الدبلوماسية المصرية بريئة من تعكير صفو العلاقات المصرية الأفريقية، والمسئول الوحيد عن هذا كان الرئيس السابق محمد حسني مبارك.. هذا ما أكده في حواره ل«روزاليوسف» د. محمد بدر الدين السفير المصري في جنوب أفريقيا والذي شغل عدة مناصب منها بعثة الدبلوماسية المصرية في شيكاغو ثم عدة مواقع في الخارجية، منها مدير إدارة غرب آسيا، وسفير مصر في اليمن حتي 2006، ومساعد وزير الخارجية للشئون العربية، هذا إلي جانب خلفية أكاديمية تتمثل في دكتوراه في العلاقات الدولية، و3 مؤلفات في العلاقات الدولية آخرها كتاب العلاقات الدولية بين العلم والممارسة فضلاً عن انشغاله بجانب عمله الدبلوماسي ببعض الأنشطة الأكاديمية. بدر الدين يطالب بضرورة استقلال وزارة الخارجية كجهاز مستقل عن القيادة السياسية، بحيث يكون لها استراتيجية ثابتة مستقلة سواء عن الأحزاب الحاكمة أو الحكومات المتعاقبة، لضمان إبعادها عن الأهواء وتأكيدًا لوقوفها عند نفس المسافات من كل دول العالم ولا تتغير السياسة الدبلوماسية الخارجية بتغير الحكومات، لتظل مصر علي موقف واحد في سياستها الخارجية. وأوضح السفير المصري أن العمل الدبلوماسي عمومًا لا يختلف كثيرًا من بلد لآخر وهناك قواعد ثابتة في كل دول العالم، والاختلافات من دول لأخري تحددها عوامل متعلقة بطبيعة العلاقات بين البلدين، فمثلاً مصر ودول حوض النيل لابد وألا تتشابه مع دول أمريكا اللاتينية، فهناك تركيبة معينة للعمل تؤخذ في الاعتبار. والدبلوماسية المصرية متعددة الأبعاد وهذا التعدد مرتبط بكون مصر دولة أفريقية وعربية وإسلامية، وهذه التركيبة الخاصة بالدبلوماسية المصرية تنعكس علي طبيعة عمل الدبلوماسي. حادث أديس أبابا وحول اتهام الدبلوماسية المصرية بتعكير صفو العلاقات المصرية الأفريقية في عهد النظام السابق.. قال السفير محمد بدر الدين هذا الكلام علي درجة من غير الدقة ولم تتوقف مصر أبدًا عن الاهتمام بأفريقيا، وإنما كانت المسألة نسبية، كان هناك خلل في معالجة علاقة ملفات مصر بالدول الأفريقية في السنوات السابقة نعم، ولكن هذا الخلل لم يكن نتيجة لتجاهل الدبلوماسية، ولكن لتجاهل دبلوماسية القمة، بمعني أن الرئيس مبارك تحديدًا امتنع منذ 95 عن حضور القمم الأفريقية وتراجع دوره بشدة بسبب حادث أديس أبابا، وهذا التراجع كان له الدور الرئيسي والأكبر، فيما بدا من تراجع الدبلوماسية المصرية، لأن غياب رئيس الدولة عن الإطار الأفريقي أدي إلي غياب الحماس النسبي عن التفاعلات الأفريقية. وكان وزراء الخارجية الأفارقة يجتمعون ولابد أن يشارك فيها الوزراء المصريون، نحن نحضر، ولكن غياب الرؤساء يؤثر علي صورتنا حتي مهما بذلنا من جهد، وبالتالي عندما نقول أن جهاز الخارجية المصرية لم يتراجع عن القيام بمهامه، فهذا كلام دقيق ولكن السياسة الخارجية المصرية كان حضورها أفريقيا خلال ال15 سنة الماضية أقل مما ينبغي أن تكون عليه، وجهاز الخارجية المصرية كان يحاول أن يخفف من هذا الغياب. مصر الثورة نتمني ونأمل ونحن في مرحلة انتقالية، ألا تغيب مصر من أي إطار أفريقي، وأي مؤتمر فني أفريقي يحضره الوزراء المعنيون ولا يترك الأمر للخارجية المصرية لسد هذا الفراغ. الدبلوماسية الشعبية وفيما يتعلق بدور الدبلوماسية الشعبية في افريقيا لفت السفير المصري إلي أنها مكملة وليست أداة رئيسية، وهي أداة للتفاعل ولابد أن يكون حضورنا يتناسب مع دور مصر في الإطار الأفريقي وعندما نقول إننا نريد أن تكون تفاعلاتنا كثيفة، فإننا مطالبون بتفاعلات سياسية وثقافية واقتصادية، ولذا فإن الدبلوماسية الشعبية مطلوبة لكنها وليست كافية، مثلما أن الدبلوماسية الرسمية تقوم بالدور الرئيسي ولكنها ليست كافية، فالكلام يجب أن يبدأ من رأس الدولة حتي الشعب. مشكلة تأسيس الجالية وتحدث بدر الدين عن أوضاع الجالية المصرية في جنوب افريفيا مؤكداً أنها صغيرة نسبياً وجزء منها دخل إلي جنوب لافريقيا دون أن يسجل بالسفارة، وهذا يؤثر علي مواقف هذه الدول في منح التأشيرات، هناك عدد في جوهانسبرج وآخر في كيب تاون، انتقل إليهم من وقت لآخر، لقضاء مصالحهم، ونسعي لتأسيس جالية لهم لحماية حقوقهم بالتواصل مع السفارة. وحول تأخر تأسيس جالية مصرية في جوهانسبرج أكد أن العلاقات بين مصر وجنوب افريقيا بدأت عام 94، ومازلنا أمام ظاهرة حديثة جدا هي قدوم المصريين إلي جنوب افريقيا، وبالتالي الجاليات تنشأ ولكن تأخذ وقتا، وهناك بالفعل جمعية تم إنشاؤها وفي طريقها للتواصل مع أفراد الجالية، ولكن عندما يحدث تسجيل علي نطاق واسع سيؤدي هذا إلي تحسن ملحوظ في الإسراع بإجراءات تشكيل الجالية. ولكن تظل المشكلة أن عدد التسجيل بالسفارة هو أهم العقبات أمامها فهناك عدد كبير من المصريين غير مسجلين بالسفارة، وعدد المسجلين لا يتجاوز ألفين بينما الإجمالي يتجاوز 6 آلاف. وأضاف أن المصريين يعملون في كل أنواع العمالة بجنوب افريقيا وقلة منهم في الجامعات وهناك الأطباء بالمؤسسات العلمية المختلفة، ولكن هناك الكثير منهم في أعمال حرفية وباعة جائلون، وأبرز المشاكل التي يتعرض لها بعض المصريين هي الأخطار في المناطق النائية، وإذا تعرضوا للوفاة نتخذ الإجراءات لترحيلهم لمصر، والحالة الأمنية في جنوب افريقيا ليست علي أكمل ما يكون ودائماً ما نقول لهم تجنبوا هذه المناطق. وبشأن العلاقات بين مصر وجنوب افريقيا أوضح السفير بدر الدين أنهما باعتبارهما أكبر دولتين في القارة، فهناك تبادل زيارات علي مستوي القمة ومساحة تفاعلات ضخمة بين البلدين، ونعمل علي تنشيط كل هذه الزوايا، والرئيس جاكوب زوما رئيس دولة جنوب افريقيا زار مصر وأبدي استعداده للتعاون الكامل مع حكومة الثورة والتي يقدرها حالياً جميع قادة أفريقيا. وأضاف أن تطورات الثورة في مصر كانت سريعة، وصدر بيان من حكومة جنوب افريقيا يؤكد أنهم يؤيدون ما يختاره الشعب المصري، وخلال زيارة عصام شرف لجنوب افريقيا لحضور قمة الكوميسا، أكد الجانبان أهمية البناء علي ما تم وأن علاقات الشراكة يجب تنميتها وهناك الكثير من الأنشطة التي تمت في الشهور الأخيرة لتأكيد هذا المعني. ولفت إلي أنه بشأن المقارنة بين تجربة المصالحة بجنوب افريقيا بعد الثورة علي الاضطهاد العنصري وبين إمكانية المصالحة حالياً بين القوي السياسية المصرية عقب ثورة الاطاحة بنظام مبارك فإن الأمر مختلف، وكل بلد لها تجربة خاصة ولا يمكن أن نستورد التجارب، وهذا الإطار العام هو الذي يجب أن نأخذه في الاعتبار، بينما الإطار الثاني هو أن مصر دولة كبيرة لها تاريخها وخصوصيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وليس من السهل للدولة الكبيرة أن يكون نمط تطوراتها أو أوضاعها مشابهاً لأي دولة أخري ولا يمكن أن تكون مصر أي دولة أخري، لأن مصر هي القدوة التي يجب أن تحتذي، والحالة أيضاً في جنوب افريقيا كانت أيضاً مختلفة وكانت تجربة فريدة من نوعها، لأن الثورة كانت ضد نظام عنصري بغيض قلة بيضاء تسيطر علي المجتمع وارتكبت كثيراً من الجرائم، وكان الخيار هو إما أن يبدأ المجتمع صفحة جديدة أو تحدث مواجهة لا حدود لها بين أغلبية تقدر بحوالي 4 ملايين، وأقلية وتصبح هناك جرائم أخري، ولهذا كانت فكرة لجنة المصالحة ملائمة جداً. أضاف السفير المصري أن مفهوم لجنة المصالحة علي إطلاقه لا يمكن الاستفادة منه لحل أزمتنا في مصر ولكن علي مستوي الفكرة يمكن بشرط أن نحدد الأطراف الذين سيتم التصالح بينهم، إنما عندما نعجز عن تحديد الأفراد الذين يمكن أن يجلسوا للتصالح، فالأمر في جنوب افريقيا كان أبيض وأسود، إنما في مصر الأمر ليس أبيض وأسود الأمر شديد التعقيد، من الذين يجب أن يتصالحوا. مصر إلي أين؟ وردا علي سؤال حول مصر إلي أين قال «بدر الدين» المرحلة الانتقالية ليست سهلة ومعقدة وعلي الأجل البعيد أظن أنها ستسير للأفضل، ولن تختار مصر نموذجا من أحد لابد من أن تضع مصر نموذجها مع الحفاظ علي دورها الريادي في المنطقة الذي بدأ في القرن التاسع عشر، وعلي أن تطور نموذجا متميزا يأخذ في اعتباره دروس القرن التاسع عشر، ولابد لهذا النموذج أن يأخذ في اعتباره دروس تجربة 1919 ودروس التجربة الليبرالية، ودروس التجربة منذ عام 52، ومن كل هذه الدروس نستطيع أن يكون لدينا التجربة السياسية والتي ستكون هي نموذجا للعالم وليس تقليدًا لأحد. وأؤكد من جديد علي مفهوم أن مصر لديها دبلوماسية كبيرة وتاريخية، وهذه الدبلوماسية محترفة تعمل لخدمة المصالح السياسية المصرية العليا ولا تعمل لخدمة أي نظام سياسي، وتعمل لخدمة الشعب المصري ولابد أن نؤكد علي هذا المعني، لأن هذا المعني هو الذي يتناسب مع امكانات مصر وتاريخ مصر لعدة أشياء، أولاً أن مصر بحكم تعقيد سياستها الخارجية، وتعدد ملفاتها تحتاج أن يكون هناك جهاز محترف وليس سياسيا، وظيفته أن يقدم التوازن والثبات في السياسة الخارجية، فالخارجية تحتاج إلي ثوابت تتفق مع تقاطعات جغرافيتها وتاريخها ومزاج شعبها العام، وهو حقه أن يحمي مصالحه الخارجية في ظل هذه التقاطعات وأن يقدم المثل للمبادئ التي يؤمن بها وليس تتغير بتغير السياسات. السياسة الخارجية دورها الحفاظ علي المصالح وتقديم النصيحة الدقيقة لصانع السياسة الذي يجب أن يحترم ما يقدمه الجهاز لأنه جهاز لا يعمل لخدمة نظام سياسي ولا قائد وإنما يعمل لخدمة مصر. وإذا لم نستطع في ظل هذه المرحلة الانتقالية أن نحافظ علي هذا التوازن الدقيق سندخل مثل بعض التجارب في كثير من دول العالم، والتي مرت بمصر فيما يسمي بالتعيين السياسي، ويمثل خطورة حيث يذهب السفراء مع الحكومات ويعملون لخدمة الحكومات ولا يعملون لخدمة البلاد وهذا الأمر موجود في دول عربية وافريقية واسيوية وأوروبية وأمريكية، وفي بعض الدول يعين السفراء من الأحزاب التي تحكم وبالتالي لا يخدمون دولتهم وإنما ولاؤهم يكون للأحزاب التي يمثلونها. ولفت إلي أن التعيين السياسي مفاده أن السفراء يعملون في خدمة حكومات بعينها، عندما يأتي رئيس وزراء مستقبلاً في الانتخابات يريد أن تكون الدفة باتجاه أوروبا دور هذا الجهاز لا فنحن نقدم النصيحة المخلصة أن هذه هي المصالح المصرية الحيوية، ولا يعني تجاهل أوروبا وإنما مصالح مصر الجوهرية في حوض النيل وفي الإطار الأفريقي العربي، وثم بعد ذلك في الإطارات الأخري، وبالتالي هذا الثبات الذي يجب أن يكون لجهاز الدبلوماسية المصرية وفي طرق التعيين من خلال الكفاءة فقط وليس الولاء للحزب السياسي هو الذي يضمن الحفاظ علي أكبر قدر ممكن من المصالح. أما علي صعيد اجتماعات البرلمان الافريقي في غياب التمثيل المصري فأوضح السفير المصري بجنوب إفريقيا أن ذلك ظرف مؤقت نتيجة لعدم وجود برلمان منتخب حتي الآن، وهو الأمر الذي يتفهمه القائمون علي البرلمان الافريقي. ولفت إلي أن الفترة المقبلة ستشهد تحركات مصرية علي جميع الأصعدة من أجل الدفع بدور البرلمان الافريقي ليحظي بصفة شرعية في التشريع للقوانين التي تخدم الشعوب الأفريقية، وهي القضية المطروحة منذ عدة سنوات، ولابد من خطوات علمية مدروسة لكي نصل إلي هذه المرحلة، وتكون بالبدء في مرحلة بناء البنية التحتية الاقتصادية بين هذه البلاد الافريقية بشكل مشابه لما تم في أوروبا، وعندما نصل إلي هذه المرحلة سنكون علي الطريق الصحيح لبدء العمل، فنحن لانريد أن نبدأ العمل من القمة وفي القاعة لا يوجد شيء، هذه هي الرؤية المصرية، والتي كانت حريصة دائما علي المشاركة في البرلمان الافريقي، ونحاول تعويض غياب البرلمانيين المصريين، وهناك اهتمام خاص بالسفارة المصرية بجنوب أفريقيا، وفي كلمتي أكدت للبرلمان أن مصر حريصة علي مواصلة دورها الرئيسي وشرحت خطوات التحولات المصرية والدور المحوري الذي مازالت مصر تلعبه في المنطقة.