قال: «إيه رماك علي المر»؟! قلت: «اللي أمرّ منه»!! ويبدو أن قدر المصريين أن يعيشوا في همّ وغمّ.. وكرّ.. وفرّ.. إلي يوم الدين.. وكأن «المُر» الذي أذاقوه لنا رجال مبارك ونظامه الفاسد.. خلال الثلاثين عامًا الماضية لم يكن كافيا.. فخرجنا من «دحديرة مبارك لنقع في حفرة السلفيين والإخوان والتكفيريين». ويبدو أن هناك قوي خفية قادرة وفاعلة تحاول أن تؤكد للمصريين أن «فزاعة الإخوان» كانت حقيقة مؤكدة لا ريب فيها.. وإنها لم تكن مجرد «خدعة» سياسية من اختراع مبارك وحبيب العادلي. وكان يجب علينا أن نسبح بحمد مبارك ونظامه ورجاله الفاسدين علي نعمة الفقر والقهر والاستبداد في مقابل «الاستقرار الآمن».. الذي كان يسبغه علينا رجال «أمن دولة مبارك».. وكم تمنينا.. وكم طالبنا مبارك بتنفيذ فكرة الخروج الآمن له ولعائلته من المشهد السياسي.. والانتقال إلي مرحلة الديمقراطية الحقيقية وإرساء قواعد العدالة والحرية والمواطنة والكرامة الإنسانية.. ولكن الحقوق لا تمنح.. ولكنها تنتزع بالقوة.. لهذا قامت الثورة ومن أجل هذه الحقوق مات الشهداء وأصيب الأبرياء.. ولكن هذه الدماء لم تبذل بسخاء.. ولم ترق لكي يأتي المتطرفون والمتسربلون بثياب «الإسلام السياسي» ليسبحوا فيها.. ليصلوا عبرها إلي شاطئ «حكم مصر» ويتربعوا علي أكتافنا.. فتعداد الإخوان بقياداتهم وكوادرهم باعتراف مكتب الإرشاد لا يزيدون علي 800 ألف عضو.. أي أنهم بالكاد يمثلون 1% من تعداد الشعب المصري.. وبهذا المنطق فهم أقل من أن يطلق عليهم «أقلية».. فكيف يحكمون شعبًا قوامه 88 مليون نسمة.. الأميون منهم يمثلون 40%.. والأمية الثقافية تجتاح 95% من أفراده.. لكي يسهل عليهم أن يسوقونا كالأغنام بلا مقاومة.. وبهذا المنطق فإن الحزب الوطني المنحل الذي بلغ أعضاؤه 3 ملايين عضو كان أحق منهم بحكم مصر(!!) ورغم جبروت الحزب المنحل..ورغم قوته وسطوته.. إذ توفرت لديه كل أسباب القوة حيث كانت الدولة بأكملها مسخرة له.. بعتادها ورجال شرطتها.. وجيشها بحرًا وبرًا وجوًا.. وكل مؤسسات مصر كانت تأتمر بأمر الحزب الوطني.. ورغم ذلك.. سقط النظام من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية التي لم يحترمها أو يحميها الحزب الوطني.. فهل يتخيل الإخوان والسلفيون.. والمتطرفون بل والمتهوسون بفتاوي لم ترد علي لسان نبي مرسل. وما أنزل الله بها من سلطان.. ولم يعرفها المسلمون الأوائل.. ولم تظهر علي سطح «الدين الإسلامي الصحيح» إلا في عصور الانحطاط السياسي كالبثور الزائدة علي جسد «صحيح الإسلام».. هل يتصور هؤلاء الآلاف أنهم سيختطفون مصر.. أم أنهم يخيروننا الآن بين «الحرب الأهلية» و«الدولة الدينية».. ومن قبل كانت الخيارات المطروحة في عهد مبارك: إما «نظام مبارك ورجاله الفاسدين».. أو حكم «الإخوان المسلمين».. وأثناء الثورة أصبحت الخيارات: إما «عودة نظام مبارك» أو «الفوضي».. والآن مليونية المتسربلين بالإسلام تخرج علينا لاستعراض القوة.. بالأتوبيسات المحملة من كل فج عميق.. لتجيش البسطاء.. وحملهم علي اجتياح مصر لمساندتهم بالمطالبة بسرعة تسليم السلطة (لمن)؟!.. بالطبع (لهم)!! فهم الفصيل السياسي الأبرز الذي رفض الخروج يوم 25 يناير.. وهم الذين سمحوا بعد ذلك بمشاركة رمزية قوامها 200 شاب في الأيام التالية لبداية الثورة.. ثم صعدوا علي جثث شهداء الثورة ليعتلوا منصة الثورة.. التي حماها جيش مصر.. التي استكمل مهام حماية الثورة والشرعية الثورية حتي سقوط مبارك في 11 فبراير 2011 . فهل نسي الإخوان والسلفيون والجهاديون والتكفيريون تسلسل الأحداث؟! وكيف كان موقفهم من الثورة قبل نزول القوات المسلحة؟! وكيف حدث التحول العظيم حين سقط نظام مبارك فعليا عشية الحادي عشر من فبراير 2011.. والآن ماذا يبتغون بهذه المليونية؟ هل هي لإرهابنا بقوتهم.. فالله أكبر وأعلم بالسرائر وما تخفي الصدور؟ هل هذه المليونية لانتزاع السلطة بالقوة قبل أن تستكمل فصائل الثورة وتحالفاتها قوتها وقدرتها علي المنافسة.. لا في التنظيم.. ولا في التمويل الذي يأتي من الجهات الأربع عربية وغير عربية!! هل يطرحون علينا الخيار الأخير قبل صدور الحكم النهائي باغتيال (مصر المدنية).. واغتصاب (الحريات الشخصية).. وحقوق المواطنة للشعب المصري.. فالخيار المطروح الآن: إما أن نقبل ب«الدولة الدينية».. وإما أن ندخل في «حرب أهلية».. أو نترك لهم البلاد ونهاجر كما قال الشيخ يعقوب صاحب (موقعة الصناديق).. الذي طالب أقباط مصر بالهجرة إلي كندا إذا لم يمتثلوا لحكم مولانا الشيخ يعقوب.. إن ما يحدث الآن في التحرير.. ينذر برياح الدمار التي قد تهب علينا من الصحراء الشرقية.. فالأعلام التي رفعت في التحرير كانت إشارة واضحة إلي مصدر الأموال التي صنعت منها وبها هذه الأعلام. هكذا يتم العبث بمصير مصر والمصريين، وهكذا يتم دفع الأمور إلي طريق مسدود.. فصبر المجلس العسكري يبدو أنه لن ينفد.. والشرطة إن لم تكن قد تراخت انتقامًا من الثورة والمصريين فهي مغلوبة علي أمرها.. وربما تكون يدها مغلولة ونحن أصبحنا في مهب الريح.. ما بين انفلات أمني وبلطجة ليس لها رأس ولا رجلان.. لا نعرف من أين تجيء وإلي أين تذهب.. ولحساب من تعمل.. وكأنها كائن خرافي من الأساطير أو شبح ليس له مثيل.. وبين جماعات التكفير والهجرة.. ودعاة الدولة الدينية.. وتقييد الحريات.. والعاقبة عندكم في المسرات.. والله وحده يعلم إلي أين سيذهبون بنا.. بعد هذه المليونيات وهذا العبث بمصير وطن بأكمله.. وأمة صابرة علي المكاره؟