لن نكل أو نمل، لن نرحل أو نستسلم.. كانت هذه خلاصة مقابلات عدة مع بعض معتصمى ميدان التحرير. عندما وطأت أقدامنا الميدان كان خوفنا مما سمعناه من انتشار البلطجية وفتيات الليل واللصوص، حتى أننا تصورنا اننا سندخل إلى احد المشاهد البوليسية المرعبة، ولكن سرعان ما تبددت مخاوفنا عندما اقتربنا لنجد أنفسنا أمام شريحة من أهل مصر من شباب يافع وفتيات مشرقات. عندما تجولنا داخل الخيم تفاجأنا أنهم أبناء مصر المصابون الذين لم يفلحوا بعد فى مقابلة المسئول وبعض من شباب الجامعات المكلومين على فقدان زملائهم، وبين الحين والآخر يقابلك الباعة الذى يصدق عليهم وصف البؤساء، وبعض الحرفيين الذين وزعوا لقيماتهم بين زملائهم فى الخيم وذويهم فى البيوت. ناهيك عن وجبات الكنتاكى التى لا تتجاوز الجبن والحلاوة، اختلفت وجهاتهم ما بين بحرى وقبلى وتنوعت اهتماماتهم وتدرجت مستوياتهم التعليمية.. ولكنهم اتفقوا جميعا على الاستمرار فى الاعتصام ما بين تحمل البرد القارس والجوع وهجوم البلطجية ليرفعوا شعار «الصمت لا يعنى النسيان فالأرض صامتة وبجوفها بركان». احتضنونا وصارحونا ليسألونا بدلا ان نسألهم: لماذا تهاجموننا وتصموننا بعدما كنا ُنرفع على الأعناق؟ لماذا تكاتف الجميع علينا على الرغم من اننا نحارب الطوفان من اجل مصلحة الجميع ؟ بينما تتصارع الأحزاب والقوى السياسية على كعكة مجلس الشعب ويتنافر البعض الآخر يبقى اشخاص لا يطمعون فى جزء من «الكعكة».. وتتلخص أحلامهم فى مستقبل أفضل للأجيال القادمة.. ومن أجل ذلك لا يكلون ولا يملون من المبيت فى العراء تحت خيام بسيطة من القماش.. لتطاردهم لسعة البرد فضلا عن محاصرة البلطجية والتهديد الدائم لحياتهم.. هكذا يعيش المعتصمون بالميدان الذين نتحاور معهم لعرض وجهة نظرهم ورؤيتهم كاملة. دينا.. تتمسك بالاعتصام حتى يعود حق الشهيد وبجوار إحدى الخيام جلست «دينا» الطالبة بالسنة الأولى بكلية الهندسة تمسك جهاز لاب توب تجمع عليه صوراً لجميع الأحداث التى مرت بها الثورة فى ميدان التحرير وشوارع محمد محمود ومجلس الوزراء لتقوم بمعاونة المعتصمين بعرضها على شاشة عرض كبيرة لزوار الميدان مساء يوم الخميس الماضي، كما إنشغلت أيضا بكتابة أشعار وخواطر متأثرة بالمشهد من حولها فى الميدان، وطعامها لا يبتعد عن سندوتشات الجبنة والحلاوة التى تعتبر الغذاء الأساسى للمعتصمين. دينا لا تخاف من النزول إلى الميدان رغم تواجد البلطجية وتهديداتهم المستمرة.. ولذلك تخفى ذلك عن أهلها وتقسم وقتها ما بين دراستها التى اقترب موعد امتحاناتها وبين البقاء فى الميدان والعودة لمنزلها لمذاكرة المواد الدراسية حتى لا تقصر فى دراستها.. وإن كانت لا تغيب عنها صورة زميلها بالجامعة الذى خطفه الموت من بين أصدقائه خلال تواجده بميدان التحرير وهو ما يحفزها للبقاء فى التحرير للمطالبة ب«حق الشهيد» الذى قتل لأنه يدافع عن حقه فى الحرية والعدالة الاجتماعية. مقاومة شديدة للبلطجية وفرحة بأهالى العباسية أكدت «دينا» أن المعتصمين لديهم رغبة أكيدة فى إبعاد أى صورة سلبية عنهم ولذلك قاموا بتنظيم الخيام المنصوبة فى الصينية التى تتوسط الميدان لتكون بعيدة عن تلك التى سكنها البلطجية كما قاموا بعمل سياج حولها، وأشارت إلى قيام لجان شعبية بتنظيم الدخول إلى أماكن خيام الاعتصام بعد رؤية بطاقة الرقم القومى لمحاربة وجود المندسين من البلطجية الذين يسلمهم الثوار لقوات الجيش ولا يمر وقت طويل حتى تعود نفس الوجوه لمهاجمتهم مرة أخرى. إلا أن بعض الباعة كما أوضحت أمكن التفاوض معهم وإقناعهم بالابتعاد عن مكان الاعتصام وإن كان الأمر يحتاج إلى المزيد من الإقناع، كما أكدت سعادتها بالوقفة التى نظمها أهالى العباسية الحقيقيون كما قالت عنهم.. الذين انتفضوا لرفع الوصم عن أنفسهم مؤكدين أن من يتظاهرون بميدان العباسية ليسوا منهم. الاجتماع الأول ل«الحرية المصرية» وتعتبر ظهور ما يقرب من 160 ائتلافا سياسيا نجاح للثورة و لكنها تؤكد على أهمية اتحاد هذه الائتلافات فى ائتلاف واحد يجمعهم تحت مسمى «الحرية»، وقالت إن ائتلاف «الحرية المصرية» الذى تعتبر أحد أعضائه سوف ينظم اليوم وقفة احتجاجية بالملابس التى تحمل شارة سوداء للمطالبة بالقصاص للشهداء. كما تؤكد أنها تعتبر يوم 25 يناير القادم ثورة ثانية مؤكدة توقعها أن الشباب لن يتركوا الميدان هذه المرة إلا بعد تحقق مطالب الثورة.. فالتغيير لم يحدث بل على العكس تم «تغييب وعى الناس» على حد وصفها، كما أن تأخر المحاكمات والصور المستفزة لها التى تخرج بها وسائل الإعلام لتثير كوامن الشعب بدلا من أن تبرد ناره.. علاوة على الهمجية التى تقابل المتظاهرين وبالأخص الفتيات اللاتى تم سحلهن فى أحداث مجلس الوزراء، فضلا عن تأخر حصول المعاقين على حقوقهم والذين زادت أعدادهم بسبب مصابى الثورة الذين فقدوا أعينهم و أعضاء من أجسادهم و لم يحصلوا على أى تعويضات، وقالت أيضا إن العديد من الائتلافات الشبابية بجامعة عين شمس تنوى المشاركة فى ذكرى الثورة الأولى وقد ينضم الأساتذة للطلاب. الشباب يتصدى لحريق القاهرة الثانى! كما أضافت «دينا» أن الشائعات بما يعرف ب«حريق القاهرة الثاني» دفعتها وزملاءها لوضع خطة لتأمين مداخل ومخارج الميدان قبل ذكرى الثورة بأيام حتى لا يحدث المزيد من أعمال التخريب التى يتم نسبها للثوار. عندما سألنا «دينا» عن رأيها فى المبادرات التى تدعو لتعليق الاعتصام وإعطاء الفرصة للحكومة الجديدة.. قالت كيف نترك الميدان أداة الضغط الوحيدة بدون أن تتحقق مطالبنا وأهمها تسليم السلطة للمدنيين ومحاسبة قتلة الثوار. حكومة فاشلة من جانبه أشار علاء الشربينى -مبلط سيراميك- من المنصورة انه معتصم منذ أحداث محمد محمود فكل ما حدث مجرد تمثيلية على حد قوله حتى الانتخابات التى أجريت مجرد مسكن لإيهام الشعب أن للثورة اى نتائج، كذلك اختيار الجنزورى رئيساً لحكومة الإنقاذ الوطنى فاشل، والدليل على ذلك ان اختياراته للوزراء جاءت مخيبة للآمال متسائلا: لماذا تجاهلوا فكرة تعيين مساعدين للوزراء من الشباب.. مشيرا انه كحرفى لا يسعى لاى مكسب شخصي، إنما يهدف لرد حق الشهداء وتحقيق الحرية على ارض الواقع.. والذى تأكد انه وهمى بعدما اهان المجلس العسكرى الفتيات وسحلوا السيدات وقتلوا الأطباء ولم يرحموا الشيوخ فأين الحرية؟ معسكر لأطفال الشوارع ورفض علاء وصفهم بأنهم بلطجية.. مشيرا إلى انهم قاموا بتسليم بلطجى للجيش منذ ايام قائلا: فوجئنا بميكروباص ملىء بأطفال الشوارع يندس بيننا وعلى الرغم من ذلك، استقبلناهم وأقمنا معسكراً لتحفيظهم القرآن.. وقام اهل الخير بتوزيع الملابس عليهم والمأكولات، ونجحنا فى اعادة طفل لأسرته وشعروا بأننا أسرهم فأصبحوا مننا.. فأين دور الحكومة؟ واختتم علاء حديثه: اننى لن ارحل الا بعد حل مشكلة مصر.. خاصة اننا رفضنا عروضاً لحل مشاكلنا الشخصية وهذا هراء لأن دم الشهداء لن يذهب سدى.