لم يكن مشهداً مسلياً حتي تعيد إذاعته قنوات عربية كبيرة الاسم والأداء، مئات المرات.. ذلك المشهد الذي يتحسس فيه القذافي الدماء علي وجهه.. ثم ينظر إلي يده بعد أن وضعها علي جبينه فيراها مخضبة بالدماء.. ويستعطفهم قائلاً: «حرام عليكم..»!!. ولم ينته المشهد عند ذلك الحد من المهانة.. فقد ضربوه مرة أخري.. ومرة ثالثة.. ورابعة.. حتي مات.. وبعدها بدأوا في خلع ملابسه حتي جردوه منها تماماً.. ثم سحلوه علي الأرض بعد وفاته.. وهكذا فعلوا بالمعتصم ابنه. لم أضبط متلبساً في حياتي محباً للقذافي.. ولا موالياً له.. بل إن البلد العربي الوحيد الذي تلقيت عشرات الدعوات الرسمية لزيارته ولم ألب الدعوة مطلقاً هي ليبيا.. ولكنها الحقوق الشرعية للمتهمين والمجرمين وأسري الحرب.. أن يعاملوا معاملة إنسانية ويقدموا لمحاكمة عادلة.. ثم يشنقوا أو يموتوا رمياً بالرصاص وأياً كانت قسوة الحكم الصادر ضدهم فيجب أن ينفذ بقلب ميت أو يحاكموا علي أنهم مجرمو حرب.. إن من قتلهم شارون وبيجين وبن جوريون وموشي ديان وجولدا مائير.. وإسحاق رابين وتسيبي ليفني وإيهود باراك.. أضعاف مضعفة من العرب والفلسطينيين المسالمين الضعفاء أطفالاً ونساءاً وكهول وشيوخاً لقد قتل شارون وحده المئات في مخيم صبرا وشاتيلا في أعقاب انسحاب المقاتلين وأبو عمار من بيروت عام 1982.. والتقارير تقول إن شارون وحزب الكتائب اللبناني دخلوا المخيم وذبحوا أكثر من خمسة آلاف فلسطيني وفلسطينية في ست ساعات وجميعهم من الأطفال والنساء وكبار السن العزل من السلاح.. وحتي الآن لم يحاكم أي اسم من كل أسماء هؤلاء السفاحين مصاصي دماء البشر. لقد كان القذافي حاكماً سفيها.. نصف مجنون ونصف إله.. دمر شعبه بجنونه.. وبدد ثروات بلاده علي نزواته وملذاته وشطحاته الغبية.. ولكنه في النهاية هو إنسان له حقوق.. سيقول لي البعض ألم يكن لشعبه حقوق عليه.. أقول لهم.. لقد قتله (حلف الناتو) قتله الأمريكان.. قتله الغرب لحساب أنفسهم لحساب أطماعهم في بترول ليبيا.. لم يكن التدخل الأمريكي البريطاني الأوروبي يوماً ما لصالح الشعب الليبي.. ولم تكن حقوق الليبيين تهم الأمريكان في أي يوم من الأيام.. إنها حسابات دولية.. وصفقات للاستيلاء علي بترول ومقدرات الشعوب. إن الأمريكان منذ أن عرفهم التاريخ كقوي عظمي لم يصنعوا ثواراً.. ولم يساندوا ثورة شعبية في حياتهم.. ولكن أمريكا محترفة في صناعة (العملاء).. ومحترفة في وأد الثورات.. وقهر الشعوب.. إن ما يحدث في ليبيا.. وسيحدث قريباً في عدد من الدول العربية يجب أن ننتبه له جيداً. بالتأكيد أن ديكتاتورية واستبداد الحكام العرب.. وفساد الأنظمة العربية هي التي أوقعتنا في قبضة النظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا.. لتصنع لنفسها الإمبراطورية الأمريكية.. وبالتأكيد الحكام العرب يستحقون المحاكمة علي كل كبيرة وصغيرة من الجرائم التي ارتكبوها في حق شعوبهم المغلوبة علي أمرها. ولكن علي كل (الثوار) العرب الذين جاءوا من العواصم الأوروبية علي (أسنة رماح) الدبابات الأمريكية.. وطائرات (حلف الناتو).. أن ينتبهوا إلي أن (الحداية لا تلقي بالكتاكيت).. والأمريكان وإسرائيل والغرب يتلمظون جائعين عطشي للدم العربي والبترول العربي.. والسوق العربية.. والإنسان العربي.. نحن من الآن علينا أن ننتبه إلي (سايكوس بيكو) الجديدة التي تريد أن تنهش وطننا العربي.. وتقطعه إرباً كفريسة مهيضة الجناح.. لقد خدعنا حكامنا.. وخانوا ما ائتمنهم عليه شعوبهم.. وارتكبوا في حقوق شعوبهم ما لا ينسي ولا يغتفر.. ولكن تذكروا جيداً أن أمريكا لا تصنع ثواراً.. ولكنها تصنع (عملاء). إن قتل القذافي علي هذا النحو يبشر بأن هناك مذابح أخري في انتظار باقي الحكام العرب.. ولكنني أتمني أن يذبح كل الطغاة والسفاحين الصهانية أسوة بذبح القذافي علي هذا النحو البشع الذي تصدره لنا القنوات العربية بقدر هائل من الشماتة والتشفي.. إنني لا أدافع عن القذافي فلطالما كرهته وكرهت غباءه.. وسطحيته.. وطيشه.. وتخلفه.. ولكن حكام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الذين يلتهمون الأراضي الفلسطينيةالمحتلة كل صباح ببناء مزيد من المستوطنات أشد ظلماً واستبداداً.. ودموية من القذافي.. فلماذا لا تدافع أمريكا عن الشعب العربي في فلسطين لماذا لم يرسل (حزب الناتو) دباباته وطائراته وبوارجه الحربية إلي شواطئ غزة لتنقذ الأطفال الفلسطينيين والنساء والعجائز من قبضة السفاحين الصهاينة في حرب غزة في يناير 2010.. لماذا لم تطالب (الثوار) الفلسطينيين بتتبع تسيبي ليفني وإيهود باراك.. وكونداليزا رايس.. والقبض عليهم وذبحهم وقتلهم بوحشية.. ثم تجريدهم من ملابسهم وسحلهم في الشوارع.. أحياناً تكون الأسئلة جارحة.. والإجابات داعرة ومنحطة.. ولكن في أحيان كثيرة تنتحر الأسئلة علي الدماء المتحسرة فوق جثث الحكام العرب الذين أهانونا.. وأهانوا أنفسهم.. وأهانوا كل الجنس العربي المهدد بالانقراض.. فلنا الله جميعاً فهو أرحم الراحمين.