ارتبط شهر رمضان الكريم فى أذهان الكثير من المصريين بإعداد الولائم والإسراف فى العزائم للأهل والأصحاب، فينقضى شهر رمضان وتجد أن ما أنفقته الكثير من الأسر خلال هذا الشهر فقط على الطعام قد يساوى ما أنفقته طوال العام، ما يفقد الشهر واحدة من أهم صفاته وهى الزهد. لا يقتصر الزهد فقط خلال هذا الشهر على الطعام، وإنما يمتد ليشمل عادات أخرى تعلق بها المسلمون فى مصر وكثير من الدول العربية، إذ تشغل الأعمال الدرامية حيزا كبيرا من أوقاتهم، فينصرف الكثيرون خاصة من النساء عن أداء العبادات، وقد يتجاهل أيضا بعض الرجال أداء صلاة التراويح بغية الجلوس على المقاهى والسهر حتى مطلع الفجر، وغير ذلك من مظاهر الرفاهية والترف التى تنافى كليا مفهوم الزهد الذى ينبغى تحقيقه قدر المستطاع خلال الشهر الفضيل. من جانبه أكد الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، أن «البذخ» هو أحد أسوأ المظاهر فى شهر رمضان المبارك، قائلًا: «رمضان للتقشف وليس للبهرجة، وهذا ما أوصى به النبى –صلى الله عليه وسلم- حينما أوصى صحابته بإفطار الصائمين ولو على تمرة أو شربة لبن أو ماء، أما الآن يتم تحضير الولائم الكبيرة لاستقبال الضيوف والتظاهر أمامهم، للأسف نصف الطعام يُلقى فى سلة المهملات، فى حين يوجد آلاف الفقراء الجائعين، فنحن نستهلك فى رمضان قدر ما نستهلكه فى خمسة شهور». وعن دعوات البعض لغلق المقاهى فى رمضان قال وكيل الأزهر الأسبق ل «روزاليوسف»: «لا أحبذ ذلك، لأنها متنفس للشباب، ولكن عليهم الالتزام بالقيم والأخلاق، فلا يرتكبون حرامًا، لأنهم يعتقدون أن ليل رمضان ليس كنهاره بحكم الصيام، فلا مانع من الترويح عن النفس بما لا يخالف الدين». واختتم عاشور: أن تحقيق الزهد فى رمضان يكمن فى الاقتداء بأفعال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلال ذلك الشهر، والحفاظ على قيام الليل قدر المستطاع، واستدعاء الخشوع فى القلوب بعد أن قست وجف حنينها إلى الله، بجانب ترك الملهيات قدر المستطاع، على الأقل خلال الشهر الفضيل، فهو فرصة لا تعوض. كما شدد الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر على ضرورة أن يتخلى المسلمون فى مصر والعالم العربى كله عن السلوكيات الخاطئة التى يتبعونها فى رمضان قائلًا: «توجد سلوكيات خاطئة وأعراض سيئة لدى أبناء المجتمع تؤدى بهم إلى إهدار أموالهم بشكل أو بآخر مما حرمه الشرع الحكيم خاصة بكثرة العزومات التى يتم فيها إهدار المال بشكل ملحوظ، ما يخالف شرع الله - عز وجل - فالترشيد فى الإنفاق فريضة». واستطرد وكيل لجنة الفتوى الأسبق: «رمضان فرصة عظيمة للمسلم أن يوفر من نفقته وأن يدخر من ماله وأن يعود نفسه على التقليل من الطعام والشراب بشكل عام، عملا بقول الله سبحانه وتعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين)». ومن ناحيتها قالت أستاذة ورئيس قسم الفقة المقارن، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر، الدكتورة سعاد صالح: إن رمضان شهر له منزلة خاصة عند الله ورسوله والمسلمين أجمعين، فهو مدرسة شرعها الله لتهذيب النفوس، وتطهيرها من الذنوب، وتقريب القلوب، ونزل فى حقه آيات تبين هدف ذلك الشهر الفضيل، كما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - العديد من الأحاديث التى تبين آداب الشهر الفضيل، ومن أهمها عدم الإسراف والتبذير، وتحقيق أعلى درجات الزهد، وكذلك ترك السب والقذف والفسوق، وهذا ما يُبح صوتنا فى تبينه كل عام، ولكن يضيع أثر ذلك بمجرد انتهاء الشهر الفضيل، وعليه يفتقد المسلمون للإحساس بروحانياته، لأن البعض منهم، بل الكثير تخلوا عن آدابه. وفى سياق متصل، أوضحت الدكتورة أسماء جمعة الخولى، مسئولة ملف الواعظات بوزارة الأوقاف، أن أكثر ما يعيب المرأة المسلمة فى رمضان هو إسرافها فى إعداد ولائم الطعام، بجانب جلسات النميمة التى تبدأ مع المسلسلات الدرامية، وكل تلك الأمور تلهى عن صلاة التراويح وتلاوة القرآن. وتابعت «جمعة» خلال تصريحاتها ل «روزاليوسف»: إن ثقافة العزائم المبالغ فيها بين الأسر فى رمضان ارتبطت بالمظهر الاجتماعى وليس بنية إفطار الصائم، مؤكدة أنه لو تم إنفاق تكاليف تلك الولائم فى إعداد وجبات متوسطة المستوى لإفطار المساكين والفقراء فى الشوارع لأصبح ثوابها أعظم وأكبر.