علينا أن نعترف بأننا أخطأنا جميعًا.. وكُلنا مخطئون.. لا أستثني منا أحدًا.. وجاء وقت المراجعات.. وعلينا أن نتوقف جميعًا لنرصد المشهد الذي وصلنا إليه.. ونعترف بأخطائنا.. ومن لم يعترف بخطئه لن يتمكن من إصلاحه.. فالأخطاء صارت كثيرة ومتنوعة.. عميقة ومركبة: أولاً: أخطأت كل القوي السياسية.. والتحالفات الثورية والأحزاب القديمة والجديدة.. والتكتلات الدينية. أخطأوا جميعًا عندما أعتقد كل فصيل منهم أنه صاحب الثورة.. وأنه وحده من يملك الحقيقة المطلقة فيما يتعلق بمصير مصر ومستقبلها السياسي.. أخطأ الثوار.. لأنهم بعد أن قاموا بثورة رائعة.. تركوها بلا كيان يتحدث باسمها ويتابع تنفيذ مطالبها يوماً بيوم ودقيقة بدقيقة.. فتحولت إلي قوة هائلة ولكنها بلا رأس.. ولا جسد.. فقد تعددت الكيانات والتحالفات والتكتلات.. حتي ترهل جسد الثورة فأصبح غير محدد المعالم.. أو الحدود.. وفجأة دبت الخلافات والتناقضات.. فانقسمت القوي.. واستقطب الإعلام والشاشات الفضائية شباب الثورة فتفرغوا للشهرة والأضواء.. وتركوا الميدان.. فانقسمت القوي السياسية.. وانقلبت علي بعضها.. وتشظت إلي قطع صغيرة.. وأحزاب جديدة.. وتحالفات وكيانات كالجزر المعزولة عن بعضها.. وتركت الميدان والثورة لكل من يمتلك منصة عالية.. وميكروفونا ذا صوت مدوٍ.. فسقطت الثورة فريسة لكل القوي الجاهزة والمحتشدة والمجيشة منذ زمن بعيد.. فتخطفتها الجوارح والنسور.. والوحوش الكواسر وكان هذا هو الخطأ الأول والأكبر والأفدح. ثانيًا: أخطأ المجلس العسكري.. عندما اختلط عليه الأمر «بقصد/ وغير قصد» ما بين دوره السياسي كمفوض من آخر رئيس سابق بإدارة شئون البلاد وبين دوره كجيش مصر الوطني العظيم ودرعها الواقية.. ودوره كبديل مؤقت لفترة انتقالية محل رئيس الجمهورية.. حيث منح المجلس نفسه في الإعلان الدستوري الذي تضمن 63 مادة من ضمنها ما يزيد علي 20 مادة امتلك خلالها سلطات رئيس الجمهورية الموسعة التي منحها له دستور 1971 وزاد عليها سلطة إصدار القوانين والقرارات.. فهذا التماهي ما بين الدور السياسي للمجلس.. والدور الوطني للقوات المسلحة كجيش مصر الوطني.. أدخله في التباس معقد.. فتأخرت القرارات.. والحزم والضبط والربط لإعادة الأمان.. وردع الانفلات الأمني من ناحية ومعالجة المواجهات مع الثوار بأسلوب قديم يعيدنا للنظام السابق بكل ملامحه وأخطائه.. من ناحية أخري بالإضافة إلي أن المجلس العسكري حتي الآن لم يستطع أن يقرأ الخارطة السياسية للقوي والتحالفات والأشخاص والرموز والكفاءات قراءة واضحة لغياب القوات المسلحة دائمًا عن المشهد السياسي عبر تاريخها الوطني الطويل.. حتي عندما استعان المجلس بخبراء سياسيين.. فقد اختارهم بمعايير مرتبكة.. إما تلبية لمطالب الميدان.. أو لأنهم وجوه تليفزيونية هي الأبرز وضوحًا وظهورًا في المشهد السياسي.. فجاءوا له بأهل الثقة من أصدقاء ومعارف ومن كان معهم في الصحبة أو الشلة.. ومع كل الاحترام لكل الوجوه الوطنية إلاَّ أن الكثيرين منهم لا يملكون الكفاءة ولا الخبرة مهنيًا وتاريخيًا.. فأوقعوا المجلس العسكري «بقصد/ وغير قصد» في ارتباك دائم وبطء في اتخاذ القرارات.. مع غياب الحسم والحزم. ثالثًا: أما الداخلية فقد أخطأت مرتين من بعد الثورة.. أما قبل الثورة فحدث ولا حرج المرة الأولي عندما اعتبرت أن الشعب والثورة هما عدوها الأول الذي هزمها في موقعة 25 يناير وما بعدها من المواقع «الحربية».. فانتابها شعور بالمرارة والانكسار أشبه بمرارة هزيمة 67 التي انتابت رجال القوات المسلحة فعقد العزم علي هزيمة العدو «الذي هو إسرائيل آنذاك» فانتقموا لشرفهم العسكري في حرب الاستنزاف ثم حرب 73 وانتصروا واستردوا الأرض ومحوا العار.. ومع الفارق.. فإن المشاعر الإنسانية لا تكذب ولا تتجمل.. عدد هائل من ضباط الداخلية أردنا أو لم نرد ينتابهم هذا الشعور بالهزيمة.. ولكن العدو هذه المرة هو الشعب والثورة.. لذلك فإن الوضع الأمني في انهيار وانفلات دائم.. ربما عن عمد.. وربما عن تراخٍ.. وربما لأن كل شيء في حالة سيولة مجتمعية أردنا أم لم نرد.. أما الخطأ الثاني فهو إصرار وزارة الداخلية علي عدم إعادة هيكلة قواتها بما يتلاءم مع توجهات المرحلة الحالية.. وهذا ما أدي إلي سقوط ضحايا وشهداء ومصابين جدد بلغوا الأربعين من خلال الاشتباكات الأخيرة.. مع الأخذ في الاعتبار أن لغز شارع «محمد محمود» وألغاز أخري كثيرة لم تحل حتي الآن ومنها: لماذا الإصرار علي اقتحام كل مديريات الأمن ووزارة الداخلية اقتحامًا مقصودًا ومعدًا بطريقة جيدة وواحدة من قبل «من؟!!» لا أحد يستطيع أن يحدد من وراء هذه الفتنة حتي الآن.. فثوار التحرير مازالوا في التحرير وثوار الميادين مازالوا يمارسون حقهم في التعبير دون مساس.. فلماذا مهاجمة عرين الأسد بهذا الجبروت والإصرار.. إنها أسئلة يجب الإجابة عنها.. ومحاسبة جميع المسئولين عن قتل الشهداء وتشكيل لجنة تحقيق قضائية في هذا الأمر. رابعًا: وأخطأت الحكومة.. لأنها قبلت بتولي المسئولية دون صلاحيات كاملة.. بل منقوصة.. ناهيك عن غياب الخبرة والكفاءة لدي عدد لا بأس به من الوزراء.. فارتبكت القرارات وارتعشت الأيدي.. وأصبح الدور باهتا ومترديا إلي أن سقطت الحكومة غير مأسوف عليها في موقعة 18 نوفمبر الشهيرة.. وها هي حكومة الجنزوري تبدأ في مشاورات في ظروف أشد التباسًا وأكثر تعقيدًا وكان الله في عون الجميع. خامسًا: وأخطأ الإعلام والإعلاميون بشتي أشكال وسائله.. وأدواته.. فرجال مبارك يملئون منصات وشاشات وجرائد ومجلات مصر المحروسة.. وخرجت علينا عشرات القنوات الجديدة الممولة بسخاء.. وتبادل الإعلاميون المواقع والشاشات لمن يدفع أكثر فالسوق حامية والطلبات زادت والفرسان يمتطون صهوات التليفزيونات والتهييج والتحريض والتسخين والتهليل سيد الموقف.. والوطن صار في مؤخرة الدماغ.. والمهم هو «المصاري» علي رأي الشوام. سادسًا: الإخوان.. والشعب.. كلاهما أخطأ، الإخوان أخطأوا إذ روجوا لأنفسهم كحماة للدعوة الإسلامية ثم الحكومة الإسلامية ثم الدولة الدينية.. والشعب بسيط وغلبان ولا يريد سوي رضا الرب.. والستر ولقمة العيش.. فضحك عليه جماعة الإخوان في أول الأمر عندما جاءوا للميدان بعد تنحي مبارك ثم ركبوا دماغ الشعب البسيط وجاءت نتيجة الاستفتاء «نعم» بنسبة 77%.. علي حساب «الدستور» الذي كان يجب أن يكون أولاً وثانيًا وثالثًا.. حتي لا يسرق الثورة أحد.. والدستور كان هو الذي سيرسم لمصر والمصريين خطوط المستقبل ويحدد اختصاصات الرئيس القادم.. والوزراء.. والمجلس العسكري والشعب.. وكل شيء.. وأفلتت الفرصة التاريخية والذهبية لإقامة مصر النهضة العظيمة.. بترحيل الدستور لما بعد الانتخابات أملاً في استيلائهم علي المجالس التشريعية، وبالتالي صياغة دستور علي هواهم لا يأتي إلا بأحد منهم رئيسًا للوزراء ورئيسًا للجمهورية الإسلامية الجديدة.. في محاولة لإقصاء كل القوي الأخري. وتوالت الأخطاء بمليونية إسقاط وثيقة «السلمي»، التي كان أهم نتائجها سقوطنا جميعًا في ظلمة المصير.. وها هم يرتكبون الخطأ الأكبر بتكوين جيش من حماة اللجان للدفاع عن الأصوات في مواجهة «من؟!!» لا أدري؟! وأتمني ألا يكون الدم فيها هو ثمن الدخول لمجلس الشعب المقبل.