د. محمد الدمرادش العقالى آخر إبداعات الشيخ محمود عامر، القيادي السلفي، ورئيس جمعية «أنصار السنة المحمدية» بدمنهور، ما صدح به من تحريم التصويت في انتخابات للمرشح المسلم الذي لا يصلي، والقبطي والعلماني والليبرالي الذين لا تتضمن برامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية، وفلول الوطني، واستثني من وصفهم بالشرفاء من رجال الحزب المنحل. وقال: «التصويت لهؤلاء حرام شرعا، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب إثما كبيرا وتجب عليه الكفارة»، وطالب الناخبين بالتصويت لمرشحي القائمة الإسلامية، أو أي مرشح دائم التردد علي «المساجد ومشهود له بحسن الخلق» لإعداد برلمان إسلامي. والعجيب أن الشيخ يطالبنا بأن يكون مرشحنا الأثير مصليا وأن نفتش عن حاله، إن كان ممن يترددون علي المساجد أم لا، دون أن يشترط في هذا المرشح أي شرائط علمية أو مواصفات قيادية أو نزاهة خلقية تحمله علي القيام بأمانة التمثيل البرلماني، ثم يطالب المرشح القبطي إذا أراد أن يفوز برضائه هو وفصيله بأن يتضمن برنامجه الانتخابي تطبيق الشريعة الإسلامية! واحسب أنه لم يبق سوي أن يطلب منه أن ينطلق بالشهادتين لينعم بجنة البرلمان الموعودة! كما أن الشيخ العلامة تركنا حياري في بيان أية كفارة تقع علي المرء حال ارتكابه إثم انتخاب القبطي أو اقترافه خطيئة التصويت لليبرالي أو سقوطه في كبيرة اختيار العلماني. ولهذا الشيخ النحرير أحوال لطيفة تستحق التوقف المفضي للتعجب، فقد سبق لفضيلته أن خاض غمار انتخابات مجلس الشعب عام 2000 ضد الدكتور جمال حشمت القيادي الإخواني البارز، بينما حصل الدكتور حشمت علي 30 ألف صوت لم يكن نصيب الشيخ عامر من ثقة الناخبين سوي 200 صوت والطريف أن عامر برر فشله الذريع وقتها في أحد البرامج بكونه مثل الأنبياء قليل الاتباع. كما أن هذا الشيخ الهمام ممن يحلو لهم امتشاق حسام التكفير، فيهدر في الارهاصات المبكرة للثورة دم الدكتور محمد البرادعي، لأن في تصريحاته - علي قدر قول وفهم الشيخ عامر - حثا وعزما علي شق عصا الناس في مصر الذين يعيشون تحت ولاية حاكم مسلم متغلب وصاحب شووكة تمكنه من إدارة البلاد، وأيا ما كان حاله في نظر البعض فهو الحاكم المسلم الذي يجب السمع والطاعة له في المعروف - يقصد مبارك طبعا- ومن ثم لا يجوز لمثل البرادعي وغيره أن يصرح بما ذكر، وعليه أن يعلن توبته مما قال وإلا جاز لولي الأمر أن يسجنه أو يقتله درءا لفتنته حتي لا يستفحل الأمر. والحق أن الرجل ما انفك كريما في توزيع فتاوي التكفير والقطع بإهدار الدم لمخالفيه ذات اليمين وذات الشمال، فهو لا يحرم الدكتور القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من هذا الفيض، فيهدر دمه لأنه - أي القرضاوي - طالب شعب مصر بالعصيان والخروج علي الحاكم، لذا فهو - في رأيه - من الخوارج الواجب إهدار دمهم، ولكن يجب أن يكون التنفيذ علي يد الحكومة وطالب الشيخ عامر بعرض فتواه علي الأزهر لدراستها جيدا حتي يقوم الأزهر ودار الإفتاء بإصدار الفتوي رسميا واعطائها الصبغة القانونية لكي تستطيع الحكومة تطبيقها. بل إن الرجل لا ينسي ولاءه لنظام المخلوع برفضه محاكمة حسني مبارك، معتبرا المحاكمة إهانة للشعب المصري والرئيس السابق، مبررا أنه يمتلك أدلة شرعية بعدم جواز محاكمة مبارك، لأنه أحد أبطال حرب أكتوبر التي أعادت الكرامة لمصر، كما أنه كان «سلطان» مصر، ولا يجوز أن يهان أو يحاكمه أحد. واعتبر الشيخ عامر، أن إسقاط مبارك، أو الإمام «كما وصفه غير شرعي لأن الإسلام الأموي الذي يتسربل به الشيخ وأشباهه لا يجيز الخروج علي «السلطان» أو الحاكم، ولا يجيز الثورات أو خلع الحاكم إلا في حالتين، هما منع الناس من الصلاة، أو الردة عن الإسلام. ووفقا لهذا التوجه، فإنه من قتلوا في ثورة يناير من المصريين هم «شهداء وهميون»، حيث لم يقتلوا في حرب ضد العدو، وهو ما يعني - حسب رأي الشيخ- أنه لا تجوز محاكمة مبارك بسبب قتلهم، موجها بثاقب فكرة السياسي- لا حرمه الله منه- اتهاما ضمنيا للشعب المصري بالتنكر لفضل ومنجزات رؤسائه، فهم «المصريون» قتلوا السادات صاحب نصر أكتوبر، والآن يحاكمون مبارك أحد قادة النصر مع السادات. والحقيقة أن الشيخ عامر لا يغرد وحده في الساحة بهذا الكلام الممجوج، فالساحة ملأي بأضرابه وأشباهه من حملة لواء الفكر الوهابي مثل الداعية السلفي أحمد فريد صاحب الدعاء علي الليبراليين والعلمانيين في قيام رمضان الأخير الذي خلصت قريحته وزين له عقله في مؤتمر السلفية الأخير بالإسكندرية صياغة المعادلة علي هذا النحو: «مسلم - علماني - ليبرالي» فاختر أيها: إما أن تكون علمانيا أو ليبراليا أو مسلما. ولكن لا يجوز أن تكون مسلما علمانيا أو مسلما ليبراليا، فهذا الوصف وذاك لا يجتمعان مع الإسلام. وهذا - لعمري - منتهي الخلط والاستخفاف بالعقل، فمتي كانت الليبرالية أو غيرها من التوجهات الفكرية دينا يحل محل إسلامنا أو تكون معتقدا بديلا عن معتقدنا، كم من الشخصيات وأفراد مسلمين كاملي الإسلام شديدي الاعتزاز بولائهم إليه وهم في الوقت نفسه ينتهجون الفكر الليبرالي طريقا للتعاطي مع المشهد السياسي، ولهم نظرتهم في دور الدين ومهمته في المجتمع وحدود هذه المهمة، قد نتفق مع بعضها أو نختلف مع أغلب ما ينتهجون لكن باليقين لا نملك أن نزايد علي إسلامهم. فليرفع كل منا يده عن أخيه ولنترك الحساب لرب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثري، وليعلم الجميع أن الموت يعمنا، والقبور تضمنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا وهو خير الحاكمين، وصدق الله العظيم «فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون».