وسط توقعات بأن يكون عام 2102 «تسونامى الاقتصاد المصرى» رغم جميع الآمال المعقودة على عام 2012 الذى ينتظر فيه البعض متفائلين بتغيير الخريطة السياسية لمصر وعودة الاستقرار للبلاد فإن هناك آخرين ما زالوا متشائمين من تفاقم الاوضاع وتدهور الأمور... الجدل سيد الموقف على الساحة السياسية ولكن على جانب الاقتصاد فإن الرؤى موحدة والافكار متقاربة بين خبراء اختلفت توجهاتهم الاقتصادية، ولكن بقى الاساس الاقتصادى واحداً فالغالبية متفائلة من انعكاسات ايجابية على الساحة الاقتصادية الا أن جميعهم اجمعوا على أن عام 2012 سيكون عام الأزمة بحق والاصعب على الاقتصاد المصرى حيث ستتلقى جميع القطاعات الاقتصادية صدمات عاجلة ومهمة لانعاش قلب الاقتصاد المتوقف ورغم اهمية تلك الصدمات الا أن اثرها سيبدأ فى الظهور اواخر عام 2012 واوائل 2013 حيث انفراج الأزمة والخروج من عنق الزجاجة . وطرح الخبراء الصعوبات الاقتصادية التى تواجه الحكومة خلال العام الجديد وروشتة حلها من مقترحات قابلة للتطبيق لزيادة الموارد والخروج من ضائقة عجز الموازنة العامة للدولة من جراء ارتفاع النفقات مقابل تراجع الايرادات لمدة عام كامل. وتواجه الحكومة تفاقم الدين العام والذى سجل 1019 تريليون جنيه فى سابقة هى الاولى من نوعها بسبب قيام الحكومة بالتوسع فى الاقتراض المحلى لتلبية الاحتياجات التمويلية المختلفة فى ظل تراجع معدلات النمو بالقطاعات المختلفة. وزارة المالية اكدت أن مصر تشهد تغيرات سياسية مهمة منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 ومن المتوقع أن تؤدى هذه التطورات إلى تحسن ملموس فى كفاءة وشفافية السياسة الاقتصادية مما سيؤثر حتماً على الأحوال المعيشية للمواطنين المصريين. إلا أن هذه التطورات سواء على الساحة المحلية أو الإقليمية سوف تضع فى نفس الوقت تحديات كبيرة أمام الاقتصاد المصري، غير انه من السابق لأوانه تحديد حجم الأثر على النواحى الاقتصادية والمالية بشكل كبير. وحددت الوزارة أهم التطورات متمثلة فى تسجيل معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الاجمالى خلال السنة المالية 2010/2011 إنكماشا ليبلغ 1.8% مقارنة ب5.1% خلال 2009وذلك تأثرا بأحداث الثورة وتداعيتها على الاقتصاد المصرى وارتفاع نسبة الدين المحلى لأجهزة الموازنة العامة ليصل إلى 64.9 من الناتج المحلى فى نهاية سبتمبر 2011 ليسجل 1019.6 مليار جنيه مقارنة ب63% فى نهاية سبتمبر العام الماضى بينما انخفضت نسبته مقارنة ب 70.5% فى نهاية يونيو 2011 ورغم التراجع الكبير الذى حققه الاقتصاد المصرى الا أن المؤشرات فى تحسن كبير بما يبشر بالخروج من الأزمة حيث تحسن اداء الصناعة التحويلية والتى تشكل نحو 28% من الإنتاج المحلى. وقد ساهم أيضا فى تحسن أداء الربع الرابع من العام المالى الماضى وتحول معدلات النمو فى العديد من القطاعات من قيم سالبة فى الربع الثالث إلى قيم موجبة فى الربع الرابع ومن أهمها التشييد والبناء، والنقل والتخزين، وتجارة الجملة والتجزئة، والوساطة المالية، والتعليم، والصحة. بالإضافة إلى تواصل النمو الإيجابى فى عدد من القطاعات أبرزها قناة السويس، والأنشطة العقارية، والزراعة، والتأمين، وتصاعد الاستثمارات الخاصة (والتى تمثل 55% من الاستثمارات الكلية) خلال الربع الرابع على الرغم من انخفاض اجمالى الاستثمارات. وتشير بيانات الموازنة العامة للدولة عن الفترة يوليو-أكتوبر من العام المالى 2011/2012 إلى انخفاض طفيف فى نسبة العجز الكلى للناتج المحلى الإجمالى وذلك بحوالى 0.3 نقطة مئوية ليبلغ 3% من الناتج، محققاً 47.2 مليار جنيه 2011. ويأتى مقارنة ب44.8 مليار جنيه خلال الفترة يوليو-أكتوبر 2010 ذلك كمحصلة لارتفاع الإيرادات العامة بنسبة أكبر من المصروفات وعلى جانب الإيرادات، فقد سجلت جملة الإيرادات ارتفاعاً بلغ 22.5% خلال فترة الدراسة، لتصل إلى 64.1 مليار جنيه مقارنة ب52.3 مليار جنيه خلال يوليو- 2011. ويرجع ذلك إلى ارتفاع الإيرادات غير الضريبية فى أكتوبر 2010 .بنسبة بلغت 95.2%، بالإضافة إلى ارتفاع الإيرادات الضريبية ب3.4% . ورغم التحسن الطفيف فى المؤشرات الا أن الخبراء اجمعوا على أن العام المقبل سيكون عام الأزمة الاقتصادية فى مصر. وتؤكد د. عالية المهدى استاذ الاقتصاد أن هناك مجموعة من التحديات الكبيرة التى تواجه الحكومة للعودة بالاقتصاد المصرى لمعدلات النمو مرة اخرى تتمثل فى عودة الامن كأكبر تحد يواجه الحكومة فى الوقت الراهن والذى على اساسه ستنشط باقى القطاعات الاخرى فضلا عن نقص الاستثمارات من اهم التحديات التى تواجه الحكومة لذا يجب على الحكومة اختيار وزير استثمار جيد لوضع قائمة بكل انواع المشروعات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة والقيام بالتسويق لها على جميع المستويات. واقترحت المهدى قيام الحكومة بالاعلان عن حزم لتحفيز الاستثمار من خلال اقرار اعفاء المشروعات الصغيرة التى سيتم انشاؤها لمدة عام مع اعفاء اى مشروع قائم يقوم بتوسعات رأسمالية من الضرائب على التوسعات الجديدة لمدة عام وبذلك لا تؤثر على الحصيلة الضريبية لافتة إلى انه سيتم تفعيل قانون الشراكة مع القطاع الخاص حيث لن تستطيع الحكومة اتمام جميع الاستثمارات وحدها فضلا عن انه احد اهم القوانين. وعن كيفية توفير موارد سريعة قالت انه على الحكومة القيام ببيع رخص محمول واراض لتوفير موارد مع تقليل دعم الطاقة والذى يمكن أن يوفر 40 مليار جنيه مع الغاء الدعم على الغاز والصناعات الكثيفة. اشارت إلى انه من اهم الصعوبات التى تواجه الحكومة فى العام الجديد ارتفاع معدل البطالة من خلال آليات تضمن سرعة تلافى تلك الأزمة التى يهدد انفجارها المجتمع بأكمله. فيما يؤكد د. محمد عبدالعزيز حجازى الخبير الاقتصادى أن عام 2012 سيكون عام الأزمة الفعلية على الدولة حيث تواجه الحكومة ازمة تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة والذى من المتوقع أن يرتفع إلى 180 مليار جنيه واذا انخفضت بعد ترشيد الانفاق العام والذى يمكن أن يوفر مليارات الجنيهات من عجز الموازنة فضلا عن أن خطة تخفيض مرتبات ومكافآت العاملين على مستوى الادارة العليا وشركات قطاع الاعمال العام مع توفير جميع القطاعات الاستشارية واعداد المستشارين فى الجهات الحكومية المختلفة. ويقترح حجازى تقليل اعداد اعضاء مجالس الادارة فى شركات القطاع العام والاعمال العام والتى ترتفع فى بعض الشركات إلى 10 اعضاء بحيث تكون بحد اقصى 5 افراد يتم اختيارهم كعضو مالى وفنى وتسويقى واعضاء من الشركة وبذلك سيتم تخفيض مبالغ كبيرة ممثلة فى مكافآت وانصبتهم فى الشركة ويتم منح ذلك الوفر للعاملين بالشركة مما سيحدث ازدهارا فى اعمال الشركة ومستوى الانتاج. ولفت إلى انه من الممكن أن تقوم الحكومة بإجراء لدعم موارد الدولة من خلال فرض شريحة ضريبية تتراوح بين 2 و3% يتم تخصيص حصيلتها لصندوق يتم تخصيص مبلغ لا يقل عن 250 جنيها لكل عاطل لفترة عام مع توجيه مبالغ لدعم الخدمات الطبية لأفراد الشعب. وعن مستوى الدين العام اشار إلى انه من بين الصعوبات التى تواجه الحكومة خلال الفترة الراهنة الا أن افضل قرار حالى هو طرح سندات دولارية فى السوق المحلية مع حث المصريين بالخارج لدعم مصر من خلال شراء تلك السندات واعداد مشروعات تنموية وطلب الدعم من الدول العربية. واكد د. اسامة عبد الخالق استاذ المالية والمحاسبة أن اهم المشكلات التى تواجه الاقتصاد المصرى هى انخفاض حصيلة الضرائب من جراء تراجع الانتاج والتصدير والسياحة والاستثمار الاجنبى المباشر حيث من المتوقع أن تنخفض الحصيلة بنسبة 40% واهم التحديات الاوضاع الامنية غير المستقرة مع القضاء على الفقر والبطالة وعمليات البلطجة والتى تمثل خطورة على مصر حيث ارتفعت نسبة الفقر إلى 70% والبطالة 14% ومتوسط دخل الفرد 2 دولار فى اليوم اى اقل من خط الفقر. اضاف:إن الأزمة الثانية تتمثل فى اجتماع المؤسسات الدولية على ضعف الاقتصاد المصرى بالكامل حيث اشترط البنك الدولى سعر فائدة لإقراض مصر 14% وتخفيض الجنيه المصرى بنسبة 50% وهو ما سيرفع التضخم بنسبة 200% وبالتالى تدهور اوضاع الاقتصاد المصرى فضلا عن موقف صندوق النقد الدولى وهو ما يجعل التعامل مع العالم الخارجى شديد الخطورة بسبب الاقتراض. واقترح عبد الخالق قيام الحكومة بعدد من الصدمات للقطاعات الاقتصادية الحيوية وهو ما سيضمن انتعاشاً سريعاً لها وأول تلك القطاعات هى السياحة من خلال تخطيط حملات ترويجية ومهرجانات تسويقية وكشف اكتشافات اثرية جديدة بما يضمن توفير دخل 12 مليار دولار فى السنة وعودة الاعفاءات الخاصة بالمناطق الحرة مع عودة نظام الانتفاع مرة اخرى للمشروعات الكبرى واستزراع المناطق الصحراوية من خلال تسهيلات حكومية وطالب عبدالخالق الاسلاميين بتخفيف حدة التصريحات الاقتصادية خاصة أن الاقتصاد الاسلامى الافضل لما يتميز به من اقتصاد عادل بعد الاخطاء الجسيمة التى اسفر عنها الاقتصاد الرأسمالى من ارتفاع اسعار والفساد الاخلاقى وتضخم المديونيات على الدول الفقيرة. وكشف عن انه اعد دراسة عن الاقتصاد الاسلامى وكيفية التحول من النظام الوضعى للنظام الإسلامى وتنفيذ خطة الانتقال تدريجياً من خلال التوقف عن إصدار أي قوانين أو قرارات تتعارض مع قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية وتنقية القوانين القائمة مما يتعارض مع الشريعة الإسلامية ووضع لوائح تنفيذية للتطبيق المعاصر لفقه المعاملات بمرونة مع وضع صيغ للعقود والاتفاقيات بما يناسب ذلك وإنشاء معاهد تدريبية لتطبيق اللوائح التنفيذية للاقتصاد الإسلامى وتدريس علوم الاقتصاد وفقه المعاملات ونظم المؤسسات الأقتصاية الإسلامية فى جميع مراحل التعلم . وتطوير المؤسسات الحكومية الحالية المعنية بأمر الاقتصاد والمال بما يتواءم مع طبيعة الاقتصاد الإسلامى . اضاف انه يتم إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية اللازمة لتطبيق الاقتصاد الإسلامى مثل المصارف الإسلامية وهيئات الاستثمار الإسلامى وهيئات التأمين والتكافل الإسلامى. والمطلوب تغيير طفيف فى القوانين الوضعية للتحول إلى الاقتصاد الإسلامى 90% من النظام الاقتصادى الوصفى يتفق والشريعة الإسلامية والاختلافات تتمثل فى وجود منتجات ممنوعة فى الإسلام، 99 % من الشعب لا يستهلكها والنظام البنكى .. كثير من الفروع إسلامية وتحقق أرباحاً تفوق مثيلتها من البنوك الربوية ومن السهل تحويل باقى البنوك إليها. بالإضافة إلى اتباع الإسلام أحدث النظم المالية من حيث اعتماد النفقات العامة وفرض الضرائب. يتبين من ذلك أن مالية الدولة الإسلامية منقسمة إلى أربعة أبواب رئيسية لكل باب بيت مال مستقل ولكل باب أوجه إيراد ونفقات ولا يجوز الجمع بين إيرادات الأبواب كما لا يجوز أن يصرف من إيراد باب فى مصارف باب آخر (عدم التخصيص). كذلك جعل الإسلام حصانة للقائمين على السلطة المالية واستقلال فى أعمالهم وليس لأحد عليهم من سلطان ولا يعزلون بموت الإمام . وكشفت الدراسة عن أن الإسلام ساهم فى محاربة الاكتناز وتحقيق التكافل الاجتماعى وعلاج الفقر ومواجهة الأزمات المالية حيث المال وسيلة وليس غاية والمال مال الله ومن يؤتيه الله المال فهو مستخلف فيه لإنفاقه بالمجتمع والمال فى الإسلام هو ما انتفعت به ونفعت ولا يتحقق ذلك إلا بإنفاقه فى السبل المشروعة ودورانه بين الناس، ويتحقق دوران المال بعدم حبسه عن المجتمع فاعمل واربح وشغل الناس وقم بدفع الزكاة وبذلك يتحقق دوران المال بما ينفع الناس ويحرك دورة المجتمع الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية. ورأت الدراسة انه لمواجهة الأزمات المالية يتعين تطبيق الدين الإسلامى فالتوسط فى الإنفاق مطلوب وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وإعانة العاجزين عن العمل من بيت المال واستخدام الزكاة فى أعانة الفقراء والمعوقين واليتامى والقضاء على صور الاكتناز التى تفشت فى العصر الحديث مثل قيام الأغنياء ببناء القصور الفاخرة على السواحل والقرى السياحية التى تتكلف عشرات الملايين لكى يقيموا فيها بضعة أيام فى العام دون الانتفاع بها باقى العام ودواعى الفخر والتظاهر وبشراء القصور فى الدول الأجنبية وهو إسراف وتبذير وكان من الأفضل إقامة مشروعات التنمية الشاملة والزراعية لتجنيب المجتمع الوقوع فى دائرة الضغوط السياسية والاقتصادية للدول المصدرة للغذاء كما يعد هذا نوعا من الاكتناز وحرمان المجتمع من دوران هذه الأموال «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» مبرر للضريبة العقارية على الأثرياء فقط . واقترح عبد الخالق فرض ما يعرف بضريبة التوازن السعرى على القيمة السوقية لهذه العقارات بما لا يتجاوز زكاة المال، وتوجيه حصيلة هذه الضريبة لمشروعات التنمية الزراعية لتفادى ما يحدث من ركود اقتصادى فى المجتمع وتنمية موارد الدولة ودفع عجلة الإنتاج والاستثمار. ولا يتعارض هذا مع احترام الإسلام للملكية الخاصة وضرورة تمتع الشخص بثمرة عمله وجعله دافعا للعمل والتنافس.