يومًا تلو الآخر، ينكشف الوجه القبيح للنظام القطرى، الذى دائمًا ما يتغنى بأنه إحدى الدول الداعمة لحقوق الإنسان، لكنه فى الحقيقة أحد أكثر الأنظمة فسادًا وانتهاكًا لحقوق الإنسان على مستوى العالم، فمنذ عام 2010، عندما مُنحت «الدوحة» حق استضافة كأس العالم 2022، ازداد عدد العمال المهاجرين فى قطر بسرعة، مدفوعا جزئيا بطفرة البناء اللاحقة، إذ قفز عدد سكان البلاد من 1.6 مليون شخص فى ديسمبر 2010 إلى 2.7 مليون شخص فى أكتوبر 2018، قادمون من بعض أفقر دول العالم ويعملون فى قطاعات تشمل البناء والضيافة والخدمة المنزلية، كما يشكل العمال المهاجرون 95 ٪ من القوى العاملة فى البلاد، لكن مع تزايد أعداد العمال الذين يسافرون بسرعة للاستفادة من الفرص الاقتصادية، وقع المزيد منهم ضحية لنظام العمل الاستغلالى فى قطر، حيث تم توثيق إساءة معاملة العمال المهاجرين ذوى الأجور المنخفضة واستغلالهم، والتى تصل فى بعض الأحيان إلى العمل القسرى والاتجار بالبشر، على نطاق واسع منذ منح حق تنظيم كأس العالم لقطر. فى أكتوبر 2013، على سبيل المثال، ذكرت صحيفة «الجارديان»، أن 44 عاملا نيباليا ماتوا فى قطر فى غضون شهرين فقط، بينما وثقت تقارير منظمة العفو الدولية فى عامى 2013 و2016 توثيقا واسع النطاق لإساءة العمل فى قطاع البناء، بما فى ذلك العمل القسرى، مثلما حدث فى ملعب خليفة فى الدوحة، وفى عام 2014، قال المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق المهاجرين حول استغلال العمالة، «الاستغلال متكرر وغالبا ما يعمل المهاجرون بدون أجر ويعيشون فى ظروف دون المستوى المطلوب»، داعيًا إلى إلغاء نظام الكفالة فى البلاد.
عمل بدون أجر
فيما دفع تحقيق سرى حول ظروف العمل فى قطر، للمرة الأولى، الفيفا إلى الاعتراف بانتهاك معايير العمال فى مشاريع كأس العالم، حيث وجد التحقيق الذى أجرته محطة WDR الألمانية أن الأجور المتأخرة موضوع متكرر لآلاف العمال المهاجرين فى مشاريع فى قطر، وضم التحقيق مع العمال المهاجرين الذين يزعمون مجموعة من الانتهاكات الإضافية بما فى ذلك تأشيرات منتهية الصلاحية، وسوء الإقامة وظروف العمل الخطرة.
وفى مارس 2018، أنشأت قطر لجان تسوية المنازعات العمالية (اللجان)، إذ تحل اللجان بدلا من محاكم العمل، لكن الأبحاث التى أجرتها منظمة العفو الدولية -والتى ركزت على 2000 عامل من ثلاث شركات- وجدت أن قطر لا تزال تفتقر إلى توفير سبل وصول كافية إلى العدالة، خاصة أن اللجان لا تقم بحل مشاكل العمالة، فى ظل أن هناك الكثير من القضايا مقابل عدد قليل جدا من القضاة، ما يؤدى لانتظار العمال شهورا لمعالجة شكاواهم، وفى الحالات التى يحصل فيها العمال على أحكام إيجابية يواجهون مشكلة عدم وجود إنفاذ فعال، وغالبا ما تفشل الشركات فى دفع التعويضات المطلوبة، مما يجبر العمال على مواصلة كفاحهم فى المحاكم المدنية فى محاولة لاسترداد أموالهم، بعد أن يتم التخلى عنهم من قبل شركاتهم، ما يجعلهم يعيشون دون أموال لمدة أشهر ويعانون من الجوع، ويعتمد العمال للبقاء على قيد الحياة على المعونات الخيرية، حتى يضطر الكثير منهم لمغادرة قطر والعودة إلى ديارهم بجيوب فارغة.
فإذا أرادت قطر تغيير المسار والوفاء بالتزاماتها بشأن تحسين الوصول إلى العدالة، فعليها أن تتخذ إجراء سريع لزيادة قدرة اللجان على إدارة القضايا، وتعزز قدرتهم على مساءلة الجناة، وإقامة صندوق دعم للعمال والتأمين عليهم وتشغيله فى أقرب وقت حتى يتمكن العمال فى النهاية من الحصول على مستحقاتهم.
ووفقا لتقرير حرج للغاية أصدرته منظمة العفو الدولى فى 2018، لا يزال العمال المهاجرون الذين يعملون فى إقامة بنية تحتية لإحدى المدن الجديدة فى قطر، والتى ستستضيف مباريات كأس العالم 2022 يعانون من الاستغلال وانتهاكات حقوق الإنسان الشديدة على الرغم من الإصلاحات الحكومية الموعودة، إذ يذكر التقرير أن شركة هندسية تدعى «ميركورى مينا»، تقول إنها تركت حوالى 80 عاملا من نيبال والهند والفلبين تقطعت بهم السبل ولم يتقاضوا رواتبهم لمدة شهور فى قطر، وتتهم منظمة العفو الدولية الشركة باستخدام هيكل الكفالة - الذى تصفه بنظام الكفالة سيئ السمعة فى قطر والذى يربط الموظفين بصاحب عمل واحد - لاستغلال عشرات العمال المهاجرين.
وفى نيبال، أخبر 34 شخصا منظمة العفو الدولية أن مستحقاتهم وصلت إلى 1500 جنيه إسترلينى فى المتوسط من قبل شركة «ميركورى مينا»، وأن نظام الكفالة كان يستخدم لاستغلالهم، وقال أحد العمال إن الشركة قد وافقت أخيرا فى أكتوبر 2017 على أن العامل يمكن أن يغادر للعمل لدى شركة أخرى فى قطر، لكن مقابل ذلك التصريح كان عليه أن يتخلى عن مطالبته المتعلقة بالأجور غير المدفوعة.
كما ألقى تقرير منظمة العفو الدولية الضوء على أوضاع العمل فى شركة «حمد بن خالد بن حمد»، حيث تشير إلى أن هذه الشركة هى ملك الشيخ حمد بن خالد بن حمد الثانى أحد أفراد عائلة التانى والذى شغل من قبل منصب قائد الشرطة.
بينما كشف تقرير المنظمة عن الحقائق التالية المتعلقة بأوضاع هذه الشركة: عدد العمال الذين قدموا شكاوى، 680 عاملا من بين ما يزيد على 1200 عامل متضرر، علاوة على أن الأجور لفترات تتراوح بين ثلاثة وسبعة أشهر بالإضافة إلى مكافآت نهاية الخدمة، بالإضافة إلى أن تاريخ تقدم الشكاوى إلى «إدارة علاقات العمل» كان 25 مارس 2018، فضلًا عن أن الوقت الذى استغرقته مرحلة «إدارة علاقات العمل» بلغ ثلاثة أسابيع على الأقل والوقت الذى استغرقته مرحلة اللجنة من ثلاثة إلى ثمانية شهور، كما بلغ عدد العمال الذين تخلوا عن مطالباتهم وعادوا إلى بلادهم دون الحصول على أية مستحقات ما يزيد على 300 عامل، ناهيك عن أن عدد الأحكام التى صدرت فى النهاية عن اللجنة أكثر من 300 حكم، والمبالغ التى جرى تسلمها عن طريق المحاكم مباشرة «صفر»، كما بلغ عدد العمال الذين حصلوا على أموال بتسويات نحو 400 عامل، والعمال الذين حصلوا على أحكام قضائية لكنهم لم يتلقوا أى أموال حتى يونيو 2019 130 عاملا.
التغطية على وفاة العمال الأجانب
فشلت قطر فى التحقيق فى الوفيات المفاجئة لمئات من العمال المهاجرين، كما أكدت جريدة «الجارديان» فى تقرير حمل عنوان «لم يتم التحقيق فى الوفيات المفاجئة لمئات العمال المهاجرين فى قطر»، وبحسب الجريدة فإنه يموت المئات من العمال فى الدوحة، وتشير السلطات القطرية إلى أن معظم الوفيات ترجع إلى النوبات القلبية أو «الأسباب الطبيعية»، وأن كثيرا من المتوفين من الشباب الذين يموتون أثناء نومهم، وهى ظاهرة يطلق عليها محليا «متلازمة الموت المفاجئ». وذكرت الجارديان، أن مئات الآلاف من العمال يتعرضون لمستويات قاتلة من الإجهاد الحرارى، ويعملون فى درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية لمدة تصل إلى 10 ساعات فى اليوم، حيث تضع درجات الحرارة المرتفعة ضغطا كبيرا على نظام القلب والأوعية الدموية، ويقول إخصائيو أمراض القلب إن هناك صلة مباشرة بين الإجهاد الحرارى والأعداد الكبيرة من العمال الشباب الذين يموتون فى أشهر الصيف فى معظم الحالات، ولا يتم إجراء عمليات تشريح على أجساد العمال المهاجرين، حيث يقال إن وفاتهم ترجع إلى أسباب قلبية أو طبيعية.
فى عام 2014، أوصى تقرير من محامى النظام القطرى، شركة القانون الدولى DLA Piper، «بشدة» بإجراء تحقيق فى وفاة العمال المهاجرين من السكتة القلبية، ومع ذلك حتى الآن لم يتم اتخاذ أى إجراء، حيث توفى ما لا يقل عن 1025 من النيباليين فى قطر بين عامى 2012 و2017، 676 منهم لأسباب تعتبر طبيعية، وتشمل الأسباب السكتة القلبية والنوبات القلبية وفشل الجهاز التنفسى و«المرض»، وفقا لعدد من المصادر الرسمية، بما فى ذلك مجلس العمالة الأجنبية FEB، وهى وكالة حكومية فى نيبال مسئولة عن رعاية العمال المهاجرين، وبيانات FEB مستمدة إلى حد كبير من شهادات الوفاة الصادرة فى قطر.
وكشفت بيانات من الحكومة الهندية أن 1678 هنديا ماتوا فى قطر بين عام 2012 وأغسطس 2018. ومن هذه الوفيات، تم تصنيف وفاة 1345 شخصا باعتبارها طبيعية، بمعدل أربعة كل أسبوع، كما يحظر القانون القطرى فحوصات ما بعد الوفاة إلا فى الحالات التى قد تكون قد ارتكبت فيها جريمة أو قد يكون المتوفى قد عانى من مرض قبل الموت، ومع ذلك، أوصى تقرير DLA Piper لعام 2014 بتوسيع نطاق القانون للسماح بتشريح الجثث أو فحوصات ما بعد الوفاة فى جميع حالات الوفيات غير المتوقعة أو المفاجئة.
وقال خبير فى الطب الشرعى فى قطر لصحيفة الجارديان، إنه فى معظم هذه الحالات، لا يجرى سوى فحص خارجى لتحديد سبب الوفاة، علاوة على أن إحجام قطر عن إجراء عمليات تشريح الجثث جعل العائلات فى جميع أنحاء جنوب آسيا تشعر بالحيرة والشك حول كيفية وفاة أحبائهم. فيما كان روبتشاندرا رومبا يعمل عامل بناء فى استاد كأس العالم للمدينة التعليمية عندما توفى فى معسكره العمالى فى يونيو من هذا العام، وكان عمره 24 عاما. وحددت شهادة الوفاة سبب الوفاة بأنه «فشل تنفسى قلبى حاد نتيجة سبب طبيعى»، بعد وقت قصير من وفاته، تلقت زوجة رومبا، نيرمالا باكرين، مكالمة هاتفية من رئيسه. قال: «لقد بذلنا قصارى جهدنا لعلاجه لكنه لم ينج، أخذناه إلى المستشفى للتشريح»، لكن لم يتم إجراء تشريح للجثة، وكانت هناك بعض بقع الدم حول فمه وأنفه، لكن بقية جسمه لم تمس.
وقال مسئول حكومى فى قطر إنه وفقا للقانون، يتعين على أسر المتوفى الموافقة على تشريح الجثة قبل تنفيذه، مضيفًا: «فى معظم الحالات المتعلقة بالعمال المهاجرين، ترفض العائلات تشريح الجثة بسبب الرغبة فى إعادة الجثة فى أسرع وقت ممكن لاستكمال الطقوس الدينية أو طقوس حرق الجثث، وهذا يخلق صعوبة فيما يتعلق بالتحقيق فى سبب الوفاة فى بعض الحالات».
ومع ذلك، تحدثت الجارديان إلى أسر ثلاثة عمال نيباليين توفوا فى قطر خلال الأشهر ال 18 الماضية، بما فى ذلك عائلة «باكرين»، وتأكدت من عدم سؤال أسرته عن رغبتهم فى تشريح الجثة، إذ قال «كوسيك راي» أستاذ الصحة العامة فى جامعة إمبريال كوليدج فى لندن: «الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و50 عاما لا يموتون أثناء نومهم فجأة، لا يمكنك القول إنهم ماتوا من قصور فى القلب أو فشل فى الجهاز التنفسى دون تشريح الجثة، إلا إذا كان لديك معلومات حول تاريخهم الطبي».
وقال جانيش جورونج، عضو فى أكاديمية أبحاث السياسة، وهى مركز أبحاث حكومى فى نيبال، إن شهادات الوفاة هى شكلية إلى حد كبير، ويتم إصدارها لتلبية متطلبات شركات الطيران التى تنقل الجثث إلى الوطن الأم، مضيفًا: «لأنه مجرد إجراء شكلى، يميل الأطباء إلى إصدار شهادات بناء على ما يقال لهم، وفى معظم الحالات، لا يكلفون عناء فحص الجثث، أو حتى إجراء تشريح ما بعد الوفاة، حالات التشريح نادرة للغاية، لأنها تتطلب الوقت والمال، لماذا يهتمون بقضاء الوقت والمال على الموتى؟ لكن يجب وضع شرط فحص الجثة بعد الوفاة فى جميع اتفاقيات العمل الثنائية بين نيبال والدول التى يعمل بها العمال المهاجرون».
وقال نيك ماك جيهان، مدير شركة مشاريع فاير اند سكوير، وهى منظمة تُجرى أبحاثا عن العمال المهاجرين فى الخليج، إن النتائج تكشف عن عدم الاهتمام برفاهية العمال، مضيفًا: «قانون التشريح هو دليل آخر على القيمة المختلفة المرتبطة بحياة العمال المهاجرين ذوى الأجور المنخفضة، فإذا كان المئات من مواطنى الخليج أو الغربيين يموتون كل عام فى ظروف غير مفسرة، فستكون هناك ضجة وسيتم دفع أموال من أجل التحقيق فى هذه القضية».
العبودية
وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية فى تقريرها السنوى حول ظاهرة الاتجار بالبشر لعام 2018، على مدار السنوات الخمس الماضية، فإن قطر هى مقصد للرجال والنساء الذين يتعرضون للعمل القسرى، وبدرجة أقل بكثير، الاستغلال الجسدى القسرى، إذ يهاجر رجال ونساء من نيبال والهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين وإندونيسيا وسريلانكا والسودان وكينيا ونيجيريا وأوغندا ودول أخرى طوعًا إلى قطر كعمال وعاملين فى المنازل، وغالبا ما يدفعون رسوم غير قانونية باهظة إلى عديمى الضمير من مقاولين العمال فى البلدان المرسلة للعمالة، وبالتالى زيادة تعرضهم للديون عبودية.
ويواجه بعض العمال فيما بعد شروطًا تشير إلى العبودية غير الطوعية، بما فى ذلك القيود المفروضة على الحركة، وحجز المدفوعات، ومصادرة جوازات السفر، والاحتفاظ بتصاريح الخروج، والتهديدات بالترحيل أو سوء المعاملة.
ومن بين العمال الأجانب، فإن الخادمات المنزليات معرضات بشكل خاص للاتجار، ولا يتم حمايتهن بموجب قوانين العمل القطرية، لأن المسئولين يفتقرون إلى السلطة لدخول مساكن خاصة، قد تتعرض بعض النساء اللائى يهاجرن لأغراض مشروعة فيما بعد إلى الدعارة القسرية، فالعاملات المنزليات هن الفئة الأكثر ضعفا من العمال الأجانب فى الخليج، حيث يعمل أكثر من 174 ألف عاملة منزلية فى قطر، وتتولى الغالبية العظمى من النساء، وأغلبهم من جنوب آسيا، رعاية الأطفال والطهى والتنظيف، بينما يوجد أيضا بعض الرجال الذين يعملون فى وظائف مثل السائقين والبستانيين، علاوة على أن عزلتهم فى المنزل بعيدا عن النظرة العامة واعتمادهم المباشر على صاحب العمل يعنى أنهم معرضون بشكل خاص للاستغلال والإيذاء.
فيما يضع نظام الكفالة القائم على التوظيف فى قطر سلطة كبيرة فى أيدى أصحاب العمل، الذين يتمتعون بسلطة أحادية لإلغاء تصاريح الإقامة، ومنع العمال من تغيير أصحاب العمل، ورفض السماح بمغادرة البلاد، وغالبا ما يتجنب المهاجرون المثقلون بالديون والذين يتعرضون لسوء المعاملة أو التضليل الإبلاغ عن استغلالهم خوفا من الانتقام أو الترحيل، أو عملية اللجوء المطولة، أو عدم معرفة حقوقهم القانونية، مما يؤدى إلى تفاقم أو إطالة أمد عملهم القسرى، وغالبا ما يعيش العديد من العمال المهاجرين فى ظروف سيئة وغير صحية، ويشكو الكثير منهم من ساعات العمل المفرطة وظروف العمل الخطرة، وتهديدات الترحيل والأضرار المادية، والاعتداء البدنى أو العقلى أو الجنسين إذ تزعم التقارير أن الغالبية العظمى من جوازات سفر العمال المغتربين كانت فى حوزة أصحاب العمل، على الرغم من قوانين مكافحة مصادرة جوازات السفر. وردا على الأخبار التى أعلنتها الحكومة القطرية فى أكتوبر 2019 بأنها ستقدم تشريع لإصلاح برنامج الكفالة التعسفى، قال نائب مدير القضايا العالمية فى منظمة العفو الدولية ستيفن كوكبرن: «لطالما طالبنا بإنهاء نظام الكفالة المسيء فى قطر، وستكون خطوة كبيرة إلى الأمام إذا سمحت هذه التدابير للعمال فى النهاية بالعودة إلى ديارهم أو تغيير وظائفهم دون قيود، سنقوم بمراقبة تفاصيل هذا الإعلان عن كثب والدفع باتجاه تنفيذ أى تدابير إيجابية بسرعة وكاملة». مع ذلك، على الرغم من هذه الإصلاحات المرحب بها، تظل الحقيقة بالنسبة للعديد من العمال المهاجرين فى قطر قاسية وستظل كذلك حتى يتم الانتهاء من عملية الإصلاح وتنفيذها بشكل أفضل فى الممارسة العملية وتطبيقها على جميع العمال.
على سبيل المثال:
- لا يزال هناك 174 ألفا من عاملات المنازل من بين عدة فئات من العمال الذين ما زالوا مستبعدين من إلغاء تصريح الخروج.
-الحد الأدنى المؤقت للأجور لا يزال منخفضا جدا (حوالى 200 دولار شهريا).
-يظل ضعف تطبيق القوانين عائقا كبيرا أمام التقدم الحقيقى على أرض الواقع وفى مئات الحالات الحالية.
كما يبدو أن العائلة المالكة القطرية متورطة بشكل مباشر فى مثل هذه الممارسات، حيث تم رفع قضية ضد العائلة المالكة القطرية تكشف تورط عدد من أفرادها فى ممارسات تندرج تحت بند العبودية، بدعوة إجبارهم على العمل حتى 100 ساعة فى الأسبوع دون أجر إضافى وسط ظروف غير إنسانية، ورفع ثلاثة من العاملين السابقين لدى العائلة المالكة القطرية دعوى قضائية فى الولاياتالمتحدة.
حيث تم رفع الدعوى فى فبراير 2019 فى نيويورك، وتستهدف الدعوى جاسم بن عبد العزيز بن جاسم آل ثانى وهو زوج شقيقة أمير قطر الحاكم، الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثانى، حيث أكد المدرب الشخصى جراهام بانكروفت والمساعدة شانتيل مكجوفى والمعلم الخاص بنجامين بويد أنهم أجبروا على العمل ساعات إضافية دون أجر، كما اتهموا الزوجين الملكيين بحرمانهم من أيام العطلة بينما كان يتعين عليهما مرافقتهم فى رحلات إلى الخارج.
وفى الدعوى، يقول بويد إنه طُرد على الفور انتقاما بعد أن طلب الحصول على أجر مقابل ساعات العمل الإضافية، وتنكر العائلة المالكة القطرية المزاعم وتؤكد أن أفرادها محميون بالحصانة الدبلوماسية.
الشيخة المياسة، رئيسة هيئة متاحف قطر التى تصل ميزانيتها السنوية إلى مليار دولار، تعد من الشخصيات المؤثرة فى عالم الفن.
مأساة عمال البنية التحتية
هناك نحو 30 ألف عامل يعملون على وجه التحديد فى مشاريع تشرف عليها الهيئة المسئولة عن تخطيط وإقامة البنية التحتية لكأس العالم، حيث يفترض أن هؤلاء العمال يعملون وفق أكثر القواعد صرامة لحمايتهم من خلال تطبيق معايير رعاية العمال فى عام 2014، وتغطى هذه المعايير، التى يتم تضمينها فى العقود الممنوحة للشركات العاملة فى مواقع كأس العالم، قضايا تشمل التوظيف الأخلاقى ودفع الرواتب فى الوقت المناسب وحظر تام للعمل القسرى، كما تم نقل عمال كأس العالم أيضا إلى أماكن إقامة حديثة البناء تفى بمعايير محددة، فى حين أطلقت اللجنة العليا أيضا برنامج لدفع أجور آلاف العمال الذين دفعوا رسوم التوظيف.
فى حين أن هذه المعايير أدت إلى بعض التحسينات الحقيقية، إلا أن احترامها فى قطر محل شك، فى أغسطس 2018، على سبيل المثال، أقر منظمو كأس العالم فى قطر بأن المقاولين الذين يعملون فى أحد الملاعب لعام 2022 قد انتهكوا حظرا لساعات العمل فى الصيف، حيث يحظر العمل فى الهواء الطلق فى بعض الأحيان عندما تشكل درجات الحرارة المرتفعة فى الصيف خطرا بالغا على صحة العمال.
وفى فبراير 2018، أظهرت مراجعة 19 مقاولا يعملون فى مواقع كأس العالم وجود انتهاكات مثل استبدال العقود وساعات العمل المفرطة ظلت موجودة لدى غالبية كبيرة من الشركات التى تم مراجعة ظروف العمل لديها، وتقول اللجنة العليا إنها تواصل العمل على مواجهة التحديات التى حددتها هذه المراجعات.
فيما علقت صحافة العالم على الأوضاع المأساوية لعمال كأس العالم فى قطر، حيث نشرت جريدة الإندبندنت البريطانية تقريرا بعنوان «كأس العالم 2022: العمال فى قطر ليسوا عمالا، إنهم عبيد، ويقومون ببناء الأضرحة، وليس الملاعب»، وكتبت الجارديان بعنوان كشف: «عبيد كأس العالم فى قطر.. حصري: إساءة معاملة واستغلال العمال المهاجرين الذين يحضرون الإمارة لعام 2022». وفى عام 2014، أصدر الاتحاد الدولى لنقابات العمال «ITUC» تقريرا قاسيا وصف قطر بأنها «دولة بلا ضمير»، حيث تضمن التقرير شهادات من العمال أنفسهم عن الفظائع التى تعرضوا لها فى قطر.
يقول أحد العمال: «ذهبت إلى الموقع فى صباح الأحد الأيام فى الساعة الخامسة صباحا وكانت هناك دماء فى كل مكان، لا أعرف ما الذى حدث، لكن تم تغطيتها بدون أى تقارير، وعندما أبلغت عن هذا، قيل لى إذا لم توقف عن الشكوى سيتم طردك.
تشمل الانتهاكات التى تم العثور عليها ما يلي: -العمال الذين يعيشون فى «سكن غير صالح ومكتظ». -أرباب العمل الذين يصادرون جوازات سفر العمال. -العمال المهددون بسبب الشكوى من ظروف العمل. -العمال الذين يضطرون إلى دفع ما يصل إلى 4300 دولار لموظفى التوظيف فى وطنهم الأم للحصول على وظيفة فى قطر، مع عدم دفع البعض للأجور.. ويقدر تقرير ITUC أن 4000 عامل مهاجر سيموتون قبل نهائيات كأس العالم 2022، وهو تقدير يعتمد على اتجاهات الوفيات التى أبلغت عنها سابقا السفارات داخل البلاد.