الدروس الدينية والخطابة هى أبرز الطرق التى تعتمد عليها أذنبة داعش لاستقطاب الشباب المسلمين فى أوروبا، معتمدة على الفجوة بين العادات والأعراف العربية والأوروبية، فراح دعاة الظلام والتعصب إلى بث سمومهم فى عقول الشباب، فى ظل وجود قصور للتمثيل الصحيح للآمة والمشايخ الذين ينتهجون منهج وسطية الإسلام. اعتمدت داعش فى استقطابها للشباب على أذرع تركية تتمثل خارجيًا بصورة المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات للشعب السوري، وفى الباطن تقوم بدور «الديلفري» الذى يوصل شبابنا إلى سوريا فى المناطق التى تسيطر عليها داعش ويتم إجبارهم على البقاء هناك وتنفيذ تعاليمهم أو الجلد والقتل. تفاصيل كثيرة مر بها محمد عمار التونسي، الشاب ذو الستة والثلاثين عامًا، خلال الثلاث سنوات الحالكة، التى مكث بها مع داعش فى سوريا، يكشفها خلال حواره فى برنامج «بالورقة والقلم» على قناة «ten «، ويكشف النقاب عن الدور التركى فى نقل الشباب العربى إلى سوريا. وإليكم نص الحوار.. ■ فى البداية عرفنا عن نفسك وعن مستوى تعليمك؟ اسمى محمد عمار عبدالقادر، من مدينة صفاقسبتونس، أنا الابن الوحيد لعائلتى وسط أربع فتيات، وعمرى 36 عاما تزوجت من فتاة ألمانية وأنجبت منها اثنين من الأبناء يعيشون فى المخيمات بسوريا. وبالنسبة لدراستى فقد كنت أدرس بمجال التكنولوجيا فى تونس ولكنى انقطعت ولم أكمل دراستى وسافرت بعد ذلك لعدد من البلدان بدأتها بدبى ثم رجعت إلى تونس ومنها إلى تركيا ثم اليونان وايطاليا وفرنسا وفى الأخير استقريت فى ألمانيا وتزوجت وأنجبت بها، وعملت هناك بمجال التجارة فكنت أشترى الأشياء من ألمانيا وأبيعها فى محلاتى الخاصة بتونس . ■ حدثنا عن فترة تواجدك بتونس وما إذا كنت انضممت فيها إلى أى تيار دينى؟ - لم أنضم إلى أى تيار دينى فى تونس ولم أكن متدينا وقتها ولا أحضر أى دروس دينية فى المساجد، فقد كنت «صايع» بمعنى الكلمة، وكنت أعمل فى فندق خمس نجوم بمنطقة «جربة» وكل تعاملاتى مع السياح. ■ ومتى بدأت الالتزام الديني؟ - بدأت فى ألمانيا قبل عام واحد فقط من سفرى إلى سوريا، فالدعوة فى ألمانيا قوية جدًا وأقوى بمراحل من الدعوة فى تونس والبلدان العربية، كنت أعيش فى «هامبورج» وأتلقى الدروس الدينية فى المساجد على العديد من الدعاة « أبو حمزة» و»أبوعبدالله» وغيرهما، ومن مختلف الجنسيات، وأكثرهم من المغرب والجزائر وإفريقيا والسودان، وكان أيضَا هناك داعية مصرى وهو شيخ أزهرى يتبع التيار السلفى. ■ وما هى الطرق التى سلكها هؤلاء لضمك إلى صفوفهم؟ - عن طريق إعطاء الدروس الدينية ورويدًا رويدًا يجد الشخص نفسه يسلك طريقهم، فلا يوجد واقعة محددة أو مسلك محدد، ولكن لأن الألمان لهم دينهم وعاداتهم البعيدة عن تعاليم ديننا الإسلامى وأعرافنا العربية، فلا يوجد أمامك سوى الاستماع إلى العرب والسير على طريقهم. ■ وهل تعلم زوجتك الألمانية بهذه النقلة فى حياتك؟ - لم تعلم زوجتى بالتغير والنقلة التى حدثت لى، لأننا عندما تعرفنا على بعض كنت أنا ملتزما وهى أيضًا ملتزمة دينيًا. ■ ومتى أتيت إلى سوريا؟ - أتيت إلى سوريا مرتين الأولى فى أوائل عام 2014 والثانية فى أخر الشهور من نفس العام، وفى الزيارة الأولى جئت ضمن منظمة انسانية فى ألمانيا تسمى «هيلفن نوت» تقدم المساعدات للشعب السوري، والمسئول عن هذه المنظمة تركى الجنسية، وانتقلنا وقتها من ألمانيا إلى اسطنبول بالطيران، ثم من أحضروا لنا سيارات الإسعاف المحملة بالأدوية المساعدات وجاءت برًا إلى تركيا عن طريق بلغاريا، فأخذنا سيارات الإسعاف المجهزة بجميع المساعدات ودخلنا من تركيا إلى «إدلب» السورية عن طريق النقطة الحدودية «باب الهوى». ■ هل وجدتم أى معوقات بعد دخولكم سوريا؟ - فى الزيارة الأولى لم نواجه أى معوقات أو صعوبات وكان هناك تنسيق بين المسئول التركى وشباب سوري، فقد كنا سبع سيارات إسعاف تقوم بالمساعدات ولم يكن هناك تواجد للنظام السورى وكان التواجد فقط للجماعات الدينية والشعب السوري، وكانت الجماعات الدينية تمتلك مقرا هناك بمنطقة «كفر تخارين» وعينوا لنا شابا سوريا يسهل الأمور علينا يدعى» أبو علي»، وأتممنا المهمة وعدت إلى ألمانيا مرة أخرى. ولكن فى الزيارة الثانية لم أستطع الرجوع إلى ألمانيا فقد أجبرتنى داعش على البقاء والمكوث رغمًا عني، فقد مررنا بنفس خط سير الزيارة الأولى ولكن مع اختلاف أنهم بلغونا أنه توجد منطقة منكوبة وهى منطقة «الباب» وطلبوا منا التوجه إلى هناك وأرسلوا معنا شخصا يكون دليلا لنا وأعطونا ورقة بها صورتنا بمثابة بطاقة مرور أو تصريح، ولكننا فوجئنا بأن هذه المنطقة بيد داعش وأخبرونا أنهم محتاجين سيارة إسعاف فى منطقتى «الرقة» وأخرى في»الطبقة»، وبمجرد دخولنا إلى هناك مُنعنا من الخروج وقالوا لنا «خليكم فى بلاد الإسلام أزاى أنتم مسلمين وتتركون أرض الاسلام وتعيشوا فى أرض الكفر»، وكان معى شخص ألمانى الأصل ولم يكن يرغب فى البقاء ولكنه أُجبر مثلي، وقال لى أحدهم تعليقًا على تصريح المرور «شيل الورقة دى ما بتاكل عندنا عيش»، والدليل الذى أرسلوه معنا من إدلب لم يساعدنا لأنه لم يكن يرغب فى الرجوع إلى إدلب مرة أخرى وحُبسنا معهم مضطرين لأنهم يطبقون مبدأ «دخول الحمام مش زى خروجه» . ■ لماذا لم تحاول الهروب والرجوع إلى ألمانيا؟ - حاولت الهروب أكثر من مرة وحاولت استخدام الفلوس من أجل اغراء البعض لإيجاد سبيل لى حتى أعود إلى ألمانيا ولزوجتى وأبنائى، ولكنى لم أستطع، فإذا دخلت أرض داعش فإنك لست مخير للرجوع مرة أخرى، وهذا الأمر لا يقتصر عليّ وحدى وإنما العديد من الناس قد دخلت إلى سوريا ولم تستطع تحمل الأوامر والتحكمات التى تفرضها داعش، وحاولت الخروج ولكنها لم تستطع، لأنهم يطبقون حد «الردة» فى حالة محاولة الهرب، وهو التعذيب والجلد، ثم يقومون بقتل الشخص إذا حاول الهروب للمرة الثالثة. وتمكنت من الهروب فى 2017 بعد إعطاء المهرب سيارتى الجديدة حتى يوصلنا إلى قوات سوريا الديمقراطية، وهذا الأمر أخذ منى محاولات عام كامل. ■ بعد إجبارك على المكوث معهم، ما الذى طلبوه منك؟ - طلبوا منى أن أعمل معهم على سيارة الإسعاف وأنقل المساعدات الطبية لإسعاف جرحاهم فى مناطق الصراع، وكان فى هذا التوقيت بينهم قتال مع رجال النظام السورى فى منطقة مطار طبقة وكانت أول مرة أسمع فيها صوت الصواريخ، وأُصبت فى هذا اليوم ودخلت مستشفى الرقة وأخذوا اسمى وسجلونى عندهم، وتركونى فترة حتى أتعافى من إصابتى ثم عودت للعمل معهم مرة أخرى، وأعطونى سكنا فى الحى الثالث. ■ هل شاركت معهم كمسعف على مناطق يقتل فيها الدواعش الناس؟ احنا نعمل فى الخط الثانى لأن سيارة الإسعاف لا تستطيع الدخول إلى أماكن المعارك، فهم كانوا يقسمونها إلى ثلاثة خطوط الأول به مسعفون تابعون لهم ينقلون الجرحى إلى خط الدفاع الثانى فى الموقع الذى أعمل به ونقوم فيه بنقل المصابين إلى المستشفيات بسيارات الإسعاف . ■ هل رأيت الغنائم والأموال التى يحصلون عليها فى المعارك ؟ - رأيت الكثير من الغنائم المتمثلة فى الغالب فى دبابات ومدافع وسلاح، ولكن فيما يخص الأموال والأشياء الثمينة مثل الذهب فيتم وضعها فى مكان يسمى ديوان الغنائم ويقوم أفراد تابعون لهم بنقلها فى سيارات خاصة بهم لأماكن غير معلومة، ولم أر هذه الغنائم الثمينة بعينى أبدًا. ■ هل كنت تحصل على راتب نظير ما يكلفونك به؟ - لم أحصل على أى أموال من داعش وكنت أعمل فى سبيل الله، فكان بداية عملى مع منظمة إنسانية لا تعطى راتبا وكان الهدف من عملى هو تقديم المساعدات للشعب السورى، ولله فقط. ■ هل رأيت دولة «الخلافة» المزعومة فى داعش؟ - تغير الوضع والصورة كثيرًا ففى البداية منذ أخر عام 2014 وحتى أول 2015 كانت المعاملة طيبة والدولة طيبة تسهل وتيسر الأمور وكنا نسير بحرية دون قيود، ولكن مع منتصف عام 2015 تحول الأمر والصورة بدرجة كبيرة فمُنعنا من الحركة بحرية والخروج لابد أن يكون بتصريح وفى مهمة، بالإضافة إلى غِلظة فى المعاملة ليس لها مثيل أبدًا خاصة عند الحواجز وازدادت بشكل كبير جدًا مع بداية قصف قوات التحالف. ■ هل سبق ورأيت الخليفة أو أيا من أصحاب المناصب لديهم؟ - لم أر الخليفة مطلقًا وأعلى منصب رأيته كان «أبو محمد الأردني» الذى كان يشغل منصب أمير الطبية فى الشام وسوريا. ■ ما الذى تعرفه عن موضوع الإزيديات؟ - داعش أعطت الإزيديات الأمان وخدعتهن وهو أمر غير مقبول ومخالف للإسلام، وفى قرارة نفسى أن السر الذى فعلته داعش لم يكن «سبى» وإنما «زنا» واضح وصريح حاولوا تقنينه وبروزة ووضعه فى إطار يخدم رغباتهم ولكن هو «زنا» واضح نهى عنه الإسلام. ■ إذا رجع بك الزمن مرة أخرى هل كنت ستنضم لداعش وتأتى إلى سوريا؟ - سأقول كلمة خالصة وأنا مسئول عنها لو رأيت سورى يغرق وينادى حتى أقوم بإعطائه القشاية التى تنجيه من الغرق، فلن أساعده أبدًا، يكفى ما حدث معنا خلال السنوات السابقة لا نستحق هذه المعاملة كل دولنا أتخلت عنا والعالم كله يلفظنا ولا يرغب بنا، والأتراك تركونا نذهب إلى سوريا ولم يأت معنا سوى شخص واحد تركى وسجن معى بينما الآخرون ينعمون فى بلدهم، والدعاة الذين أقنعونا بالسفر إلى سوريا يعيشون فى ألمانيا ويرفعون من تجارتهم وأعمالهم وألقوا بنا إلى التهلكة وصدقناهم بحسن نيتنا وطيبتنا أن الأمر لله ولخدمة الإسلام، ثم أصبحوا هم أول من ينظر علينا ويدعوا بأننا إرهابيون. كنت شخصا يقضى يومه فى الديسكو بين السياح والخمر والحشيش فأصبحت سجينا وأبنائى يعيشون فى المخيمات. ■ ما الذى تنصح به الشباب الصغير ممن يرغبون فى فعل ما قمت به؟ - جئنا إلى سوريا لله وأصبح حالنا هكذا، لذلك فإننى لا أنصح أى إنسان سواء كان شابا أو كهلا أن يأتى إلى سوريا مطلقًا، لا تصدقوا أكاذيب إقامة دولة الخلاقة وانك هتدخل الجنة لو قتلت والعالم كله كافر، كل هذا الكلام فى جهة والإسلام فى جهة أخرى، خليك فى بيتك أكرم أمك وأبوك وربى أولادك على التربية الصحيحة المحترمة الإسلامية الحقيقية وليس إسلام إصدارات داعش والخزعبلات والأكاذيب ودولة المافيا التى كونها حزب البعث فى العراق و»صيع» سجن «صيدنايا» الذين تركهم النظام السوري، فقاموا بتكوين دولة وأطلقوا عليها اسم الخلافة، فقد كذبوا على العالم كله باسم الإسلام.