منذ ست سنوات صدر فى سلسلة تراث «روزاليوسف» كتاب «صلاح حافظ مايسترو الصحافة مقالات ومعارك لها تاريخ» وكان أحد فصول الكتاب «صلاح حافظ وهؤلاء» أعدت فيه نشر بعض مقالاته الرائعة والمهمة عن شخصيات عرفها عن قرب من المذيعة اللامعة «أمانى ناشد» إلى حسن فؤاد وجمال كامل وإحسان عبدالقدوس، وفى زحمة الإعداد للكتاب وأيضًا الالتزام بعدد معين من الصفحات (248 صفحة) لم يتضمن الكتاب مقالات «صلاح حافظ الأخرى»!! وعندما كتبت الأسبوع الماضى عن «صلاح حافظ بقلم: د.يوسف إدريس» تذكرت على الفور مقال صلاح حافظ البديع يوسف وأنا مشاغبة أتمنى أن تدوم (عدد مجلة الهلال أغسطس سنة 1991).. مقال مكتوب بحبر الصدق والمحبة التى لا نظير لها.. كبير يكتب عن كبير «عظيم يكتب عن عظيم». كانت مناسبة مقال الأستاذ صلاح هو مرض يوسف إدريس والذى رحل بعده بعدة أشهر! أهمية المقال أنه يكشف عن جوانب مجهولة عن د.يوسف لمسها عن قرب صديق عمره صلاح حافظ منذ تزاملا فى كلية الطب!! كتب الأستاذ «صلاح حافظ» مايسترو الصحافة يقول: كانت الصحافة حلم يوسف إدريس وكان الأدب حلمى أنا كنا زميلين فى كلية الطب، وكنت أكتب الشعر وكان هو يكتب المقالات، ويصدر صحيفة تباع فى الكلية بنصف قرش، ومع أنها كانت تنفد بمجرد الصدور فإن دخلها كان لا يغطى ثمن الحبر، فأفلس يوسف وأفلسنا معه ثم ظهر فى حياتنا زلزال!! زميل كثيف الحاجبين، شديد الخجل، خارق المقدرة فى فن القصة، اسمه «محمد يسرى أحمد» وأسلوبه فى الكتابة شلال يتدفق وبئر بلا قاع، نسيت أنا الشعر ونسى «يوسف» الصحافة وصار همنا فى الحياة أن نكتب القصة وبقى يوسف وأنا نعالج فن القصة وتراودنا أحلام الصحافة بين وقت وآخر! أما أنا فانتهى بى الحال إلى بلاط صاحبة الجلالة وصار الأدب بالنسبة لى نزوات عابرة أمارسها حين يسمح وقت الفراغ وبعيدًا عن أعين الناس، أما يوسف فكانت عبقريته إنه قاوم إغراء الصحافة وحرارتها وحيويتها المثيرة وذاب فى أحضان الأدب وغاب فى دروبه ومسالكه! والأدب هو أشق الفنون على الإطلاق، فالأديب لا يبلغ الناس بما جرى أمس كما يفعل الصحفى، ولا يعلق على الأحداث ولا يقول رأيا عاجلاً فى قضية عاجلة! إنما يعيش الأديب أحداث الحياة، ويعيش حيوات الناس جميعًا، وينفعل بها ويرضى عنها ويغضب منها، ثم فى النهاية وبعد معاناة وصبر طويلين يفرز على الناس رحيقها! والنجاح فى الصحافة سهل، لأنها مهنة تسجيل ومتابعة ولكن النجاح فى الأدب عسير وشاق لأنه مهنة هضم الرحيق وإفراز العسل! وقد كانت عبقرية يوسف إدريس فى اعتقادى أنه اختار الصعب مع ولعه الشديد بالشهرة التى تحققها مهن أخرى غير الأدب!! كان يوسف منذ عرفته يعشق النجومية! وكان نجوم كلية الطب أيام كنا طالبين فيها هم قادة الحركات السياسية نعشق السياسية واقتحمها بحرارة واستماتة وليكن ما يكون!! وكانت الصحافة مسرحا آخر للنجوم خاصة بعد أن ظهرت «أخبار اليوم» ونقلت كتاب الصحف من فئة «الجرنالجية» إلى فئة وجهاء المجتمع اللامعين، فأصدر فى الكلية الصحيفة التى أفلسته وأفلستنا معه!! وكانت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها وتتخمض عن حركات شعبية عالمية مثل حركة السلام فانخرط فيها يوسف وسافر لأول مرة فى حياته إلى أوروبا لحضور مهرجان للسلام فى وارسو وانفعل كثيرًا بحماس الشباب وبالغ فى الانفعال إلى حد الزواج من فتاة مكسيكية كان والدها الفنان المكسيسكى العالمى «ديجور ريفيرا» «وللحكاية بقية».