤال يجب أن نوجهه لوزراء الزراعة والصناعة والتجارة وأيضاً وزير التعليم، الذى قرأت له تصريحاً غريباً، بأنه يدرس إضافة عام دراسى للثانوية العامة للتأهيل لدخول الجامعات! شىء من العبث – يارب استرها ويرحل سيادته عن الحكومة قبل استصدار مثل هذا القرار الخائب! نعود للحرير – حيث يجب أيضاً أن نوجه نظر المحافظين فى محافظات كفر الشيخ (حيث مدينة فوه) ومحافظة قنا (حيث مدينة أخميم) مركز صناعة «الفركة» السودانى من الحرير (سابقاً) وأيضاً محافظة الشرقية (قرية أبو شعرة) ومحافظة الغربية (مدينة المحلة الكبرى) (وسمنود)، وأيضاً محافظة الوادى الجديد (مركز الباشندى وبلاط ) ومحافظة الجيزة (مدن الباويط والعجوز والحارة ومنديشا والزابو والقصر)، وبالمناسبة أراهن أن يكون هؤلاء المحافظون المتولون مناصبهم كمكافأة نهاية خدمة عن وظيفة سابقة، أراهن أن يعلموا أين تقع هذه المناطق من محافظاتهم إلا قليلاً، حيث «أحمد زين العابدين» محافظ كفر الشيخ بدأ برنامج تنمية «لفوه» مع كلية الفنون التطبيقية – جامعة حلوان – منذ أكثر من عام. ولعل أحداً من مسئولى الصندوق الاجتماعى يقرأ مثل هذا المقال المتواضع لعل وعسى، بس لو فيه نفس كان زمانا بقينا أحسن من «الصين وإندونيسيا»، الله يرحمنا ويرحم أحلامنا!