مأساتنا نحن العرب لا تكمن في أن أحد حكامنا مخلوع والثاني محروق والثالث هربان والرابع طفشان.. والآخرون في طريق الصعود إلي الهاوية. لكن المأساة تكمن في أبناء الشعوب العربية من الذين يحملون أسماء وألقاب حكامنا.. هؤلاء ضحايا بالفعل.. تخيل معي طفلاً وديعًا.. بريئًا.. جميلاً.. صغنطوطًا واسمه القذافي كيف سيمضي هذا الطفل وحيدًا في الدنيا الواسعة بلا أليف؟ أما لو أتعبك البحث في سجلات المواليد المصرية عن عدد الذين يحملون أسماء «مبارك» فلن تجد منه كثيرًا.. وربما لن تجد إلا مبارك عليكم الشهر يا مؤمنين.. خاصة بعد أن تكفلت محكمة عابدين للأمور المستعجلة برفع اسمه من جميع البيانات والمؤسسات. ولسوف تعرف وأكيد أنت تعرف أن اسم «جمال» هو ثاني أشهر أسماء المصريين والعرب بعد «محمد».. أما الذين أسعدهم حظهم وزمانهم لأن اسمهم «ناصر» فهم كثيرون. بالتأكيد أن الذي جعل من اسم «جمال» ثاني أكثر الأسماء العربية هو الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر.. وسوف تجد أن عددهم في ازدياد رغم توافد رؤساء آخرين لهم أسماء مختلفة.. بل وبالرغم من سطوة وبطش الكثير منهم ومحاولاتهم المستمرة في طمس سيرة وتاريخ «جمال» من «كتاب العرب» الأكثر أهمية ولسوف تجد أن بطون النساء لا تزال حبلي بجمال أو ناصر.. أو عبدالناصر. أما ناصر فهو ليس فقط اسمًا لمولود ذكر.. بل اسمًا، كذلك لبحيرة.. وبنك.. وشوارع.. وأكاديمية عسكرية.. ومدينة سكنية.. وحلم قومي كان ومازال.. ولسوف يكون. وهو أغنية وفيلم وقصيدة.. وحكاية كل عربي يحلم بعودته المستحيلة.. أو يحلم بقميص عبدالناصر يستر أجساد الحاكمين والرؤساء والملوك والقادة والولاة والسلاطين وأولي الأمر.. لعلهم يكتسون. ولسوف تجد في الضمير العربي تلازمًا بين ناصر والناصر صلاح الدين.. ولو بحثت في الأحراف الثلاثة الأساسية «نون وصاد وراء» وحاولت عمل تشكيلات لفظية واسمية من هذه الحروف النورانية فلسوف تجد الناصرة والنصاري والأنصار والنصر. أما جمال فاسمه يحتل البيوت العربية بمنتهي البساطة.. قد يكون أخاك أو أباك أو ابنك أو جارك.. مسلمًا كان أو مسيحيا مصريا كان أو عربيا.. أما أشهر أسماء جمال فهو «جول جمال» ليس فقط لأنه اسم لأحد شوارع الدقي.. بل لأنه اسم لمناضل سوري حارب في مصر أيام العدوان الثلاثي عام 1956 .. وهو مواطن مسيحي اسمه جول من أب مناضل سوري من اللاذقية.. و«جمال» أبو «جول» هو الآخر ناضل ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا وكان حافظًا للقرآن الكريم وكان طبيبًا بيطريا.. أما جول ابنه فقد أرسلته السلطة السورية في بعثة من عشرة أفراد للالتحاق بالكلية الحربية في مصر وتخرج ضابطًا في سلاح البحرية وصادف وجوده العدوان الثلاثي علي مصر. وشارك في إغراق المدمرة الفرنسية (جان دارك) قبالة سواحل بورسعيد 1956 .. وكرمه عبدالناصر ومنحه وسامًا وتم تخليده في فيلم مصري أنتج عام 1960 اسمه (عمالقة البحار) بطولة أحمد مظهر ونادية لطفي. والذين يفخرون ويتفاخرون لأن اسمهم «جمال» ليس عليهم أن يحزنوا لأن هناك آخر اسمه جمال محمد حسني سيد مبارك. والآخرون الذين يحملون كنية الزعيم الخالد فقط عليهم أن يقولوا بفخر وانتشاء: اسمي ناصر