تجارب عديدة عالمية ناجحة لقطاع الأعمال العام بالعديد من الدول المختلفة سواء الدول الرأسمالية الكبرى كبريطانيا أو فرنسا أو غيرها كدول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية أو أخرى آسيوية، استطاعت النهوض بقطاع الأعمال لديها من خلال تراجع حكومات هذه الدول فيما تمتلكه بالكامل والسماح بتوسيع قاعدة الملكية والشراكة مع القطاع الخاص بهدف ترشيد الإنفاق الحكومى، وتدبير سداد الديون الحكومية، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وتدعيم مشروعات البنية التحتية، وزيادة الكفاءة الاقتصادية، وبدأت معظم هذه الدول فى أوائل الثمانينات هذه الرؤية مع التحول من النظام الاشتراكى الى الرأسمالى.. فى حين أن قطاع الأعمال العام المصرى لا يزال لم يدرك هذا التحول ولا يزال يعيش فى الماضى مما انعكس على أداء هذا القطاع من خسائر طائلة وليس له أى مرود اقتصادى.. وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى وزير قطاع الأعمال خلال لقائه الاخير بضرورة دراسة الاستفادة من تجارب قطاع الأعمال العام بالدول الأخرى، روزاليوسف تستعرض فى هذا الملف تجارب الدول الناجحة فى التعامل مع قطاع الأعمال وكيف تستفيد منها مصر؟ خبراء الاقتصاد: القطاع العام المصرى بحاجة لجراحة عاجلة والاستفادة من التجارب الناجحة وقال الدكتور رشاد عبده، رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن هناك العديد من التجارب العالمية الناجحة فى إدارة قطاع الأعمال العام التى بدأت مع التحول العالمى من الاشتراكية الى الرأسمالية وإعادة هيكلته والنهوض به والدفع به نحو آليات ومستحدثات السوق، ومن التجارب الرائدة تجربة رئيسة الحكومة البريطانية «مارجرت تاتشر» فى أوائل الثمانينات وتوسيع قاعدة الملكية واستغلال الأصول غير المستغلة بالدولة وايضا تجارب دول أوروبا الشرقية كالمجر وبولندا وغيرها فى حسن إدارة قطاع الأعمال العام لديها، منتقدا وضع قطاع الأعمال العام فى مصر لعدم قدرته على إدراك آليات السوق الحديثة وتطوير نفسه والوقوف عند حقبة الاشتراكية فى الستينيات والسبعينات وإدارته بعقليات عقيمة لا تعى معنى التطوير والتحديث مما أدى لتفاقم خسائره وتحوله من منتج ومشارك فى الاقتصاد القومى فى الماضى إلى عبء على الدولة فى الوقت الحالى، وأضاف عبده إلى ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية فى النهوض وإدارة قطاع الأعمال والنظر عليها وأخذ منها ما يلائم الوضع فى مصر. وأشار دكتور هشام ابراهيم، أستاذ التمويل بجامعة القاهرة، إلى أنه أصبح من غير المقبول وضع شركات قطاع الأعمال الخاسرة التى تستنزف المال العام وتهدر الملايين والتعامل معه بطريقة المسكنات غير مجد، واكد أن الاستفادة بالتجارب الدول الأخرى فى إدارة القطاع الحكومى لديها سيكون لها مردود إيجابى للتعامل مع بعض الشركات الخاسرة، وتابع أن هناك إرادة سياسية واضحة للنهوض بهذا القطاع وتمثل ذلك فى التوجيهات العديد التى يقوم بها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى بنفسه للتعامل مع هذا القطاع. التجربة البريطانية توسيع قاعدة الملكية ومنح أسهم مجانية من التجارب الناجحة فى النهوض بقطاع الأعمال التجربة البريطانية والتى بدأت عام 1979، منذ أن بدأت مع حكومة المحافظين برئاسة «مارجريت تاتشر «فى ذلك الوقت، وهى من أولى البدايات فى هذا الاتجاه لذا تعد بحق من التجارب الرائدة من حيث التهيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية، وعملت الحكومة البريطانية على توسيع قاعدة الملكية بعدة خطوات، على رأسها تشجيع الدولة للمؤسسين فى المقام الأول على شراء نصيب الدولة من الأسهم أو جزء منها، وتشجيع المديرين والعاملين بإعطائهم أولوية فى شراء الأسهم، أو إعطائهم أسهم مقابل نصيبهم فى الأرباح أو تخفيض ثمن الأسهم لهم، أو إعطائهم حافزاً للشراء، أو منح المتميزين من العاملين أسهم مجانية لكونهم ذوى المسئولية الأولى فى استمرار عطائهم للشركة وتطويره ومضاعفته (إعطاء مزايا واضحة للعاملين) ووضع قيود على المستثمرين الأجانب فى حال الاستثمار بها وألا تزيد حصة المستثمر الأجنبى على 15٪ من إجمالى أسهم الشركة، مع عدم مشاركة الأجنبى فى مجلس الإدارة واحتفاظ الحكومة بسهم خاص يسمى السهم الذهبى فى الشركة يحق لها به حضور الجمعية العمومية، صورة ذهنية أمام المواطن ان الشركات تعمل بمراقبة الدولة لإعمال الصالح العام ودون إضرار متعمد بحقوق المستثمرين والمساهمين. فرنسا بدأت بالخصخصة ووضعت قيود على مشاركة الاجانب فى قطاع الاعمال فى فرنسا بدأت تتجه نفس الإتجاه وتطلع لتجربة بريطانيا فى إدارة الشركات الحكوميه لديها منذ أن تولى فرانسوا ميتران الحكم، وقد بدأت تجربة فرنسا 1986 بخصخصة شركة رينو لصناعة السيارات، وقامت الحكومة الفرنسية بتهيئة المناخ الاستثمارى، وتطوير أسواق رأس المال الفرنسية، وأعطت اهتماماً متزايداً لتوسيع قاعدة الملكية، وقامت الحكومة بتشجيع صغار المستثمرين المواطنين، بإعطائهم أولوية فى شراء الأسهم المعروضة، وإعطاء المزيد من الاهتمام للعاملين فى الشركات التى يشملها برنامج الخصخصة، بإعطائهم حق الاكتتاب فى حدود 10% من أسهم منشآته، واحتفظت الدولة لنفسها بسهم ذهبى فى بعض المنشآت، وقامت الحكومة الفرنسية بتطوير القوانين لجذب الاستثمارات الأجنبية، مع وضع ضوابط لمساهمة المستثمرين الأجانب، حتى لا يترتب عليها ضرر للاقتصاد.
أوروبا الشرقية فتحت الباب لمشاركة القطاع الخاص تحولت أغلب دول أوروبا الشرقية إلى الحد من هيمنة القطاع العام، عبر عدة آليات أبرزها الهيكلة المالية وشراكة القطاع الخاص، لتقليل الخسائر وتقليص العمالة وتحويلها إلى قطاعات أخرى منتجة وإلغاء الحوافز الإضافية والمجر على سبيل المثال فى بداية برنامج الإصلاح ألغت العديد من الحوافز الإضافية لعمال القطاع العام نتيحة ما يحققه من خسائر،وفى ألمانياالشرقية كان يخضع لسيطرة كاملة للدولة معظم مصانعها تمتد من مصانع الحديد والصلب وتصل إلى محلات الحلاقة، وكان العمود الفقرى للاقتصاد الاشتراكى يتألف من قرابة 220 مجمعا عملاقا تنشط فى مختلف الفروع الصناعية والتجارية وقطاعى البناء والخدمات وتضم نحو 13 ألف مصنع ومنشأة، إضافة إلى 17 ألفا من محلات التجارة والمطاعم والفنادق وكانت جميعها تقريبا تعمل بخسائر وتعتمد بهذا القدر أو ذاك على دعم الموازنة العامة والذى بلغ فى عام 1989 أكثر من 120 مليار مارك شرقى. وأمام هذه الإرث الثقيل تم أولا استحداث وكالة حكومية شكلت بناء على قانون خاص بها وسرعان ما أحيل القطاع العام فى ألمانيا بأكمله لها، وثانيا محاولة إعادة هيكلتها وإنقاذها ومساعدتها على الوقوف على قدميها مع تصفية والإغلاق الخاسر منها الذى لا جدوى فى تشغيله مع مراعاة الجوانب الاجتماعية. وقد تولت هذه الوكالة مهمة تاريخية بالفعل من حيث حجمها وتعقيداتها والسرعة المطلوبة لتنفيذها، لاسيما وأنها كانت تجرى فى ظل الانتقال من نظام التخطيط المركزى إلى اقتصاد السوق ووسط صراعات وتناقضات اجتماعية وسياسية حادة ونجحت فى تنفيذ المهمة، كما أطلقت الدولة برنامجا ضخما لإعادة تأهيل العاطلين عن العمل وتزويدهم بمعارف نظرية وعملية فى شتى المجالات، وتسريع الانتقال إلى اقتصاد السوق اعتمدت الحكومة الألمانية برامج للنهوض بأوضاع الجزء الشرقى من البلاد. فبعد أن كان الناتج المحلى الإجمالى للفرد الواحد فى شرق ألمانيا فى عام الوحدة الألمانية 1991 لا يزيد عن 45٪ بالمقارنة مع غرب البلاد، ارتفع هذه المؤشر فى منتصف الالفنات إلى 73٪. و تقدم واضح للنجاح السريع فى إصلاح النظام الاقتصادي. المجر على سبيل المثال فى بداية برنامج الإصلاح ألغت العديد من الحوافز الإضافية لعمال القطاع العام نتيجة ما يحققه من خسائر وبطبيعة الحال نظم العمال المظاهرات، تماما كما نظم عمال غزل المحلة وغيرها المظاهرات لصرف أرباح رغم الخسائر، لأنهم اعتادوا على صرفها منذ سنوات. المجر ألغت منحة الشهر الثالث عشر التقليدية التى يحصل عليها عمال القطاع العام فى إطار حملة التقشف فى البلاد بينما تحاول الحكومة كبح جماح العجز فى الميزانية والذى تفاقم ليصل إلى نسبة 9.2% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2006، وهو أعلى مستوى فى دول الاتحاد الأوروبى فى ذلك الوقت.