يقف حائرًا بين عدم الرغبة فى الحياة، وعدم الرغبة فى الموت، ولكن ما ينتهى به الأمر أو بالأحرى الانحياز لإحدى الكفتين يتوقف على الحالة النفسية التى يمر بها الشخص، قد لا نفهم الدافع النفسى الذى يصيب شخصٍ ما بالانهيار الذى يميت داخله محاميه النفسى الذى يبقى مستيقظا بذهنه ليدافع عن حياته كلما فكر فى الانتحار، ولكن فى معظم الحالات ينتهى به المطاف لاختيار الضغط على زر إنهاء الألم كما يُخيل له، ويقوم بإنهاء حياته. أسباب معلومة وغير معلومة تحيط دائمًا بكل واقعة انتحار، ولكن يبقى الغموض هو سيد الموقف فيها، ويظل الجانب المظلم متصدر المشهد، كما حدث فى واقعة انتحار زوجين عقب تناول حبة الغلة السامة فى قرية كتامة التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية. تعددت الأقاويل وانتشرت الشائعات فى شوارع المحافظة حتى وصل صداها وترددت بقوة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». انتقلت «روزاليوسف» إلى القرية التى شهدت الواقعة، وهى أيضًا مسقط رأس الزوج «المنتحر»، على حد وصف البيان المبدئى للطب الشرعي، وذويه هم الآخرون، لمعرفة القصة الحقيقة، والأسباب النفسية التى دفعت الزوجين لإنهاء حياتهما. «ماتوا وسرهم معاهم» قرية كتامة، مثلها كبقية القرى تتسم بطباع الريف المصري، يسودها المودة والحب، إلا أن واقعة انتحار الزوجين رسمت فوقها غيامة حزن وهلع من تلك الفاجعة. بمجرد وصولنا إلى القرية وجدنا على قارعتها مقهى، فتوجهنا إليه ليرشدنا أحد الجالسين عن منزل أهل الزوجين، ودار الحديث بيننا وبينهم، «كل واحد بكلمة ورواية»، وبعد سرد أى قصة تنتهى بمقولة «منعرفش عملوا ليه كدة، عندهم مشاكل زى أى بيت ما توصلش للانتحار»، وآخرين «مؤكد هناك سر خلف انتحارهما، لكن مات ودفن معهما. أميرة فوزى «الزوجة المنتحرة» ابنة قرية «السعدية» المجاورة لقرية «كتامة»، أتت إلى القرية منذ 15 عاما حينما تزوجت من زوجها الأول، انجبت منه «ولد وبنت»، وهو «حجازى الزناتي، أمين شرطة»، وتوفاه الله فى حادث طريق، وظلت ارملة لخمسة أعوام، وانتهى بها المطاف بالزواج من شقيقه محمد الزناتي، حداد» أو «الزوج المنتحر». «روايات أهالى القرية والجيران» التف حولنا الأهالي، وسمعنا لرواياتهم منذ أول شبر فى أرض القرية وصولًا لمنزل «الزناتي»، بدأ الحديث «سيد رخا، صاحب كشك بناصية القرية: المتوفية كانت حادة الطباع، وتفتعل المشكلات مع الجميع وتعدت ذات مرة بالسب على جارتها العجوز، ولكن الآن لا يجوز عليها سوى الرحمة، واستكمل: شيع فى كل أرجاء القرية عن العلاقة العاطفية التى ربطتها بزوجها المنتحر عقب وفاة زوجها الأول، وكانت لا تتركه، واستطرد: «ليها اخت جوزها ذبحها وأخد فيها مؤبد». وقاطعه الحديث «وليد حسن» قائلًا: «أميرة، ومحمد»، عقدوا زواجهما «بعد ما البلد كلها كلت وشهم»، واستكمل: كانت دائمة الصراخ حتى على أتفه الأسباب، وعويلها كان يملأ القرية يوميًا حتى فى تعاملاتها مع نجليها، وفى يوم الواقعة، سمعنا صرخات بنات الزوج المنتحر أثناء محاولاتهن إسعافه، فاتجه الأهالى لمنزله، وتم نقله بسيارة أحد الجيران إلى مستشفى شربين العام فى محاولة لإنقاذه، لم يمر سوى ساعتين ولفظ أنفاسه الأخيرة بسبب تناوله حبة الغلة السامة، التى فاحت رائحتها الكريهة من جوفه، وواصل: عندما عدنا وجدنا أهل الزوجة يتجمهرون أمام منزلها الموصد، فى محاولة منهم الدخول وفى ذات الوقت الكل يهاتفها ولكنها لا تُجيب، قفز نجلها داخل المنزل من الشباك الخلفى من خلال البيت المجاور لهم، وبمجرد دخوله فتح بوابته لاخواله وخالته، وصعد مسرعًا يبحث عن أمه، واسترسل: كانت الصدمة حينما وجدها مسجاه على الأرض وقد فارقت الحياة فصرخ مرددًا «الحقونى ماما ماتت»، واستكمل: اشتعل غضب أهلها وبدأو يوصمون أهل القرية بأنهم بلا نخوة، وتركوا السيدة حتى أزهقت روحها، وادعوا على زوجها المنتحر أنه خلف موتها «قتلها وخاف من العقاب القانونى فانتحر». وتابعت «نجلاء، جارة الزوجة»: «أميرة كانت عصبية بس قلبها أبيض»، وكانت تتخذ من السبب سبيلًا للضحك مع الجيران، وواصلت: يوم الواقعة كنت فى الشغل وتركت هاتفى فى المنزل، وبمجرد وصولى علمت بهذه الكارثة، واستطردت: لا أتوقع أن يكون للزوج يد فى وفاتها، ولكن لا أحد يعلم سبب وانتحارهما، واستكملت: هى وزوجها كان يربطهما علاقة عاطفية قوية، والخلافات التى وقعت بينهما مثلهما كأى زوجين، ولانتوقع أنها تدفعهما للانتحار. وتابع أحد الأهالى رفض ذكر اسمه: سمعنا أنه تزوجها لثرائها، فكانت تمتلك منزل كبير، و قامت ببيع قطعة أرض «الفلوس جريت فى ايدها وخاف حد تانى يتجوزها ويتمتع بالعز ده». «أهل الزوج» الحزن يخيم على منزله، متشحًا بالسواد من هول الفاجعة، استقبلتنا نجلته الكبرى «لطيفة، متزوجة»، قالت والدموع تنهمر من عيناها: «يوم الواقعة استيقظ والدى كعادته باكرًا لأداء صلاة الفجر فى المسجد، وعقبها توجه لشراء الخبز وتوصيله لمنزله، وأتى إلى منزلى الساعة العاشرة صباحًا وقبل رأسى والدموع فى عينيه مرددًا «سامحينى يابنتي»، وتركنى وذهب مسرعًا إلى منزل العائلة فهرولت خلفه، ولحقته فى المنزل، وسقط فى أرض المنزل واستمر فى التقيء حتى سمع الجيران صوت صراخى أنا وشقيقتي، فأتوا إلينا وقمنا بنقله للمستشفى، وتابعت: كانت علاقتها بنا طيبة وتولت رعايتنا منذ وفاة والدتنا مسئولية شوارنا، واستطردت: انا فى حالة ذهول من يومها، ولا أحد يعرف سبب قيامهما بذلك. وقاطعتها شقيقتها الحديث: «معرفناش أن أميرة انتحرت غير بعد انتحار بابا» موضحٍة أنهم حاولوا التواصل معها لمعرفة السبب وراء قيام والدهم بهذه الفعلة، فلم ترد عليهم، واسترسلت: الجيران اتصلت بأهلها فحضروا، ووجدناها هى الأخرى قد فارقت الحياة، وأوضحت أن والدها كان مدين لأحد الأشخاص بسبب شوار ابنته، لكنها لا ترجح أن يكون هذا سبب انتحاره، فجميع أفراد العائلة تتكاتف فى هذه المواقف، كما أنه كان فى طريقه لسداد باقى المبلغ. والتقطت طرف الحوار جارة المتوفي: «أنا اتصلت أخت أميرة وقولتلها الحقى الزناتى اخد حبة غلة سامة وانتحر، فقالت معقولة يكون أخد الحبة منها وأخذها هو»، وأوضحت أن الزوجة قد أحضرت حبتان من الغلة السامة، وهددت أكثر من مرة بالانتحار بتناولها، واخذها الزوج خوفًا عليها، ليتجرعها هو، واستكملت: اتضح أن لديها واحدة أخرتها وهى التى تسببت فى انتحارها. وقالت نجلة عم الزوج: لم يكن هناك أى علامات تشير إلى أن الحادث جنائي، وتابعت: «كان روحه فى أميرة ومكنش يطلع جنيه غير لها»، وواصلت: وقفت جوار بناته فى زواجهن بكل ما تستطيع. واستكمل «السيد عز، نجل عم الزوج»: كان يربطهما علاقة حب منذ وفاة زوجها الأول، ولكن حال رفض أهلها دون إتمام الزيجة، وواصل: وهى الأخرى إلا منعت الزواج بغيرها، موضحًا أن زواجهما كانت مدته 15 يوما وعقبها انتحرا، ولم يعلم به أحد إلا بعد وفاتهما حينما أشهرت اخته العقد، واستكمل: فى انتظار تقرير الطب الشرعى النهائى لخرس الالسنة، خاصة أن فى وجه كل منهما «آثار خربشة بسيطة». «أهل الزوجة المنتحرة» بعد الواقعة أخذوا نجليها، وذهبوا إلى قريتهم ومسقط رأسهم «السعدية»، وأغلقوا المنزل. تواصلنا مع شقيقة الزوجة هاتفيًا، فقالت «إيناس فوزي»: «احنا شاكين إنها اتقتلت مخنوقة، وطلبنا تشريح الجثة للتأكد»، مؤكدًة أنهم لا يوجهون اتهاما لأى شخص إلا عقب صدور تقرير الطب الشرعى النهائي.